تجلّيات

بقلم
الحبيب المعلول
الأسرة نعمة لابدّ من صيانتها .
 يقول الله تبارك وتعالى في الذكر الحكيم: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا»(النّساء:1) ويقول  أيضا: «وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ۚ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ»(النّحل :72).  مماّ تقدّم من هذا الذكر الحكيم يتبيّن أنّ الله عزّ وجلّ يلفت نظر عباده جميعا إلى نعمة من أعظم نعمه على عباده ألا وهي نعمة «الأسرة والعائلة» والتي تضمّ الأبناء والأحفاد. ففي الأسرة تتحقّق السّكينة والمودة والرحمة والتّعاون بين كافّة أعضائها، فيها يجد الزّوج راحته في كنف زوجة إن نظر إليها سرّته وإن غاب عنها حفظته في نفسها وولده وماله، وهي بدورها تجد راحتها وهناءها في كنف زوج يرعاها ويحميها ويسترها. ففي الأسرة تعاون بين الزوجين على تحمّل أعباء الحياة ومتاعبها، وينتقل هذا التّعاون إلى كافّة أفراد الأسرة حيث الأبناء يعينون الآباء على مسؤوليات الحياة وأعبائها.                
إنّ معاني المودّة والرّحمة والتّعاون بين البشر تنبع من العلاقة بين الزوجين، فإذا كانت علاقتهما على الوجه الشرعي الصّحيح أثمرت هذه المعاني وعمّ نفعها سائر الأسرة فالمجتمع، أمّا إذا كانت علاقتهما مجرّد علاقة مادّية حسّية  فإنّ هذه المعاني ستغيب بينهما ومن ثمّ داخل الأسرة فالمجتمع.                                                                
ومن أجل تحقيق معاني المودّة والرحمة والتّعاون بين بني البشر أكّد الإسلام، ومن قبله شرائع الأنبياء السّابقين، على ضرورة أن تكون علاقة المرأة بالرّجل في بناء الأسرة قائمة على أساس نظام الزّواج، لأنّ علاقة المرأة بالرّجل لا تكون محقّقة لمعاني المودّة والرّحمة والتّعاون وما يترتّب عن ذلك من السكينة، وهي راحة البال وهدوء النّفس وطمأنينة العقل والقلب، في إطار جوّ عائلي دافئ إلاّ بقيام نظام الزّواج بينهما لأنّ هذا النّظام هو الذي تتولّد عنه الأسر النّظيفة. ويعترف المجتمع بالأطفال النّاجمين عن هذا النّظام ويمنحهم كافّة الحقوق المقرّرة لأعضاء المجتمع، ولا يعترف بهم إذا ما جاؤوا عن غير هذا النّظام. لأجل ذلك كانت الأسرة رابطة إنسانيّة أساسها الزّواج. كما كانت وستبقى نواة الفرد الصّالح وأساس المجتمع النّظيف. إنّ الأسرة هي أوّل ما يؤثّر في سلوك الطفل الاجتماعي، تكسبه عقائده ومعاييره لقيم الأشياء وعاداته ودوافعه وسلوكه. قال نبيّنا صلى الله عليه وسلم: «كلّ مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه»(أخرجه البخاري في صحيحه ضمن كتاب الجنائز). فهذا الأثر الشّريف عن نبيّنا الكريم يبرز لنا أثر الوالدين على الأبناء، وهذا يؤكّد في الآن نفسه دور الأسرة. وإنّه نتيجة هذا الدّور العظيم للأسرة، فإنّ المحاولات التي جرت لإلغاء العائلة وتحطيم نظام الزواج واستبداله بما يسمىّ المشاعيّة الجنسيّة أو الحياة الجنسيّة المشتركة، والتي يكون خلالها الجنس مشاعا لا يضبطه قيد من زواج أو أخلاق، قد باءت جميعها بالفشل. ويرجع فشل هؤلاء الذين يريدون أن تشيع الفاحشة في النّاس إلى ترسّخ قيمة الزّواج وقيمة الأسرة في العقل والوجدان الإنساني على مدى أزمان طويلة يوازي عمر الإنسان على هذه الأرض. إلاّ أنّ ثقتنا في بقاء مؤسّسة الأسرة لا يمنع من إبداء بعض المخاوف على مستقبلها، وفي هذا السّياق يأتي موضوعنا اليوم والذي يرتبط بواقع مجتمعنا التّونسي أساسا، والذي يخصّ قضيّة الأسرة والزّواج والطّلاق. وبخصوص هذه القضية يتعيّن كشف مبرّرات هذا الخوف على مستقبل الأسرة التّونسية لنبيّن بعد ذلك الحلول الإسلاميّة لتجاوز الصعوبات التي تعترض أسرتنا التّونسية. إنّ ديننا الإسلامي الحنيف قد تضمّن منهجا رائدا يستهدف حماية الأسرة، وتحقيق أهدافها من الصحّة النّفسية والاجتماعية.                                                               
