خواطر

بقلم
علي الطرهوني
حديث الطّنّان أو حلم مواطن عادي
 قال تعالى: «قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ * قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي» صدق الله العظيم
افترضت زمن الاستبداد أنّ الكلام لا يؤسّس لي طول البقاء بقدر ما يعبد لي الطريق إلى مصحة الأمراض العقليّة أو الموت بلا معنى، وفي البدء كانت الكلمة. كم من لفظة قيلت قتلت قائلها لمجرّد سوء فهم وتأويل أو شبهة أو ظنّ .
وفي زمن الحرّيّة أتابع المشهد السّياسي فأقف موقف السّاهي أو موضع الشّراع بلا دليل ... وأحاول إظهار استغلاق الفهم وأقول  بلادي كقطعة حلوى يكثر حولها اللاّعقون ....بلادي نصّ هامش والمتن في الأصوات المنكرة والمستنكرة...
وبينما أنا في موقف الغافل، إذ أتاني زائر يقول:«هل سمعت حديث الجاهل الذي يعلم بما ليس يدري؟». قلت: «أجل..ولكن هل أن نطق اللّسان ينبّئ عن اعتقاد الإنسان؟»... تأمّلت الأمر بعمق وأدركت أن ما حلّ بنا من سوء غفلة إنّما هو من تدبير الزّعماء وغفلتهم عن النّظر في شؤون العباد.
اعلم جنّبك الله الشبهة أن اللّبس يحصل من الالتباس ....ومما يزيد من صعوبة الحال هو رؤية الخلق يتحمّسون لما هو ضدّهم....
حين كنت طفلا، والطفولة ما تزال تسكنني، أسأل ماذا تتمنّى  حين تصبح كبيرا؟... أجيب بلا تردد: «أريد أن أكون رئيس جمهورية» كنت ببراءة الأطفال مفتونا بشخصية زعيمين فذّين هما جمال عبد الناصر والرئيس السابق الحبيب بورقيبة، خصوصا كنت أحرص على متابعة توجيهاته قبل أخبار الثامنة ليلا.... وبعد أن كبرت وتحطّم حلمي مع الانكسارات والهزائم التي حلّت بنا، نسيت أنّ رئيس الجمهورية لا يمتهن مهنة بل يقوم بمهمّة في خدمة شعبه وكنت دائما أسأل: «يا ترى كيف ينام؟ ماذا يأكل؟ وهل يغادر قصره ويتجوّل في الأسواق؟ أيملك جنسية أم جنسيتين؟ أندعو له بطول البقاء كما كنا نفعل؟»
اليوم أنا مواطن تونسي أعيش زمن الثّورة والحرّيّة المقدسة، أعيش بلا شهادة...بلا عمل...بلا أمل....
مواطن صالح...حرّ ديمقراطي «شايخ».......مواطن من تونس الشقيقة من حقّه أن يترشّح ويُصبح رئيسا ويحكم البلاد وتمتلئ الأرض عنه كلاما وتكثر حوله السّهام ويحكم الوطن من خمسين عاما ...ولا يستقيل....فطالما لوحّت له الأيادي. لكنني أقسمت سأمكث في بلادي....لا أفرّ ولا أغادر. أحرّك الموتى ومن غفل من جثث المقابر.
عفوا، سأصير مؤقّتا ومبجّلا ودائما ومثقّفا...سأكون العصفور النادر... أنا الفتى المغامر.
مواطن صالح يدفع الضرائب ويسير في المواكب ويغيّر الدستور. يمنع التّعليم المجاني والصّحة للجميع و يكون المال دولة بين الجميع
أنا مواطن صالح، أحسن اختيار الحكّام....أخشى من تكسير العظام وأحلم، لكنّ فرحتي لا تدوم...فحتى الحلم في وطني حرام.
واليوم وأنا على مشارف الكهولة، لا تأسرني الفكرة ولا يستهويني الطرق العنيف. أعود إلى نصّ الطّنّان لأقول أنّ الطّنين لغة يعني الريبة والتهمة وسوء الظّن. وخفت أن يطنّ في فهمي أي يساء، فخلعت عنّي هذا الحلم وردّدت في نفسي أنّ الموتى لا يحلمون، فهذه بلاد يحاكم من أجلها الحالمون.
واستفقت من حلم طويل، فشكرت الله على تمكينه لي من مساحة حلم وعلّمني ما لم أعلم.....وُلد عندي خطاب بلا أسنان ونبتت له شفة.
سأصوّت غدا لغريب لم يزل...استيقظت صائحا: «أنا الرّئيس الجديد... أنا الرّئيس الجديد» ولكنّ رئيسي هو رأسي لقد كنت أكذب من شدّة الصّدق والحمد الله أني كذبت......