في العمق

بقلم
د.مصدق الجليدي
القضيّة الفلسطينيّة في الفكر السّياسي والتّربوي التّونسي
 أوّلا- جامع الزّيتونة والقضيّة الفلسطينيّة 
جامع الزّيتونة مؤسّسة تعليميّة وتربويّة عريقة، نشطت فيها الحياة العلميّة في النّصف الأول من القرن العشرين وصارت قبلة للآلاف من الطّلبة من مختلف مناطق البلاد التّونسية ومن خارجها. ونظرا لصبغتها التّقليديّة فقد تعالت فيها أصوات منادية بالإصلاح وهي أصوات الشّيوخ المتنوّرين كالشّيخ محمد الطّاهر بن عاشور وابنه محمد الفاضل بن عاشور وغيرهما. وكذلك أصوات الطّلبة الذين كثرت تحرّكاتهم حتّى تحوّلت إلى منظّمات كصوت الطّالب الزّيتوني الذي ظهر في آخر الأربعيّنات من القرن الماضي. 
تدّعم نشاط جامع الزّيتونة بظهور الجمعيّة الخلدونيّة وهي جمعيّة إصلاحيّة تكوّنت بتونس في آخر القرن التّاسع عشر، وتنوّعت أشكال نشاطاتها، ومنها المحاضرات التي تناولت بالدّراسة قضايا العالم العربي الإسلامي ومنها قضيّة القدس والأخطار المحدقة بها. 
وتخرّج من جامع الزّيتونة، مثقّفون وطنيّون آمنوا بالإصلاح ونادوا به واتخذوه مسلكا في حياتهم إلى الممات. وشملت أعمالهم المستوى الوطني التّونسي أوّلا والمستوى العربي الإسلامي ثانيا. وسأتوقّف في ورقتي هذه نظرا لضيق الوقت ووجود عناصر أخرى سأتكلم فيها، عند اثنين منهم فقط، هما الشّيخ عبد العزيز الثّعالبي والشّيخ محمد الفاضل بن عاشور.
أ- المؤتمر الإسلامي بالقدس ودور الشّيخ الثّعالبي في انعقاده:
ولد الشّيخ عبد العزيز الثّعالبي في مدينة تونس سنة 1293هـ /1875م في أسرة من أصل جزائري، تختصّ بالعلم والفضل والدّين والجهاد. ترعرع في رعاية جده عبد الرّحمان الثّعالبي، أحد مجاهدي الجزائر ووجهائها المعروفين. درس الثّعالبي في جامع الزّيتونة وتخّرج منه في عام 1896 حاملا شهادة التّطويع، ثمّ تابع دراسته العليا في المدرسة الخلدونيّة، ثم انخرط في الحياة العامّة، مجاهدا منذ صغره حتّى الممات في سبيل اللّه والوطن الصّغير تونس والكبير العالم العربي والإسلامي. وكمثال على جهود الشّيخ الثّعالبي في خدمة القضيّة الفلسطينيّة نذكر دوره في تنظيم المؤتمر الإسلامي بالقدس.
انعقد المؤتمر الإسلامي ببيت المقدس ليلة الإسراء والمعراج في 27 رجب 1350هـ الموافق لـ7 ديسمبر 1931م ودُعي إليه كبار العالم الإسلامي وأعيانه من جميع الأقطار، لينظروا في شؤون المسلمين عامّة، وللدّفاع عن إسلاميّة بيت المقدس وعروبته مع تزايد التّهديدات الصّهيونيّة لفلسطين والقدس. وقد عمل البريطانيّون على منع انعقاد المؤتمر، وشنّوا حملة صحفيّة شرسة على منظّميه، وبرزت أقلام صهيونيّة جاهرت بمعاداة المؤتمر ونادت بإفشال انعقاده. ورغم ذلك نجح المنظّمون في عقد المؤتمر في موعده في القدس وهم: الحاج أمين الحسيني، من فلسطين، والشّيخ عبد العزيز الثّعالبي، من تونس، وشوكت علي، من الهند. ونجح هؤلاء في جمع مئة وخمس وأربعين شخصيّة إسلاميّة من إثنين وعشرين بلدا من بينهم شاعر الهند الفيلسوف محمد إقبال (1873-1938). وكان الثّعالبي قد بيّن أهداف المؤتمر وبرنامجه في رسالة وجّهها من القدس إلى صديقه المحامي والصّحفي المصري، محمد لطفي جمعة (1886). يقول الشّيخ الثّعالبي في مراسلته: «أما مدار أبحاث المؤتمر فسيكون حول نقاط ثلاث:
  1 - البراق، وهو الجدار الغربي للمسجد الأقصى الذي اتخذه اليهود مبكى لهم وحاولوا أن يتّخذوه في عهد الانتداب الانجليزي معبدا أو كنيسا يقيمون فيه شعائرهم وطقوسهم القوميّة، وقصدهم أن يتذرّعوا بهذه الوسائل إلى امتلاك هيكل سليمان وتحويل مسجد الصّخرة إلى مذبح يهودي، ومن وراء ذلك إقصاء المسلمين والعرب بالتّدريج عن أرض الميعاد، وإحلال اليهود فيها محلهم؛
2 - اتخاذ التّدابير الفعّالة لإقرار رسالة المسلمين في فلسطين إلى الأبد؛
3 - جعل فلسطين مركزا لإنشاء ثقافة إسلاميّة جديدة تنير بصائر العالم بالهداية والعلم».
