في النقد الأدبي

بقلم
رشيد وديجى
موقف المفكرين العرب من «مثاقفة» الشرق للغرب
 يجمع المفكـــرون العرب علـــــى أهميــــة «المثاقفــــة» عموما، ولكن موقفهم من «مثاقفـــة» الشرق للغرب يتّسم بالتّبايــن والحذر الشديد، خاصة وأن «المثاقفـــة» تكاد تشمل كل عناصر الثقافة بما هي  «السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية التي تميز مجتمعا  بعينه، أو فئة اجتماعية بعينها، وهي تشمل الفنون والآداب وطرائق الحياة، كما تشمل الحقوق الأساسية للإنسان ونظم القيم والتقاليد والمعتقدات، والثقافة هي التي تمنح الإنسان قدرته على التفكير في ذاته، وهي التي تجعل منه كائنا يتميز بالإنسانية المتمثلة في العقلانية والقدرة على النقد والالتزام الأخلاقي، وعن طريقها (الثقافـــة) تهتدي إلى القيم وتمارس الاختيار، وهي وسيلة الإنسان للتعبير عن نفسه والتعرف على  ذات...»(1). 
أمـــا «المثاقفـــة» الأدبية عند محمد غنيمي هــــلال فهي بمثابة التلقيـــح والإخصـــاب للأدب، غير أنــــه لا يعتـــرف بفكـــرة (الأدب العالمي) لأنهـــا « مستحيلة التحقيق، ذلك أن الأدب -قبل كل شيء - استجابة للحاجات الفكرية والاجتماعية للوطن والقومية، وموضوعه تغذية هذه الحاجـــات]...[ فالآداب وطنيــــة قوميــــة أولا، وخلـــود الآثـــــار الأدبيــــة لا يأتي من جهة عالمية دلالتها، ولكنه ينتــــج عن صدقهــــا، وتعميقها في الوعــــي الوطنــــي والتاريخي وأصالتها الفنية في تصوير آمالها وآلامها النفسية والاجتماعية المشتركة بين الكاتب  وجمهوره، إذا فالذي نقصده هنا هو(عالمية الأدب) لا (الأدب العالمي)» (2).
وشــــرط الإفــــادة من الآداب الأخرى ومحوره هو الأصالــــة؛ فلا تكون «علاقة المتأّثر أو المحاكـــي علاقــــة الّتابــــع بالمتبـــوع، ولا علاقة الخاضع المسود بسيـــده، بل علاقة المهتدي بنماذج فنية أو فكرية يطبعها بطابعه، ويضفي عليها صبغة قوميته]...[ فالأصالة ليست بقاء المرء في حدود ذاته، وليست هي إباء التجاوب مع العالم الخارجي، لكي يبقى كما هو دون تغيير أو تحوير، ]...[ ولا يستطيع امـــرؤ أن يصقــــل نفســــه، ولا أن يبلغ أقصــــى ما تيســـر لــــه من كمــــال، إلا بجلاء ذهنه بأفكار الآخرين وبالأخذ المفيد من آرائهم ودعواتهم» (3).
بينمـــــا يــــرى باحثون آخــــرون، أن «المثاقفــــة»  بين الشرق والغــــرب تمثل مزيجًا بين الغزو والانفتاح :«فالانفتاح المشرقي على الغرب يحمل دلالة الإعجاب بالحداثوية التقنية في الأدب والفن (الشكــــل غالبـــا)، كما يحمل رواسب الاستعبـــاد الذي تركه القــــوي على المستعبد، فالغزو ما زال قائما وليس حالة تاريخية عابرة، فالشرق ســـوق رائجة للتقنية الغربية، والشرق يستقبل ذلك انطلاقــــا من الاحتياج، لكن الاحتياج ليس مرتبطا بالقبــــول دائما، بل يتم بالإكــــراه في شكل قبــــول انطلاقـــــا من الاحتياج الإجباري، أمــــا القابليـــة فهي تأتي من قبول الأمر الواقع وتحويله إلى عادة مقبولة» (4) .
