نفحات إيمانية

بقلم
توفيق الشّابي
رمضان شهر العبادات أين نحن من أبعادها التربوية والإجتماعية؟
 لا شكّ أنّ شهر رمضان هو شهر الذّروة في ممارسة العبادات. الشّهر الذي تعبّر فيه الأمّة الإسلاميّة مجتمعة عن ارتباطها الوثيق بالدّين وبالشّعائر خصوصا. في هذا الشّهر تجتمع شعائر الصّوم مع الصّلاة مع زكاة الفطر في آخر الشهر، إضافة إلى كل الأنشطة من دروس دينيّة وحلقات ذكر وتعلّم للقرآن الكريم وإفطارات جماعيّة، الى كل أشكال التّواصل الاجتماعي في إطار العناية بصلة الرّحم كقيمة من القيم الاجتماعيّة التي يعليها الإسلام.
كل ذلك له نكهته الخاصّة في شهر رمضان، لكن مع ما نلاحظه من ممارسات في حياتنا اليومية بعيدا عن الشّعائر أمر يدعونا إلى التّساءل: إلى أيّ حدّ نتمثّل الأبعاد التّربويّة والإجتماعيّة لهذه الشّعائر؟ السّؤال يطرح نفسه أيضا مع ما نتلمسه من نزوع نحو الكمّ في ممارسة العبادات أكثر من العناية بالنّوع، بما يعنيه من فهم للأبعاد العميقة للشّعائر وممارستها على أرض الواقع حتّى يمتد أثـــــر التّعبد أفقيّـــا في علاقتنا بأنفسنـــا وبالآخرين وحتّى ببقيّة الكائنات والأشياء. 
خذ الصّلاة مثلا، إلى أيّ حدّ نتمثّل أبعادها في ضرورة الابتعاد عن الفاحش من القول والفعل في علاقاتنا ببعضنا، في إدارة اختلافاتنــا بكل أصنافها، في التّحكم في أنفسنا لحظـــات الغضــب والانفعـــال؟. إلى أي حدّ نتمثّل الحكمة من وراء مواقيتها في إدارة الزّمن  في حياتنا الخاصّة والعامّة، في المنزل وفي مواطـــن العمــــل وفي المدرســـة وفـــي غيرهــا من المواقـع؟. في هذا المجـــال لا نتحتـــاج إلى دليل للقـــول بأنّ شعوبنــــا تضيّـع الكثيــر من الوقــت في أعمال غير مجديــة ولا ثمار من وراءها. فبعمليّة حسابية يمكن أن نجد أنّ ما تضيعه شعوبنا من الوقت يعدّ بالقرون. في شعوب عاملة سيكون هذا الوقت مناسبا لانجاز نجاحات باهرة قـــادرة على تغيير وجه العالم. 
الصّوم أيضا، بما يمثّله من تجربة فريدة في مقاومة الشّهوات والاغراءات والقدرة على امتلاك النّفس، إلى أيّ حدّ تسرّب شيء ما من ذلك إلى سلوكنا اليومي، في رمضان وغير رمضان، لنقطع مع العقلية الاستهلاكية والغير منتجة، والروح السّاكنة المنتظرة لمصير يقرره الآخرون؟. الصّوم هو أيضا تجربة للاحساس بالآخرين. بوجودهم وأوضاعهم. تجربة من المفروض أن تقطع مع مركزيّة الأنا وتغولها على حساب المحيطين بها من بعيد أو من قريب، وهو ما يجب أن يتجلى في كل السلوكات من أبسطها الى أعقدها. في هذا البعد التربوي، يتقاطع الصوم مع شعيرة الزّكاة، حيث يكون الفرد جزءا من المجموعة وليس كائنا منعزلا، ولا يمكن أن يحقّق سعادته ونجاحه في ظلّ شقاء الآخرين ومعاناتهم. فهو كائن اجتماعيّ بالضّرورة ، كما قال ابن خلدون، وكل سعادة فردية لا تتحقّق الا بتحقّق سعادة المجتمع. هاتان الشعيرتان ردّ مناسب على ما تشيعه ثقافة العولمة من أنانيّة ولهفة للسيطرة على الآخرين.
من القيم المهمّة التي تؤسس لها الزّكاة أيضا هي قيمة الايثار وهي بتقديري من أهم القيم التي لو سادت مجتمعا وأصبحت ثقافة يوميّة لدى أفراده لأمكن حلّ جزء مهم من مشكلات المجتمع لأنها ستقطع مع الأنانيّة وستخفف من حدّة الصّراعات وتوحّد الجميع على أهداف كبرى مشتركة.
بين هذه الأبعاد التربويّة والاجتماعيّة وغيرها وما نلاحظه من سلوكات اجتماعيّة في الواقع مسافة كبرى، لذلك أعتقد أن ممارسة الشّعائر في عمومها مازالت ممارسة ذات بعد واحد وهو البعد التعبدي وهو ضروري لأنه شكر لله على نعمه التي لا تحصى، لكن نحن بحاجة أيضا للأثر الأفقي لهذه الشعائر في العلاقات الانسانية.  لأن به يمكن أن تصل ممارستنا لدرجة محترمة من الكمال، وعبرها يتحقق الكثير من النّجاح للفرد والمجتمع في سبيل النّهوض بمجتمعاتنا والنّجاح الفعلي في مهمة الاستخلاف في الأرض. أعتقد أنه مثلما نتحدّث اليوم عن الفهم المقاصدي للشّريعة الإسلاميّة في محاولة لفهم أكثر عمقا للشّريعة فإننا في حاجة أيضا للتّساؤل عن الأبعاد التربويّة والاجتماعيّة للشّعائر، على أن يتجاوز تناول هذه القضايا إطارها النّخبوي لتمتد داخل المجتمع وتصبح ثقافة وسلوكا عامين.
لكن كيف يمكن تحقيق ذلك وبأي خطاب ديني في القرن الواحد والعشرون؟
-------
- كاتب وشاعر تونسي
tchebbi@yahoo.com