ووفّق الشّيخ عبد العزيز الثّعالبي بمعيّة الشّيخ محمد أمين الحسيني في عقد المؤتمر لفائدة القدس ونجح في إكماله واعتبر من رجال الإصلاح في العالم الإسلامي.
ب- الشّيخ محمد الفاضل ابن عاشور وأشكال نضاله لفائدة القدس وفلسطين: 
الشيخ محمد الفاضل بن عاشور(1909-1970 )هو أحد كبار رجال اللإصلاح بالبلاد التّونسيّة. وقد اعتبر من ركائز الجمعيّة الخلدونيّة بتونس، وقدّم فيها عدّة محاضرات وطنيّة تناولت الشّأن التّونسي والشّأن العربي الإسلامي. واستأثرت مسألة القدس خاصّة وفلسطين عامّة باهتمامات هذا الرّجل المصلح الذي قدّم سلسلة من المحاضرات تناولت جوانب من تاريخ فلسطين وواقعها والأخطار المحدقة بها. وتجلّى بوضوح الاهتمام بهذا الموضوع لمّا أقدم الشّيخ محمد الفاضل بن عاشور على طبع محاضراته في كتيب أطلق عليه اسم «فلسطين الوطن القومي للعرب»(1). تناول الشيخ محمد الفاضل في محاضراته التي ألقاها على منبر الجمعية الخلدونية بين 1946 و 1948 مسائل كثيرة أهمّها:
- اعتبار الحركة الصّهيونيّة حركة عنصريّة وليدة اضطهاد اليهود بأوروبا الشّرقيّة خاصّة، وهي إيديولوجيّة تقوم على التّضليل والمغالطة التّاريخيّة بادعاء الحقّ في أرض فلسطين.
 - تفنيد القول إنّ لليهود حقّا بفلسطين، وإن كانوا مرّوا بها كما مرّت شعوب أخرى بذات الأرض، واعتبار العرب الفلسطينيّين هم الوحيدين الذين استوطنوها فعلا والدّليل على ذلك هم وحدهم الذين حاربوا الصّليبيّين عند حملاتهم عليها بينما كان اليهود في دور «المرابي الذي ينتهز الفرص لبيع سلعه وترويج تجارته».
- التّأكيد على أنّ وعد بلفور (2 نوفمبر 1917 ) الممنوح لليهود والذي يعدهم بتكوين وطن قومي لهم بفلسطين، هو مؤامرة انجليزيّة غايتها إضعاف ألمانيا في الحرب واستعمال الحركة الصّهيونيّة لتكون حارسة لمصالحها في فلسطين.
- الحديث عن جهود الفلسطينيّين في مقاومة المؤامرات الانجليزيّة والغزو اليهودي لوطنهم، وذلك بحملة من الأشكال النّضاليّة بداية من ثورة البراق سنة 1929 إلى الثّورة الفلسطينيّة الكبرى 1936-1939 والأحداث الجارية سنوات ما بعد الحرب العالميّة الثّانية. مع تمجيد أبطال المقاومة كعزّ الدين القسّام وفوزي القاوقجي ومفتي فلسطين الشّيخ محمد أمين الحسيني وغيرهم.
- الرّفض بأنّ تحلّ قضيّة اليهود الذين اضطهدتهم النّازية وضحايا المعاداة للسّامية في أوروبا خاصّة أثناء الحرب العالميّة الثّانية على حساب الفلسطينيّين، ورفض مبدإ اقتسام فلسطين مع اليهود المهاجرين إليها. 
ولم تنقطع مساندة الشّيخ محمد الفاضل ابن عاشور للفلسطينيّين لتحرير بلادهم بل نشط في مناشط أخرى لمساندتها منها التجمّعات والكتابات وقيادة الحركات الاحتجاجيّة المختلفة.
