خواطر
بقلم |
![]() |
شكري سلطاني |
الإنسان كمشروع للإصلاح والتغيير |
إذا سلّمنا بوجود الإنسان في ظلّ الحصر والقيد، من حيث كينونته وصيرورته. فهو ذات عاقلة تؤثر وتتأثّر، تسعى بقالبها الجسدي وبنفسيّتها التي تتفاعل أبعادها وقيمها الجوهرية facteurs intrinsèques لتُشكّل سلوكها ونوعيّة أفعالها. ولفهم هذا الإنسان وإصلاحه وتغييره للأفضل لا بدّ من دراسة الأُطر الضّاغطة التي تُحدّد تصرفاته وتوجّهاته وأعماله.
فما هي الأطر الضّاغطة وتأثيرها على سلوك الفرد وسائر البشر؟
1. الإطار السّياقي : le cadre contextuel
الزّمان والوقت المقضيّ في الحياة temps réel vécu والقوى المتحكّمة والمؤثّرة في مسار البشريّة من تربية وتعليم وإعلام وسياسة وتاريخ واقتصاد وحضارة، كلّها تؤطّر الإنسان وجوديّا ووجدانيّا، ولا مناص، فلا أحد يفلت من ذلك. فزمن السّلم ليس كزمن الحرب، وزمن الرّخاء ليس كزمن الإبتلاء والبلاء والمحن، كذلك زمن الصّحة والقوّة بخلاف الضّعف والعجز والمرض. الإطار السّياقي هامّ جدّاً في تحديد توجّه الإنسان وتصرّفه، فهو المسار وجسر عبوره وسيره.
ما يلفت الإنتباه في هذا الإطار أنّه يُشكّل المحيط العام والمجال الحيوي الذي يتحرّك فيه الإنسان، بما فيه من عوامل تاريخيّة وسياسيّة واقتصاديّة وثقافيّة.
فالزّمن الذي يحيا فيه الفرد يفرض عليه أنماط تفكير وسلوكيّات يصعب الخروج عنها، إلاّ عبر إدراك عميق وإرادة قويّة وهمّة عالية .
إنّه نسق سياقي يُدمج الإنسان بحضوره الواعي أو غير الواعي في سياقات عديدة حياتيّة.
ولكن هل يمكن للفرد أن يكون مستقلاّ عن هذا الإطار الضّاغط أم أنّه محكوم منفعلا به ؟ وهل من الممكن للإنسان أن يصنع سياقه الخاصّ بعيدا عن تأثير هذه العوامل؟
2. الإطار المفاهيمي : le cadre conceptuel
ما تعارف عليه النّاس وسجّلوه في أذهانهم وأعتادوا عليه يسحب البشر إلى زاوية تفكير ورؤية وتصورات للأحداث بما يناسب أفهامهم وتمثّلاتهم، وما الصدّ والمعارضة التي وجدها المرسلون والأنبياء والمصلحون إلاّ نتاج كل تلك المفاهيم والتّصورات التي إعتادوا عليها أقوالا وأفعالا.
إنّها حتما أعمال كانوا يأتونها ليلا ونهارا، تكرارا ومرارا، ومن الصّعب التّخلّص منها بين عشية وضحاها.
إن ترسّخ المفاهيم في الأذهان يجعل كلّ طرح ومفهوم جديد غير مستحبّ في أوانه ليجد كلّ أنواع العداء والصدّ. وكل مُصلح غريب في قومه حتّى يأتي وقت فهم أفكاره وإستساغتها واستيعابها.
فالإنسان محاصر بالمفاهيم التي ورثها وتشربّها، فهي تضعه داخل قوالب جاهزة تجعله يقاوم كلّ جديد. وهذا ما يُفسّر مواجهة المصلحين دائما بالرفض.
هل يمكن إختراق هذه القوالب المفاهيمية وتحرير الإنسان من أسر أفكاره المتوارثة دون أن يثير ذلك صداما حادا ؟
وكيف يمكن للمصلحين تقديم رؤى جديدة وأفكار تكون مقبولة ومستساغة دون أن يُنظر إليها كتهديد مباشر ؟
3. الإطار التفسيري : le cadre explicatif
من الإطار المفاهيمي يُشتق الإطار التّفسيري الذي يغلب على البشر أثناء تناول مواضيعهم ومشاكلهم وأحوالهم . فمن عادة الدّهماء الحكم بالظّاهر على الأحداث والوقائع. إذن من الحكمة قلب الهرم، فمن الإطار التّفسيري إلى قاعدة الإطار المفاهيمي وذلك بنقد الإطار السّياقي وفرملة السّلوك وذُلّ القيد نقضا وتجاوزا للتّعلّقات المغلوطة والإرتباطات الخاطئة. فكلّ ما يأتيه الإنسان في زمن غفلته وغشاوته هو من صميم وهمه وسوء فهمه، وجهله بذاته ككينونة مستقلة عن غيرها، نشأتها وأصلها وصفاتها، وكذلك سوء فهمه بصيرورته ومقصده والهدف من حياته، وكلّ ذلك يُرسّخ سوء سلوكه وعدم صلاح حاله .
إنّ التّأويل والتّفسير هو البوّابة التي يُعاد من خلالها إنتاج الواقع، فكثير من الأحكام والمواقف تُبنى على تأويلات سطحيّة أو خاطئة بسبب التّبعيّة للإطار السّياقي والمفاهيمي. فلا بد من نقد السّياق برمّته وفرملة السّلوك حتّى يتحرّر الإنسان من أوهامه وسوء فهمه.
ويبقى الإشكال كيف يمكن للإنسان العادي الذي لا يمتلك أدوات نقديّة قويّة أن يقوم بذلك؟ وما هي الوسائل الذي يمكن أن تساعده على إعادة قراءة الواقع من منظور أكثر عمقا؟
إذا كان الإنسان محاصرا بهذه الأطر الثّلاثة، فيستوجب التّحرّر منها، يعني الدّخول في الصّراع مع الذّات والمجتمع. ولكن هل يمكن تحقيق هذا التّحرر دون عزلة أو إنفصال عن الواقع؟ |