ويبقى مفهــــوم «المثاقفــــــة» في العصر الحديث مفهوما غربيا          (أورو-أمريكيـــا)، يعمــــل لصالــــح المركزيــــة الأدبيــــة والفكرية الغربيـــة، حيث تشـــــع من خلالــــه علــــى الأطــراف، و«يتمحور حول مفاهيـــم فرعيـــة أخـــرى تدور حول مقولات: نهب الأرض المتخلفة و تحضير المتوحش و مؤاخاة المثقف عبر تدجينه واستغلاله بمـــا يكــــرّس تبعيتـــه الدائمـــة لمراكـــز الأدب العالمـي الرأسمالي، و تغييــــر شكـــل الثقافـــة معه بإفهامه عناصر تبرير تبعيته بنفي التبعية شكـــلا، وإعطائها شكل الحوار الحرّ بين الطرفين، كل ذلك مع بقاء المراكز صاحبة القرار وبقاء الّتخوم المنفية تابعة ومجرد تخوم خادمة» (5). 
ورغم ظهور أصـــوات أوروبيـــّة تنـــادي بضـــرورة الانفتـــاح على الثقافـــات الأخرى (الشرقية- الإفريقيــة- الصينية) ؛ أي الشرق الأدنى والأقصى لتحقيق مفهوم العالمية، إلا أن هذه الثقافات ظلت بالنسبة للثقافة الغربية الأخرى تلاحقها صفة آداب الأطراف، وبقيت آدابها مجرد آداب هامشيـــة يجب أن تستْلهم مـــن الثقافـــة الغربيـــة التي تحمل في رأيهم صفة الأبوة الشرعية مكوناتها، من أساليب وأفكار ورموز...
وهكذا بقي «الســــؤال الـــذي يطرحـــه المشرقـــي : كيف نصل إلى عقل الغرب؟ وفي مقابله يكون السؤال الأورو - أمريكي : كيف نجعل الشرق تابعا؟ !ومازال الانفتاح المشرقي تشوبه عقدة التلذّذ بالاغتراب، ولكي يكمل الشرق مثاقفته للغرب، أصبح الغزو جميلا تحت شعار الانفتاح]...[ أما «المثاقفة» الأوروبية للشرق فمازالت تحكمها عقدة التعالي العنصري ، حيث انتقلت من منظور «سحر الشرق» الاستشراق أي تلك الأرض المشرقية الساحرة التي «تصلح للاستعمــــار»، إلى منظـــور عصـــر النفـــط؛ أي كيف تستعمره دون أن يشعر بذلك؟!» (6). 
ويــــرى جــــلّ المثقفين العرب أن معرفة الآخر ضرورية ليتعرف الفــــرد علـى ذاتـــه ومقومـــات هويتــــه بشكــــل أفضــــل، غير أن «المثاقفة» مع الغرب لم تكــــن «مثاقفــــة» مثاليـــة قائمـــة على الأخذ والعطاء، وإنما «مثاقفـــة» جلبـــت التبعية الثقافية والاختراق الثقافي، هذا ما يراه محمد عابـــد الجابــــري فــــي كتابــــه (المسألــــة الثقافيــــة) (7) .
الهوامش
(1) محمد محفوظ : الحضور و المثاقفة (المثقف العربي وتحديات العولمة) ، المركز الثقافي العربي، بيروت، الدار البيضاء، ط 1 /2000،  ص :19 .
(2) محمد غنيمي هلال : الأدب المقارن، دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، ط2 ، دون تاريخ، ص ص :  107-108.
(3) المرجع نفسه، ص: 109.
(4) عز الدين المناصرة : مقدمة في نظرية المقارنة، دار الكرمل للنشر، عمان،  ط1/ 1988، ص :  74.
(5) عز الدين المناصرة : مقدمة في نظرية المقارنة، مرجع مذكور، ص : 51.
(6) عز الدين المناصرة : مقدمة في نظرية المقارنة، مرجع مذكور، ص :  74.
(7) ينظر: محمد عابد الجابري : المسألة الثقافية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت،  ط1 / 1994.