إلى جانب هذا، نقول إنّ البرامج الجديدة للزّيتونة في الأربعيّنات تضمّنت درسا متعلّقا بالعلاقات بين الشّرق والغرب وهي المعروفة بالحروب الصّليبيّة. ودراسة الحروب الصّليبيّة تهدف إلى الحرص على الدّفاع عن أراضي المسلمين إذا حصل عليها اعتداء. ومثّلت بيت المقدس محورا أساسيّا في الصّراع بين المسلمين والمسيحيّين في تلك الحقبة. ولترسيخ هذه المبادئ والأفكار أوصت إدارة الجامع الأستاذ محمد العروسي المطوي (1920-2005) بوضع كتاب عنوانه الحروب الصّليبية وصدر فعلا سنة 1954 وبقي مرجعا قيّما في المسألة.
أما طلبة الزّيتونة اليوم، فيتحرّكون لنصرة الفلسطينيّين بطرق مختلفة منها تكوين النّوادي المختصّة، وعقد التّظاهرات والاحتفالات القيّمة، ومن انجازاتهم إطلاق اسم «ساحة الأقصى» على ساحة داخل الحرم الجامعي لجامعة الزّيتونة، إيمانا منهم، (ومن الإدارة المشرفة على الجامعة) بقيمة نصرة الفلسطينيّين لتحقيق استرداد كامل حقوقهم وعلى رأسها استرجاع الأقصى من مغتصبيه.
ثانيا- القضيّة الفلسطينيّة في الخطاب السّياسي التّونسي: 
خطاب بورقيبة في أريحا نموذجا :
بدأ الزّعيم الحبيب بورقيبة خطابه في أريحا الذي ألقاه في أبناء فلسطين يوم 3 مارس 1965 بقوله: «إنّي شديد التّأثر من هذه المناظر، وشديد الاعتزاز كذلك. أمّا تأثّري فلما شاهدت من آثار النّكبة التي منينا بها في فلسطين منذ 17 سنة، وأمّا اعتزازي وتفاؤلي فلما لمسته من حماس وإرادة حديديّة وتصميم على استرجاع الحقّ كاملاً غير منقوص».
أكّد بورقيبة في خطابه ذاك على ثلاث أفكار أساسيّة:
1 - أن يكون الفلسطينيّون أنفسهم قادة النّضال من أجل تحرير فلسطين:
حيث قال: «لكن ما أريد أن ألفت إليه نظركم أصحاب الحقّ السّليب كما كنّا نحن أصحاب الحقّ الذي استبدّ به الاستعمار في تونس هو أنّه يجب أن تكونوا في الصّفّ الأول من هذه الواجهة التي تعمل على حماية فلسطين»
2 - وجود قيادة ذات رؤية استرايجيّة ومهارات تكتيكيّة والإعداد الجيّد للمعركة مع العدوّ المحتل:
يقول بورقيبة في خطابه: «أريد أن ألفت نظركم إلى أنّ تجربتي الشّخصيّة في كفاحي الطّويل أكّدت لي أنّ العاطفة المشبوبة والأحاسيس الوطنيّة المتّقدة، التي أرى نموذجاً حيّاً منها على وجوهكم لا تكفي لتحقيق الانتصار على الاستعمار. فهي وإن كانت شرطاً أساسيّاً وضروريّاً غير كافية، بل لا بدّ مع الحماس والاستعداد للتّضحية والموت والاستشهاد من قيادة موفّقة تتحلّى بخصال كثيرة، ولا بدّ من رأس يفكّر ويخطّط وينظر إلى المستقبل البعيد.
والكفاح المركّز يقتضي فهم العدوّ ومعرفة إمكانياتنا الحقيقيّة وتقدير إمكانيّات الخصم وضبطها بأكثر ما يمكن من الموضوعيّة والتّحرّي والتّثبّت حتّى لا نرتمي في مغامرة أخرى تصيبنا بنكبة ثانية وتعود بنا أشواطاً بعيدة إلى الوراء. هذا ما يجب أن نفكّر فيه ونقرأ له حسابه، ولذا لا بدّ لنا من الصّبر ومن التّخطيط ومن توفير الأسباب وتهيئة البشر والعتاد وحشد الأنصار والحلفاء، ويجب أن نعطي لهذا العمل وقتاً كافياً وأن لا نتسرّع ونرتمي في المعركة الحاسمة قبل أن نوفّر أكثر ما يمكن من أسباب النّجاح، على أنّنا مهما وفّرنا من هذه الأسباب فلا بدّ لنا من أن نتّكل على اللّه، فنحن على حقّ والحقّ يعلو ولا يُعلى عليه.