نبدأ جوابنا في شأن مبرّرات الخوف على مستقبل الأسرة لنقول بأنّ هذا الخوف قد أبداه عديد الباحثين الاجتماعيين في العالم والذين يتوقّعون انحلال العائلة بالتّدريج، مستندين في توقّعاتهم هذه إلى تزايد تأخّر معدّل سنّ الزواج وإلى تزايد معدّل نسبة الطّلاق. ونحن بدورنا نتساءل هل تظهر هاتين العلامتين في مجتمعنا أم لا؟ وإذا ظهرتا فما أسبابهما؟ ثمّ ما هي الحلول اللازمة لمواجهة هذه الظّاهرة والحدّ من تأثيرها؟                                                                       
ممّا لا يخفى على أحد تأخّر سنّ الزواج، وتزايد نسبة معدّل الطّلاق في بلادنا، وهذا تكشف عنه الإحصائيات. فقد بلغ معدّل سنّ زواج الفتاة التّونسية حوالي 30 سنة ومعدّل زواج الشّاب 34 سنة. وفي كلّ أربع سنوات يتأخر هذا المعدّل بسنة. أمّا معدّل الطّلاق فهو واحد من ستّة. أي في كلّ ستّة عقود زواج ينتهي عقد بالطّلاق. وإنّه لا يخفى أثر هذا الأمر في توليد صعوبات نفسية واجتماعية لأنّ تأخّر سنّ الزّواج وكذلك انتهاء الزّواج بالطّلاق هو وضع لا يناسب طبيعة الإنسان لأنّ الوضع الطّبيعي للإنسان أن يكون متزوّجا، وهذا ما يؤكّده قول الحقّ تبارك وتعالى:«وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا»(النّبأ:8) فبحسب هذه الآية الكريمة يتأكد أنّ الزّوجية هي فطرة الله التي فطر النّاس عليها كما فطر عليها حتى غير الإنسان مثل الحيوان والنّبات. وباعتبار الزواج أمر فطري فقد شجّع ديننا الحنيف عليه ودعا إلى اجتناب العزوف عنه. ولقد أحسن من قال عن الزوّاج بأنّه يزيل أعظم اضطراب في العقل والقلب. وليس للزواج فقط علاقة إيجابيّة بجانب الصّحة النّفسيّة للإنسان، بل إنّ أثره يشمل كذلك جانب الصحّة الاجتماعية، لأنّ هذا الذي لم يجد تلبية غريزته الطّبيعية وحاجته النّفسية في نظام الزّواج، فإنّه غالبا ما يلتجئ إلى ممارسة أمور ممنوعة ومحرّمة شرعا لا يقتصر ضررها عليه بل يتعدّاه إلى المجتمع الذي يعيش فيه. لأجل ذلك حذّرنا  ديننا من ممارسة الزّنا. جاء هذا النّهي واضحا في قول الحق تبارك وتعالى: «وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا»(الإسراء:32). إنّ الزّنا كما هو مؤكّد في هذه الآية الكريمة طريق سيّء لأنّه يورّث أمراضا متعدّدة ومتنوّعة، بدنية ونفسية واجتماعية. وهذا غير خاف على كلّ ذي بصيرة يراقب حال الأفراد والمجتمعات المتفشّية فيهم هذه الآفة. فهذا مرض «السيدا» يفتك سنويا بالألوف من البشر بالإضافة لذلك فإنّ آفة الزّنا تورّث عديد العقد النّفسية والتي من أظهرها فقد الثّقة في النّفس وفي الآخرين، لأنّ الزّاني يرى غيره على منواله وشاكلته، وهذا الظنّ السيئ  يولّد عنده رغبة في العزوف عن الزّواج،وإن تزوّج فإنّ حياته الماضية ستؤثّر في حاضره، وينطلق الشكّ عنده في زوجته وبناته. والشكّ من أبرز العوامل المدمّرة لاستقرار الأسرة. وبسبب هذه العقدة غالبا ما يبقى الزّاني على ما درج عليه من حياة التّحلّل من روابط الزّواج، وفي هذا تهديد لمستقبل الأسرة لأنّه طالما انتشرت العلاقات خارج نطاق الزواج فإنّ مستقبل الأسرة في خطر وكذلك مستقبل المجتمع لأنّه بتقلّص نسبة الأسر يتقلّص معدّل الإنجاب للأبناء يضاف إليه تأخّر معدّل الوفيات فيصبح عدد الكهول والمسنّين يفوق عدد الأطفال والشبّان، وهذا يولّد مشاكل عديدة اقتصادية واجتماعية.