ثلاثة أسئلة إلى النخبة (13)

بقلم
ثلاثة أسئلة إلى النخبة (13)
 1
قراءتكم لما حدث في تونس 
بين 17 ديسمبر 2010 و 14 جانفي 2011؟
لا أميل إلى اعتبار ما حدث في تونس انطلاقا من 17 ديسمبر إلى 14 جانفي ، ثورة بالمعنى الحقيقي للكلمة، ولكن يمكن اعتباره انتفاضة شعبية انتهت في مسارها السياسي بهروب رأس السلطة أو طرده، وبقي الأمر لدى أعوانه السابقين في الحكم، حيث استدعي محمد الغنوشي وفؤاد المبزع والباجي قائد السبسي لا حقا، لملء الفراغ. وهذا لا يحدث في العادة في الثورات التي تقلب الأوضاع وتمسك بزمام السلطة وتتحكم في اتجاه الثورة، ولا تسمح لرموز النظام القديم بممارسة أي نشاط، بما فيها الرئاسة والوزارة . كما أن مراجعة مفهوم الثورة يحيل ضرورة على العامل الثقافي ودور النخبة ونضج الوعي الاجتماعي والسياسي، وهو ما لم نلمسه في التجربة التونسية حيث ما زال السؤال الثقافي على حاله إن لم يكن قد تراجع باتجاه الاطروحات المغلقة بحكم التجاذب السياسي والفقر الفكري، كما بدت « النخبة» أكثر تفاعلا مع أجواء العِراك والتلاسن والسباب الذي خلا من الجدل العميق والحوار المدني المسؤول ، فمتابعاتنا للمنتديات وموائد الحوار تنبئ عن تلك المشاحنات والسجالات التي تتخذ الرغبة في المحو والإقصاء للطرف المختلف منهجا وغاية ، ولعل ذلك يعود إلى تضخم المشغل السياسي، واستناد الفكر السياسي لدى الأغلب إلى المنزع الإيديولوجي. وإذا أراد التونسيون ـ والنخبة أساسا ـ تحويل ما حدث انطلاقا من 17 ديسمبر إلى ثورة فإنهم مدعوون إلى التعالي عن التقوقع على الذات والتفكير بالآخر المختلف، من أجل الانتقال بالمطالب من الموقع الحزبي إلى السياق المجتمعي على نحو تصبح فيه الرؤية أكثر اتساعا وشمولا في مستوى القيم : الحرية والعدالة والمساواة والديمقراطية والأخوة والتضامن .. وأكثر عمقا بتكريس قيم التعقل والنزاهة والموضوعية والحوار وقبول الاختلاف والتنوع
2
هل ترون أن النخبة التونسية قد نجحت 
في فهم مستحقات المرحلة وحققت بعضا منها؟ 
وهل نجحت في وضع البلاد 
على السكّة الصحيحة للإنتقال الديمقراطي؟
النخبة فسيفسائية في ألوانها وأهدافها سياسيا وفكريا ، ولذلك يمكن رصد ثلاثة أطياف للنخبة ـ النخب، وأنطلق هنا مباشرة في التصنيف بعد تجربة الغنوشي والباجي ، أي بعد انتخابات 23 أكتوبر.
(1) نخبة التحمت إلى حدّ مع مطالب المرحلة وتحملت مسؤولية الحكم وإدارة الشأن العام على تعقيداته، وانخرطت في التبشير بقيم الثورة كمشروع يجب الالتفاف حوله ودعم مساراته، وتشكلت هذه النخبة من الترويكا الحاكمة ومن ساندها من خارج السلطة من مثقفين وسياسيين.
(2) نخبة اتخذت منذ البداية موقفا من انتخابات 23 أكتوبر حيث عبّر بعض رموزها عن تبرّم واحباط تجاه اختيار الشعب ووصلت حدّ وصفه بالجهل والسطحية، ولذلك اعتبرت ما حدث انتكاسة للديمقراطية ، وعملت منذ ذلك الحين على استغلال كلّ مناسبة للتشهير بالترويكا معلنة فشلها التّام في كل ما قامت به، وما لم تقم به، وتتشكل هذه النخبة من متطرفي اليسار والتجمع المنحلّ.
(3) نخبة تراوح مكانها حيث مازالت تحاول فهم ما حدث وما يحدث بعيدا عن التعاطف الانفعالي قبولا أو رفضا، وتجتهد في تأكيد الانتماء للوطن أولا ولما يجمع التونسيين وما يوحد الرؤية باتجاه تحقيق أهداف المشروع الثوري، وهذه النخبة تشمل مسيسين غير متحزبين ومثقفين وكتابا من جميع الاتجاهات، غير أن صوتها خافت لطغيان أبواق الدعاية الساسية.
3
أي مستقبل ينتظر تونس؟ 
وكيف السبيل إلى تجنّب الفشل؟
في هذا الإطار يمكن القول أن النخبة في عمومها وتنوعها تتقدّم بخطى ـ ولو بطيئة ـ باتجاه التوافق حول المشروع المجتمعي بعد تركيز هيئات دستورية ديمقراطيا، كما يتجه التونسيون جميعا للاحتفال بتركيز دستور من أرقى الدساتير عالميا، لذلك، فإن تنوع النخبة واختلافها ونزاعاتها، أمر طبيعي لأنه انتقالي، ولذلك نتفاءل خيرا معولين على رصانة التونسي وتعقله، وواثقين من انحسار موجات العنف والتسيب والانفلات، ولن تتجه بلادنا إلا إلى الاستقرار السياسي والتداول السلمي على السلطة لأن نضج التيار الغالب ـ وهم الإسلاميون الوسطيون ـ سيكون ضمانة لحماية تونس من أي جموح باتجاه اليمين أو اليسار.