3 - التّدرّج واتباع سياسة المراحل في افتكاك الحقوق الوطنيّة من المغتصب: 
يقول بورقيبة: «إنّ الإكثار من الكلام الحماسي أمر سهل وبسيط للغاية. أمّا ما هو أصعب وأهم فهو الصّدق في القول والإخلاص في العمل ودخول البيوت من أبوابها، وإذا اتضح أنّ قوانا لا قبل لها بمحق العدو ورميه في البحر فعلينا أن لا نتجاهل ذلك (نقد عبد الناصر)، بل يجب أن ندخله في حسابنا وأن نستخدم، مع مواصلتنا الكفاح بالسّواعد، الاستراتيجيّة وأن نستوحيها في مواقفنا حتّى نتقدّم نحو الهدف مرحلة بعد مرحلة مستعينين في ذلك بالحيلة والجهد. فإنّ الحرب كما لا يخفي كرّ وفرّ فهكذا انتصر أجدادنا في المعارك العظيمة التي دوّخوا بها العالم. وإذا كان من حقّ الشّخص العادي أن يتحمّس للهدف النّهائي ويتّخذ منه قمراً يعينه على السّير إلى الأمام، فإنّه على الزّعيم المسؤول عن المعركة أن يتثبّت من الطريق الموصل إلى الهدف، وأن يدخل في حسابه المنعرجات التي قد يضطرّ إلى اتباعها لاجتياز العراقيل والصّعوبات». 
ثالثا- القضيّة الفلسطينيّة في الفكر التّربوي التّونسي:
1 - القضيّة الفلسطينيّة في الكتاب الأبيض لإعادة بناء المنظومة التّربويّة:
في ماي 2015 أسّستُ بمعيّة لفيف من التّربويين «الائتلاف المدني لإصلاح المنظومة التربوية» بما هو قوّة اقتراحيّة علميّة ومدنيّة وحراك تربويّ مقاوم لسياسات الإلحاق بالخارج في مجال التّربية والتّعليم. وكان من الأعمال المنشورة للائتلاف كتابه الأبيض لإعادة بناء المنظومة التّربويّة بناء علميّا وطنيّا سياديّا. وقد حرصنا في اللّجنة العلميّة للائتلاف على تضمين الكتاب الأبيض القضيّةَ الفلسطينيّةَ وذلك في العنصر العاشر من الكتاب، تحت عنوان«مسألة ذات قيمة متميّزة: إدراج القضيّة الفلسطينيّة في المناهج التّعليميّة» ، وقد جاء في هذا العنصر ما يلي: 
1.10 - مبرّرات الإدراج ودواعيه:
-  حرص التّونسيّين دستوريّا على أن تكون فلسطين جزءا لا يتجزّأ من تأسّس جمهوريّتهم (انظر ديباجة الدّستور). 
- مساندة تونس رئاسة وحكومة وشعبا للقضيّة الفلسطينيّة.
- تأكيد الاتّحاد العام التّونسي للشّغل وفعاليّات المجتمع المدنيّ المخلصة للقضيّة القوميّة أنّ إدراج فلسطين في المنظومة التّربويّة التّونسيّة جزء لا يتجزّأ من ثقافة التّلميذ والطّالب، وجزء من ثقافة المواطنة وهويّة تونس العربيّة الإسلاميّة.
- إن المتأمّل في التّنقيحات والحذوفات التي اعتمدتها وزارة التّربية طوال فترة ما قبل 17/12/2010 يدرك الأهمّية القصوى للقضيّة الفلسطينيّة، وأوّل تلك التّنقيحات هي حذف كلّ ما له صلة بتاريخ المنطقة ومظاهر تأسيس الدّولة ورقيها وانتصاراتها مظهرة فكر المقاومة على أنّه إرهاب، وغيّرت مصطلح الصّراع العربي- الصّهيوني إلى القضيّة الفلسطينيّة لنزع كلّ صفة قوميّة جامعة عنها وجعلها مجرّد قضيّة تخصّ الفلسطينيّين لوحدهم. 
- من هذا المنظور صار لزاما إعادة الوعي بهذا الصّراع وتاريخه الحقيقي وبالقضية الأم. 
- إظهار القضيّة الفلسطينيّة على أنّها قضيّة تهمّ الإنسانيّة جمعاء.
2.10 - المخرجات المرتقبة من الإدراج:
-  نشء واع بتاريخه العربي الإسلامي. 
