نفحات رمضانيّة

بقلم
شكري سلطاني
رمضان فرصة ليقظة الضمير والعمل بالتنزيل
 من المتعارف والمتداول أنّ رمضان هو شهر الصّيام  والعبادة والتقوى، شهر أوّله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النّار، وصيام رمضان ركن من الأركان الخمسة للدّين الإسلامي الحنيف وهو شهر نزل فيه القرآن.
ولقد أعتاد عامّة المسلمين صيام شهر رمضان فأصبح عادة. وللملاحظ النّاقد والمتأمّل البصير أنّ رمضان ليس عادة فالعادة آفة الجميع، وصيام رمضان عبادة والعبادة ترك العادة .
شهر رمضان فسحة روحيّة ومأدبة إيمانيّة، فهي طريقة مثلى لصقل النّفوس ومعالجة أدرانها، وهي فرصة سانحة لتغيير ما بأنفسنا وتحطيم كل صنم جاثم على الصدور من شرك خفيّ مستتر لكي يكون كل واحد عند نفسه صغيرا فيخاف الجليل ويستعد ليوم الرحيل، فيعمل كادحا متيقظا مستنيرا.
فمتى تتّقد شعلة الإيمان؟ ومتى تجدّد الأمّة دينها؟ ومتى يصبح العمل قيمة ثابتة مطلقة للفعل والتغييّر للكسب والتحصيل؟
إنّ الأمر من العجب العجاب أن ترى أمّة جاثمة بغيبها واهمة قاعدة، وترى القوم في سباتهم غارقون وفي غفلتهم دائمون، سائرون بلا دليل، مصباحهم الجهل وقبسهم العصبيّة وصفتهم الجاهليّة، قد غيّبوا العمل ولبسوا لباس العجز والوهن وأضحت تربتهم غنيّة بالشحناء والبغضاء والفرقة وحقولهم بذور للفتن، قد ساد العدوّ فيهم بسياسته الماكرة الخبيثة «فرّق تسد». قوم تشتّت شملهم وتفرّقت كلمتهم وضعفت صولتهم، فلا تحسّ لهم ركزا. ودام تخلفهم فأصبح ذاك قدرهم واستفحل داءهم واستعصى شفائهم وقد وردوا موارد الفتن والشقاء والبلاء وجانبوا الصّواب والحكمة والرشاد فأضحى حليمهم حيران وحالهم كغثاء سيل وتداعت الأمم عليهم كما تتداعى الأكلة على قصعتها .
شهر رمضان فرصة للتغيير ومدعاة للتفكير وللنقد والاعتبار وللبناء والتشييد والبعث من جديد. وهو بالتالي ليس عادة لكي تعاد الأيام على نفس الشاكلة : معنى بلا روح وجثّة بلا حراك وعمل بلا إخلاص وإتقان بلا جزاء.
يجب على الأمة إن أرادت الحركة والسّير أن تغادر منطقة الرفاهيّة (السلبيّة، التواكل، الوهمـ تضخّم الذات، الغرور، الرضا عن النفس، العجب.....) ومن آثار ذلك سوء الفهم وعدم العمل بتأخير عمل اليوم إلى غد والاستهانة واحتقار وانتقاص كل شيء والغفلة وعدم تحمّل المسؤولية وزوال الإتقان والإبداع وفقدان لذّة الحياة وفرحتها .
متى تفتح البصائر بفتوح الغيب ؟ ومتى يعمّ العلم ويعمل به وتنطفئ جذوة الجهل ولهيبها؟
إنّ تغيير الأذهان والعقول والإفهام يتطلب حلول علميّة عمليّة وكذلك تغيير السلوكيات والتصرّف الرّشيد. والتوجّه وأخذ القرار يستوجب حلول علاجيّة علميّة عمليّة بحتة. فليس للفرد إلاّ أن يسعى كادحا ويجتهد لتحقيق ذاته كشخص ونيل مبتغاه، فالدنيا شكل ظاهر مبنى ولكن هي متوازنة ففي باطنها معاني وأسرار وجود. فقد يغترّ الكائن ببهجتها وزخارفها فيتوه عن حقيقتها ولا يحقّق القصد من وجوده ، وكان من الأجدى أن يتعامل مع ظاهرها بمعرفة كنه حقيقتها وباطنها فلا يسلب فؤاده ويتيه عن مقصده .
كل خطوة في الحياة لا يبتغي الساعي الحقّ سبيلا من وراء ذلك أو لا يسعى لحقيقة وجوده كشخص فاعل موجب هي خطوة تستوجب النقض والتّوبة لانعدام الخير في مضمونها والحقّ في جوهرها، فإمّا سير إلى أمام أو تخلف وركود وسكون وركون. فالزمن محكّّ للضمائر والتاريخ ممحّص للأقوال والأفعال، والوقت ماض ما عليه لوم، فلاعيب لزماننا إذ العيب فينا.
فمتى نغيّر قاعدة « البؤس يحب الصحبة» إلى صيغة «بالمثابرة والعمل نحقّق الأمل»؟؟؟
إن من اسباب معاناتنا وبؤس حالنا وتعقّد مسارنا حياتنا الفكريّة وما أنطبع في نفوسنا وما انصهر فيها وما اعتادت عليه .فالشخص يعيش في سجن نفسي من صنعه ومحاصرمن جانب معتقداته وآرائه وتأثيرات بيئته، ومثل معظم الناس وككل مخلوق جبل على العادة وتمّ تكييفه على التصرّف بالطريقة التي يتصرف بها الآن ضمن تمثلاته وإنطبعاته رؤاه وأفكاره وهوى نفسه وباطن سرّه.
وكما قيل في الأثر من باب النصح :
ولا تك من إبليس في شبه سيره
ودع قيـــــــده العقلـــي فالعقـــل رادع
وحافظ مواقيت الإرادة قائمـــــا
بشرع الهوى إن أنت في الحب شارع
فمتى نتوثّب لاجتثاث كل الأنماط الذهنيّة السلبيّة التي سبّبت لنا المشكلات والأزمات؟ ليحل النّور محلّ الظّلام وتدمّر الأفكار البنّاءة كل الأفكار الهدّامة السلبيّة السالبة فنبني الإنسان ولا تقتل النّفس عندنا بسيف اليأس ولا تهان كرامة الإنسان وتداس لنقص أو عوز أوعجز أو فقر.
إن نجاح الأمّة بتماسك نسيجها المجتمعي وتمتّن الأواصر وعرى المحبة وبتدافع الأفكار والآراء النيّرة البنّاءة والتنافس بالعمل والإتقان على قاعدة « وتعاونوا على البروالتقوى».
رمضان فرصة جد أكيدة للبناء للمعالجة لأمّة الوحي، أمّة أتسم سلوكها واصطبغ بدواعي غيبية، فلقد أمتزج فيها الذاتي بالموضوعي والغيبي.
الأجدى والأصحّ إصلاح السلوك لصفاء السرائر ونقاء القلوب وحسن الطريقة، فالغيب وحي ناصع شفاء ورحمة ونصر للمؤمنين العاملين الصّادقين المخلصين.
«ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب» (سورة الحج الآية 32) صدق الله العظيم
-------
-  أستاذ  أستاذ أول علوم الحياة والأرض
chokrisoltani@hotmail.fr