وعليه فإنّه لا صلاح لهذا الوضع إلاّ بما أصلح به نبيّنا صلى الله عليه وسلم وإخوانه النبيين والمرسلين من قبله واقع المجتمعات بترسيخ عقيدة التّوحيد،عقيدة الأنبياء والمرسلين وهي العقيدة الحقّة. ثمّ لا بدّ من تربية النّاس على أساسها لأنّ الاستقامة في السلوك لا تتحقّق للإنسان إلاّ إذا كانت عقيدته صحيحة. ولا سلامة لتفكير ولا استقامة لسلوك إذا كانت العقيدة فاسدة كأن يكون صاحبها له شك في عقيدته أو أنّ فيها  أشياء خارجة عنها تبطل أثرها الايجابي على نفسيته وسلوكه، كاعتقاده أنّ الله فقط غفور رحيم وينسى أنّ الله شديد العقاب،أو يعتقد أنّ الإنسان مسيّر لا مخيّر في أفعاله، فيرتكب المعاصي والذّنوب ويبرّر لنفسه ذلك بقضاء الله وقدره وينسى أنّ الله تعالى قد جعل له اختيارا يكسب به الفعل، وعلى أساس هذا الكسب كان التّكليف والحساب والجزاء. والله تعالى قد شاء أن يكون الإنسان حرّا في اختيار الشرّ أو الخير لأنّه بدون هذا الاختيار لا يكون مسؤولا ولا يكون حساب الله تعالى له عن أفعاله عدلا، والله تعالى كما هو في صحيح الاعتقاد متّصف بالعدل ومنزّه عن الظّلم.                                                             
إنّ التربية على أساس العقيدة، ممّا يجدر القيام به مع أطفالنا منذ سنّ مبكرة لأنّ التّعليم في الصغر كالنّقش على الحجر، فهو أرسخ وأثبت.ولقد أحسن من قال أيضا: 
«وينشأ ناشئ الفتيان فينا(*)على ما كان عوّده أبوه.»                      
هكذا كان منهج سلفنا الصّالح في تربية الأهل والأبناء.إنّه ولا شكّ منهج سليم وناجع لأنّه ينطلق بغرس الاعتقاد بالله في النفس، حتى إذا ما انطبعت به  وأصبح هذا الإيمان مغروسا في العقل والقلب والضمير انقاد صاحبه إلى فعل الفضائل وترك الرّذائل.                                   
وقد كان نبيّنا المصطفى صلى الله عليه وسلم القدوة في تعليمنا أصول التّربية  بحرصه على غرس الإيمان في النّفوس أوّلا وقبل كلّ شيء لأنّه لا صلاح للنّفوس ولا قوام للضمير ولا استقامة للسلوك إلاّ بصلاح الاعتقاد. وإنّ ممّا يؤكّد أولوية تعليم الاعتقاد الصحيح ما أخرجه الإمام بن ماجة بسند صحيح عن الصحابي جندب ابن عبادة رضي الله عنه قال: «كنّا فتيان حزاورة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتعلّمنا الإيمان قبل أن نتعلّم القرآن ثمّ تعلّمنا القرآن فازددنا به إيمانا.»(ابن ماجة - السنن - حديث عدد61)  .
إنّ من أبرز الآثار للإيمان أنّه يغرس فينا الصبر، لأجل ذلك فقد أثر عن نبينا صلى الله عليه وسلم قوله: «الصبر نصف الإيمان»(أخرجه الإمام أبو نعيم في الحلية والخطيب في التّاريخ والغزالي في الإحياء من حديث ابن مسعود رضي الله عنه بسند حسن.) ونحن إذا رجعنا إلى موضوعنا «الأسرة والزّواج والطلاق» فإنّ الإحصائيات تطلعنا أنّ 82 % من حالات الطّلاق في تونس تقع خلال السّنة الأولى من الزّواج.وهذا الرّقم يكشف المستوى الذي عليه صبر أبناءنا المتزوجين! طلاق من السنة الأولى في الزّواج ! حتى أصبح يراج عندنا القول: «في الصيف صالة وفي الشّتاء قصر العدالة» لو كان الصبر عند أبنائنا هؤلاء موجودا  بشكل أكثر ممّا هو عليه حاليا لأمكن تلافي هذه الوضعية غير المريحة والتي تؤثّر على مستقبل الأسرة والاستقرار العائلي والصحة النفسية للأفراد وما يتبعها من الصحة الاجتماعية.                                     
