تمتمات

بقلم
رفيق الشاهد
عرش ومسمار
 عرش ومسمار
إنها حكاية ثورة لم افهمها لأنها لم تدخل التاريخ بعد ولازال الغبار يتراكم على أحداثها فيظلم زواياها. 
انهار عرش البلاط بهروب ساكنه وانقض العامة عليه يتنازعون الانفراد به. وسرعان ما فهم الجميع أن العرش يجب أن لا يجلس عليه إلا حاكم واحد يكون من خيرتهم. واحتاروا من سيكون هذا الذي سينسيهم فساد من سبق في ماض قريب. وادّعى كل فريق أن لديه الأكفأ لتسيير شؤون البلاد والعباد.
طال النزاع على امتلاك العرش ولو لفترة لعلّها تطول ويؤمل أن لا تنتهي. وكلما طال التفاوض وفقد أحد أطراف النزاع الأمل في السيطرة على العرش، دق فيه مسمارا حادّ الشوكة. وإن اختلف المتنازعون في التوافق على تحديد الأجدر بالعرش، اتفقوا بسوء نية أن يزرع كلٌّ مسماره.
لم أفهم من له الحق أن يقترحني أنا أو غيري للجلوس على مثل هذه المسامير؟ وإني لأشفق على جالس هذا العرش ولو لفترة، أرجو أن لا تطول رحمة به وإن كان عدوا. 
وأخيرا، ولعل لأنني لم أفهم بعد ما يخفيه الحاضر من مادة للتاريخ، مازلت أنتظر صدور بلاغ على صفحات الجرائد اليومية يُِعلم كافة المواطنين أن العرش على ظهر عفريت يتأرجح ولا يهدأ مثل ثور ثائر وخزته السهام فسال دمه من كل جانب وأن مسامير غلاظا مزقت أريكة ومسند هذا العرش وبانت شوكاتها حادة مثل أنصال خناجر في جسده المتهرئ. وعليه، وضع العرش في بتة عمومية. وعلى كل من يرغب في أن يُنصّب على عرش البلاد أن يقدم ترشحه بنفسه. ولا لوم على من يشفق على نفسه. ولا لوم على من هزّه العرش وأسقط من علٍ.
عشرون دينارا
الدينار المقصود تونسي تمّ اعتماده منذ الاستقلال تعويضا للفرنك الذي اتخذه المعمّر عملة للبلاد عقدا بعد الحماية. 
عشرون دينارا استكثرها عامل بمؤسسة عمومية أجرا لعامل يومي استأجره للقيام بأشغال صيانة بمنزله. هو مقابل عمل يبدأ من شروق الشّمس إلى غروبها ولا تفارقه عين صاحب العمل الذي يلازمه حتى لا يتهاون ويحلل أجره الذي سيتحصّل عليه. وتمنّيت أن يحرص كل صاحب عمل على نشاط مستخدميه على هذا الشكل. وهمّي كبير على الدّولة تعجّ إداراتها بالأعوان إن باشروا يغادرون قبل الدخول ويُشاع أنّها تدفع ثلاث مرتّبات وثلاث مساهمات للتغطية الاجتماعيّة والصّحية مقابل عمل يؤمّنه عادة موظف واحد.
وهمّي أكبر على العامل اليومي كيف يمكنه صرف العشرين دينارا بالتفصيل منها الفطور والغداء والعشاء للأولاد كثُرَ عددهم أو قلّ ومنها مستلزمات الدّراسة لمن بلغ من الأولاد سنّ الدّراسة ومنها الملابس والأحذية ممّا يتوفّر بسوق الملابس المستعملة ومنها ثمن القهوة التي يحتسيها مع رفاقه بالمقهى لا لشيء إلا لملاقاة أصحاب العمل. وهمّي  أكثر بكثير على هذا العامل العرضي إذا ما توعّكت حالته الصحيّة ومنعته من العمل فلا يقبض، ومن العشرين دينارا وجب ادّخار القليل لمثل هذا البأس. يا لها من عشرين دينارا فيها أكثر منها بركة لمّا غابت حضر الكبريت والبنزين. 
لو سألت البوعزيزي قبل وفاته ماذا تريد؟ لأجابك « أعمل بعشرين دينارا فدعوني في حالي».