الكلمة الحرّة

بقلم
عبدالعزيز الرباعي
انقلاب في المفاهيم
في وطني كل شيء أصبح يمشي على رأسه...انقلبت الحقائق والمفاهم..وغرق الفهم في بحور الشائعات ...وتاهت العبارات وانتحرت المصطلحات...وقدّم العقل قربانا على شرف الجهالة والغوغائية... أصبح المهربون واللصوص وعصابات المنافيا المتحكمون في مفاصل الاقتصاد وجل القطاعات الحيوية في البلاد بعد تغلغلهم واحتكارهم لكل مصادر الثروة فيها طيلة النصف قرن الماضي وارتباطهم بشبكات مافيوزية دولية ذات مصالح متشابكة...أصبحوا هم ولا أحد سواهم حماة الثورة والمدافعين الأشاوس عن حرية وكرامة المواطن ؟؟؟
إن من سرق البلاد ونهب ثرواتها وحكم بالحديد والنار طيلة العقود الماضية...يقدّم اليوم نفسه على أنه حامي الحمى والدّين...أنه المدافع عن الإسلام المعتدل...والمرأة المتحرّرة ..والشّعب المرفه...والقضاء المستقل...والتنمية العادلة والشاملة...والاقتصاد المزدهر ...والقانون النزيه..والإدارة المحايدة...أولئك الذين كانوا بالأمس يركزون شعبهم بمقرات السيادة...ويزوّرون الانتخابات ...ويعتقلون معارضيهم ويعذّبونهم حدّ الموت ويدمّرون عائلاتهم ويقطعون أرزاقهم...من باعو مقدرات البلاد للأجنبي ...وتخابروا مع أعداء الأمة...اليوم يقدمون لنا أنفسهم على أنهم المخلص الجديد...إنهم بأموالهم وأزلامهم لا زالوا قادرين على فعل الكثير... يزيفون الحقائق..يشوهون النضال ويجملون الفساد...يتربصون ويخططون ويكمنون ثم يباغتون وينقضون...لقد شوهوا الثورة في عيون الناس ..جعلوا من الحرية نقمة ومن الحلم كابوسا...
ماذا بقي من الثورة اليوم عندما نرى صور بن علي ترفع في المسيرات؟؟؟ ماذا بقي من الثورة عندما نرى لوبيات النظام البائد يشلّون الاقتصاد ويركّعون الوطن والمواطن...ماذا بقي من الثورة عندما نرى القتلة والمجرمين والجلادين يتفاوضون مع الأطراف التي كان من المفترض أنها حامية الثورة والوطن من أجل إجهاض الثورة والعودة من الباب الخلفي لاستعادة الحكم بالتحالف مع بعض الانتهازيين والأغبياء والمغرر بهم؟؟؟
بم نفسر حرق مواطن لمصنع وهو الذي يطالب بالشّغل؟؟؟ بم نفسر حرق المواطن لمركز شرطة وهو المطالب بالأمن؟؟؟ بم نفسر غلق المواطن لمصنع وهو الذي يوفّر له قوته وقوت عياله؟؟؟أو بالأحرى وهذا ما أريد الوصول إليه...هل المواطن حقّا هو من يحرق؟؟؟ هل المواطن حقّا هو من ينهب؟؟؟ هل المواطن حقّا هو من يغلق المصانع ويقطع الطرقات ؟؟؟ أم أنها شبكات عنكبوتية من العصابات وأصحاب المصالح الذين يتحيّنون الفرص من أجل فرض هيمنتهم من خلال ترهيب الآخرين ومخادعتهم...
إننا نعيش اليوم في بلادنا وفي العالم واقع انقلاب في المفاهيم...أصبح القبح جمالا والجمال قبحا...أصبح الكريم خبيثا والخبيث كريما...أصبح الصدق مهلكة والكذب منجاة...أصبحت الشياطين ملائكة والزهاد مساخيط...أصبح العلم سفاهة والجهل مفازة ...
عندما أرى كل مايحدث في بلدي أتألم...سمعت بعض من أعرفهم يتمنون لو أنهم يهاجرون أو يحصلون على جنسيّة أخرى أو يذهبون إلى عالم آخر ...لكنّني لااستطيع أن أفكر مثلهم...إنني لا أقدر إلا أن أكون هنا في هذا الوطن الذي لم أعرف غيره ولا أريد غيره...لأنني أرى نفسي بضعا منه...آه يا بلدي أصبحت أنت أكبر أوجاعي...حلمت بك رائعا وقويّا وعظيما منذ نعومة أظافري ...ولكنني عندما بدأت أدرك علمت أنك تعاني...لكنّني لم أيأس يوما من أنك قادر على النهوض والتعافي والانطلاق...ولن أيأس منك يا وطني...ولو تنكر لك الجميع...لأنه في حبي لك بقائي وحياتي...