وتطالعنا الإحصائيات أنّ في مقدّمة أسباب الطّلاق في تونس «العنف بين الزوجين» يليه «إدمان الزوج على المشروبات الكحولية أو المخدّرات» وهذا الوضع يعكس أيضا ضعف واعز الإيمان. إنّ الإيمان لو كان ثابتا وصحيحا عند هؤلاء لما وصلوا إلى ما صاروا إليه لأنّ ديننا يضبط انفعالات المؤمن، وفيه دعوة متكرّرة إلى التّحلّي بالرفق ونبذ العنف سواء أكان لفظيا أو مادّيا، من ذلك نذكّر بقول نبيّنا صلى الله عليه و سلم: «لا يضرب خياركم» (البيهقي- السنن الكبرى،حديث14553،الحاكم النيسابوري،المستدرك على الصحيحين،حديث:2775)  .                                                                    
في هذا الأثر النبوي الشريف وصيّة لرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم للرّجال بعدم ضرب نسائهم، قد عمل بها من تربّى على الإيمان ومن هؤلاء نذكر التّابعي الجليل «عامر بن شرحبيل الشّعبي» وقد كان من شيوخ الإمام أبو حنيفة، الذي هو مؤسس المذهب الحنفي، فممّا أثر عنه قوله للشعر وقد نظم قصيدة في زوجته وكانت تدعى «زينب»وممّا جاء فيها قوله:                                                                     
رأيت رجالا يضربون نساءهم(*) فشلّت يميني حين تضرب زينب.
ففي هذا البيت الشعري يستنكر هذا التّابعي الجليل أن يصل أمر الأزواج إلى ضرب زوجاتهم. وهو عن نفسه يفضّل أن تشلّ يده  وتتعطّل عن الحركة على أن يضرب بها زوجته.                                         
وجدير بالذكر أيضا أن زوجة هذا التّابعي كانت نعم الزوجة الصالحة.وممّا يذكره عنها أنّه قبل أن تمتدّ يده إلى ناصيتها أنشأت تخطب خطبة حمدت فيها الله جلّ وعلا وأثنت عليه ثمّ صلّت على نبيّه المصطفى صلّى الله عليه وسلّم ثم خاطبته بقولها: «إنّي امرأة غريبة عنك ولا علم لي بطباعك، فقل لي ما تحبّ حتى آتيه وما تكره حتى أجتنبه. وقل لي من تحبّ أن يدخل دارك حتى يدخلها، ومن لا تحبّ حتى لا يدخلها». ثمّ ختمت خطبتها هذه ليلة زفافها بالاستغفار.قال الشعبي وهو يروي لصاحبه قصة زوجته زينب هذه: «قد ألجأتني للخطبة وممّا تضمّنته خطبته قوله: «الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. أمّا بعد، فقد قلت كلاما إن ثبتّ عليه كان حظّا لي ولك، وإن خالفته كان حجة عليك. أحبّ من الأخلاق كذا، وأكره من الطباع كذا، آل فلان قوم صالحون يدخلون داري وآل فلان قوم سوء لا يدخلون داري».        
وإنّنا من خلال هذا النّموذج لهذين الزوجين، نتبيّن كيف يكون رسم منهج الحياة الزوجية منذ البداية. هذا المنهج القائم على الصراحة والوضوح منذ البداية حتى لا تحصل المفاجأة بعد الزّواج وخيبة أمل الزوجين في بعضهما ممّا يولّد في نفسيهما الحسرة والمرارة ويؤجّج لديها الرغبة في الانفصال والطّلاق. ثمّ انظروا إلى هذه المرأة، صاحبة العقل الرّاجح، والتي عرفت بذكائها أنّ أقرب طريق لامتلاك قلب الرجل هو طاعته، وهي بطبيعة الحال طاعة في المعروف لا في المعصية. وهذا ما تحقّق لها وجنت ثمرته لسياستها الحكيمة ولرجاحة عقلها. وقد كشف لنا شعر زوجها فيها عن ما قلناه، من ذلك قوله:                                      
فزينب بدر والنّساء كواكب(*) إذا ظهرت لم يبدو منهنّ كوكب.                   
فمن خلال هذا البيت الأخير نتبيّن إلى أيّ مدى امتلكت هذه الزوجة الصالحة قلب زوجها إلى درجة أنّه ما عاد ينظر إلى امرأة أخرى،فقد اختفين جميعهنّ من حياته بالرّغم من كونهنّ يلفتن النّظر مثل الكواكب،  وبالرّغم من وجوده في عصر يبيح تعدّد الزوجات وتعدّد الجواري.        
وتذكر لنا كتب التّاريخ التي ذكرت سيرة هذا التّابعي الجليل «عامر بن شرحبيل الشعبي»(ت:103هجري) أنّه عاش مع هذه الزوجة عشرين حولا حتى وفاتها ولم يتزوّج عليها،كما أنّه ما فكّر يوما في طلاقها لأنها رحمها الله تعالى من الزوجات اللّواتي يعرفن كيفية المحافظة على أزواجهن ولأنّه رحمه الله تعالى من الأزواج الذين تربّوا على سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم التي تؤكّد على حسن معاملة النّساء.