في التحليل النفسي

بقلم
عادل دمّق
العلاج بالفن، اتجاه علاجي قديم جديد
 بعد التحليــــل النفسـي «Psychanalyse» والعلاج بالمعنــــى «Logothérapie» والعـــلاج بالمطالعـــــة «Bibliothérapie» والعــــــــــــــلاج بالتفكيـــــــــــــر «Thinkingthérapie» تأتــــــــي مدرســـــة العــــلاج بالفن «Art therapie»
العلاج بالفن، اتجاه قديم / حديث آخذ في الانتشار كمعاضد للعلاج النّفسي التّقليدي الذي يعتمد عادة، على إصغاء الطبيب إلى المريض في جلسات مطوّلة تنتهي بوصف بعض الأدوية. فالاتجاه الحديث يختلف قليلا ويعتمد على مفهوم مغاير.
الفكرة الشائعة عن العلاج النّفسي عند النّاس بشكل عام هي أن يذهب من لديه مشكلة نفسيّة إلى معالج ليعطيه حلاّ أو علاجا دوائيّا لهذه المشكلة. ولكن الصّواب هو أن يذهب إلى شخص يساعده على حلّ مشكلته من جذورها. فهناك أساليب كثيرة ومتعدّدة للعلاج النّفسي منها العلاج الكلامي وعلاج السّلوك المعرفي، ومنها أيضا العلاج بالفن. وهو علاج نفسي يعتمد في مدخله على شكل فنّي مثل الرّسم أو الموسيقى أو النّحت أو مجالات أخرى مثل (السيكودراما). وبشكل عام فإنّ أي ممارسة لطاقة إبداعيّة تكون مشبّعا نفسيّا وتخرج الطاقات السلبيّة وتشحن الشّخص بطاقة إيجابيّة، أمر جيّد لكلّ من يعاني الكآبة أو أكثر من ذلك. والطّاقة التي يخرجها الشّخص في شكل فنّي تعادل الكلام مع المعالج النّفسي في حالة العلاج النفسي التقليدي. والعلاج بالفنّ له منهجان يتباينان ويتكاملان :
المنهج الأول : يقوم المعالج بانجاز أو الاستعانة بشكل من أشكال الأدب أو الفنون، له مضمون علاجي يرى فيه العليل تجسيما لما يعانيه شعوريا أو لا شعوريا مع فتح آفاق العلاج .
في القرآن الكريم حالات كثيرة تؤسّس لهذه التقنية. ففي سورة القلم مثلا سرد لموقف يماثل موقف مشركي مكة: «إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ* وَلَا يَسْتَثْنُونَ* فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ* فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ * أَنِ اغْدُوا عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ * فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ* أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ* وَغَدَوْا عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ* فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ * قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ * قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ* عَسَىٰ رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ». واضح مقصد الإيحاء، الكلمات مفردة تتراسل: «إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» ثم المحاكمة الذاتية : «إِنَّا لَضَالُّونَ،إِنَّا كُنَّا طَاغِين».
وتقنية العلاج تعتمد أساسا على وعي العليل بحقيقة حاله: «إِنَّا لَضَالُّونَ» ثم بوادر للتماثل للعلاج : «إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ». 
المنهج الثاني: توفير فضاء وأدوات ليمارس العليل نشاطا حرّا أدبيّا أو فنّيا ثم ينظرالمعالج في ما أنجز ليتبيّن تجلّيات الاضطرابات وهذا المنهج يعتمد على ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى هي (التنفيس –التداعي العفوي ) وتعتمد على قيام الشّخص بالتّعبير عمّا في داخله من خلال العمل الفني الذي يقوم به. 