- تأسيس جيل يدرك حقوقه ويحدّد أهدافه من خلال تاريخه وبالاستفادة من المنجز الإنساني العام. 
- تعزيز شعور التّلميذ التّونسي بالانتماء الثّقافيّ والحضاريّ من خلال التعرّف إلى قضاياه العربيّة الإسلاميّة. 
2 - القضيّة الفلسطينيّة في بعض أعمال مصدّق الجليدي التّربويّة:
جاء في كتابي «البنائيّة الاستخلافيّة: بديل تربوي حضاري»(2)،التفاتة ضمن عنصر المنهج البديل إلى مدارس الأراضي العربيّة والإسلاميّة المحتلة، حيث جاء قولنا: «وفي المدارس الواقعة في الأراضي المحتلّة أو في حالة حرب مع العدوّ الصّهيوني أو غيره من أعداء الشّعوب العربيّة والإسلاميّة، نوصي ببرمجة حصص تدريب على الوقاية من العدوان بمختلف أشكاله ومقاومته والتّفعيل التّجريبي لخطط العيش تحت النّار وتقديم الإسعافات الضّرورية للمصابين». كما تضمّنت خاتمة الكتاب ملامح خطّة عامّة لمرحلتي المقاومة والقيام. 
وفي شهر ديسمبر 2021 كانت لي مشاركة في المؤتمر التّربوي العربي الإسلامي لمقاومة التّطبيع التّربوي والأكاديمي ببيروت، كنت فيها ممثّلا عن الأكاديميّين التّونسيّين المناهضين للتّطبيع، وجاءت هذه المشاركة تحت عنوان «دور البحث العلمي والتّربوي في مناهضة التّطبيع» وقد ختمتها بالتّوصيّات الآتية:
1. توفّر الإرادة السّياسيّة لمناهضة التّطبيع ولتيسير توفّر الشّروط السّتة المتبقّية.
2. إصلاح منظومة التّعليم والتّكوين والبحث العلمي لتكون منظومة وطنيّة سياديّة ولتكون على قدر عال من التّطوّر والتّجدّد والجودة. 
3. إسهام الرّأسمال الوطني في النّهوض بمنظومة التّعليم والتّكوين والبحث العلمي وذلك بدعم مجهود الدّولة في ذلك وبإحداث مؤسّسات تعليميّة وتكوينيّة وبحثيّة يتخرّج منها قادة المستقبل في كلّ المجالات الحيويّة التي يحتاجها الوطن بما يعزّز استقلاله ويرسّخ انتماءه لمجموعة الدّول المناهضة للتّطبيع.
4. ديمقراطيّة النّظام السّياسي، حيث إنّ التّطبيع كثيرا ما يعشّش ويرتع في الأنظمة العربيّة الدّكتاتوريّة. وديمقراطيّة مؤسّسات المجتمع المدني (الاتحادات والمنظّمات والجمعيّات) لتلعب دورا ضاغطا إيجابيّا وفعّالا. 
5. تطوير المنظومة التشريعية حتى تكون مُيسّرة للتطور العلمي والتربوي. 
6. ترسيخ الوازع الديني والوطني في نفوس الناشئة والشباب في التعليم والثقافة والإعلام والمؤسسة الدينية والمجتمع المدني. 
7. دعم تماسك الأسرة وتمكين الأم من أداء وظيفتها الحاضنة والمربّية في أحسن الظّروف وبأفضل تأهيل لأنّ ما «ترضعه» الأم لابنها وتمرّره إليه من قيم لا يمكن محوه مدى الحياة.  
أخيرا، يسهم البحث العلمي والتّربوي في محاصرة التّطبيع ومناهضته من خلال اعتماد سياسات وطنيّة أصيلة في البحث العلمي ومن خلال بناء المناهج التّربويّة بناء ملائما، وتزداد فعاليّته في هذا المضمار بتوفّر الإرادة السّياسيّة والتزام الرّأسمال الوطني وانخراط المحيط الاجتماعي والثّقافي والدّيني والإعلامي.
وفي مطلع نوفمبر 2022 أشرفت على أعمال يوم دراسي عن مناهضة التّطبيع التّربوي والعلمي قدّمت فيه ورقات ذات منحى ديكولونيالي وأنتي- صهيوني. 
الهوامش
(1) نشر الجمعيّة الخلدونيّة (معهد البحوث الإسلاميّة)، تونس 1948 
(2) جليدي، مصدّق، «البنائيّة الاستخلافيّة: بديل تربوي حضاري»  شركة الأصالة،  الجزائر:  2022 . ص. 213