سألتني وأنت الأعلم بالجواب، عن شيء يقبل كلّ جواب، ويصعب أن يصدق عليه أيّ جواب. إنّه الشّعر وما يكتنفه من محيط ومخيط، وهو يطوف بين صفا جرحه، ومروة نوحه، معلنا لبّيك حسّي وإليك نفسي.
فالشّعر عندي أيّها السّائل الرّقيق، جوهر لا تكتنفه الأعراض ولا تستدعيه الأغراض، بل هو نسمة من نسمات البيئة الدّاخلية في العالم الخفيّ من كلّ إنسان، بغضّ النّظر عن ثقافته أو جهله؛ إلاّ أنّ النّاس في ذلك طرائق قدد، وفي الغالب مردّ اختلافهم إلى القدرة على التّعبير وجودا وعدما. والحقّ أنّ هذا التّعليل له نصيبه من الصّواب، غير أنّه ليس مقنعا إذا حاولنا التّعمّق في ميتافيزيقا الشّعر، إذا جاز لنا هذا التّعبير. فهناك الحسّ الباطني الذي لم يسلم إنسان من معاناته، وهو عندي على الأقل المسمّى بالتّجربة الشّعرية الحقيقيّة. ثمّ إنّ هذه المعاناة شعر بالقوّة لا بالفعل، ولا تتحقّق بالفعل حتىّ يكون هناك ذوق رفيع، لا يرجع لجمال النّص، بل لجمال الألم في انتظار المولود، حتّى إذا بلغ المخاض ذروته خرج وليدا سمّيناه النّص.
|