المرحلة الثانية وهي (التّحليل)، وتعتمد على قيام المعالج النفسي بتحليل ما تمّ رسمه ليتعرّف على الشّخص من الدّاخل. ومن خلال هذه الأعمال الفنيّة نكتشف الكثير جدّا عن الشخص، فتظهر لنا الضغوطات الصغرى التي يعاني منها، مثل الأحداث اليوميّة التي تسبّب له مشاكل، وتظهر أيضا الضّغوط الكبرى أو الصّدمات القاسية التي تعرض لها وما تزال تؤثر عليه، وسيبقى لها أثر في حياته لفترة طويلة، ربما. ومن خلال قراءة الرّسم نفهم أيضا الوسائل التي يلجأ إليها المريض لحلّ مشكلاته، كما نفهم أسلوبه في التفكير. وهذا يساعد المعالج بصورة كبيرة في التّعرف على مريضه بطريقة غير مباشرة. فالنّاتج الفنّي هو تعبير بصري للإنسان، وانعكاس لدواخله، وكأنّنا نأخذ صورة أشعّة للشّخص من داخله تظهر ذاته ومكنوناته. إنّها وسيلتنا لنجعل المريض يتحدّث باللّون والخطوط من دون حرج.
المرحلة الثالثة هي (العلاج)، بمعنى كيف نستخدم كل ما سبق واكتشفناه في علاج المشكلة ومساعدة الشّخص. وقد تكون المشكلة صغيرة، فهناك مثلا من لديه انفعالات فائضة أو غضب عارم ونحاول علاجه بالسّيطرة على هذه المشاعر من خلال الرّسم. ويظهر تطوّر حالة الشّخص ومدى استجابته من خلال الرّسوم، التي يطلب إليه التّعبير من خلالها في كل مرّة. فتطوّر نفسية الشّخص ينعكس عليها بشكل كبير، بينما من لديهم أعراض مشكلات كبيرة مثل الفصام أو الاكتئاب فيحتاجون إلى العلاج الدّوائي وبعدها تأتي مرحلة العلاج بالفنّ. الرّسم بشكل عام له جانب فطري في الإنسان، فهو يجذب النّاس لأنه يخرج الجانب الطفولي لديهم. كما أن الأوراق والألوان تشكّل عامل جذب للجميع حتى وإن كان المريض غير متمكّن في فنّ الرّسم. وهذا يكون مطلوبا بشكل أكبر لأنّه في هذه الحالة يخرج الإنسان ما بداخله بتلقائيّة وعفويّة دون الالتزام بأي قواعد، بعكس الأشخاص المتمكّنين من الرّسم الذين يكون عقلهم الواعي متيقّظا أثناء العلاج لرغبتهم في إخراج عمل فنّي له جودة عالية ومستوى رفيع. فنحن نرغب في معرفة ما هو موجود في العقل الباطن أو غير الواعي للإنسان.
هذه المناهج من التشخيص والعلاج بالفنون، ما تزال جنينّة في العالم العربي بعكس الخارج، حيث توجد له معاهد ومدارس ويلقى اهتماما كبيرا- نتمنى أن تنشئ مراكز متخصصة لهذا الغرض ، وأن نؤسس مناهج لتدبّر القرآن الكريم فهو منهل لعلاج النّاس دون تحمّل مشاق العلاج النّفسي بشكلها التّقليدي أو الأعباء المادّية المرهقة .
العلاج بالفن مجال رحب لانجاز أدب ملتزم بتنمية مختلف مدارك الانسان وتزكيتها حتى يحي حياة طيبة.
كل هذه المدارس وغيرها يؤسّس لها التنزيل الحكيم :
-العلاج بالمعنى: «وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ –وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ» -سورة الذاريات -
العلاج بالمطالعة : «إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ» سورة فاطر 29
العلاج بالتفكير : « فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ»-سورةالأعراف 176-
«لَوْ أَنْزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۚ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ»- سورةالحشر 21
«وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ»-سورةالنحل ،44
العلاج بالفن: «وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ۚ وَجَاءَكَ فِي هَٰذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ» -سورة هود120-
هذه آيــات جامعة: «وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ» سورة الإسراء 82 
«يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ» -سورة يونس 57
-------
-  باحث في التحليل النفسي النظري
aklnakll@gmail.com