الادب الهادف

بقلم
عبداللطيف العلوي
الإرهــــابي ....

 فــي الصُّـــورةِ شَــخْصٌ يُـــشْبِهُنِي ..

مَـــدَرِيُّ اللَّونِ ، نَـــحِيلٌ ، نِصفُ طَوِيـــلٍ ، مُكْتَـــهِلُ ..
فــي الصُّورةِ وَجْهٌ أَعْــــرِفُهُ ، 
أَنْــــفٌ جَبَلِـــيٌّ مَعْقُوفُ ..
عَيْـــنانِ بِــلا أَلَـــقٍ بادٍ ، وجَبِـــينٌ صَــلْدٌ مَكْشُـــوفُ ..
شَــفَةٌ ظَمْيَـــاءُ عليها المـــاءُ و لا تَشْـــرَبْ ..
فــي الصُّورةِ صيّادٌ مُتْعَـــبْ ..
و أرانِبُ تَـــحْتَ عُـــرُوشِ التُّوتِ ...
تنامُ فَيَــرْهَــفُ حَـــدُّ غَـــرِيزَتِــهِ، 
لكنّهُ يَكسِرُ أَنــيابَ الذِّئْــبِ المُــتَرصِّد في دَمِـــهِ ، 
إنْ هَـــمَّ بِها أَو مَـــدَّ لــها مِخْلَــبْ ..
في الصُّــورةِ يَسْــكُنُ ذاكَ الوَجْــهُ حزيــنا مثلَ طَـــريقٍ مَهْجُــــورِ
الصِّـــبْيَــةُ نامُـــوا دونَ غِنَــــاءٍ ...
والأَحــلامُ تنــامُ بِأَعْيُنِــهِمْ كَزُجــاجٍ مَكْسُــورِ
و عَــلى طَــرَفٍ في البــالِ حِبــالٌ من زَمنٍ تتَقَصَّــفُ أَو تتَــدَلَّــى ..
تَسْفُلُ ، تَــعْلُو ، تَــغْمِــسُ ريشَتَــها ...
فــي العَتْمَــةِ حِيــنًا أو فــي النُّــورِ
وَكــانتْ تِــلكَ خَطِيــئَتَــهُ الأُولــى ..أن يُولَــدَ طِفْــلاً شَــرْعِيًّــا ...
وَيُــسَمَّــى أَحْمــدَ ، أَوْ هارونَ ، 
وعبدَ اللـهِ وَيُوسُــفَ أو عُثمــانَ
وَيُنْسَــبَ مثلَ أَبِــيهِ لِفــاطِمةٍ وَعَــلِيٍّ ، 
أَو للدَّاخِــلِ أَوْ للمنْــصُورِ .
وبَكــى المَولُــودُ كَمَــا يَــبْكِــي الفُــطمَاءُ ،
بِعَيْنٍ تَعْرِفُ أَنَّ حَلِيــبَ الحُــرَّةِ فَــاضَ وَغَــاضَ ،
وأنَّ علــى شَفَتَــيْهِ حَمــائِمَ من حَــلْمَتِــها ،
أَلْقَــتْ رِيشــاتٍ ثمَّ مَــضَتْ كالحُــلْمِ سَــريعًا خَــلفَ السُّــورِ 
كبُــرَ المَــنْبُـــــوذُ ولــم يكبُــرْ
وتَـحقّــقَ نصــفُ اللَّــعنةِ : 
صــارَ يواعِــدُ نجمَــتَـه الأولــى
ويُــحَـدِّثُــها عـن أرض تخنُــقُ ما تلِــدُ
ومُسُــوخٍ ليس لــها عــددُ
وتَعَلَّــم قَــبل جُــنُونِ الحِــكْمَــةِ رقْــصاتِ الطَّــيْرِ المَـذبُــوحٍ
ولملمةَ القلب المكسورِ...
كبُــرَ المَــنْبُـــــوذُ ولــم يكبُــرْ
صَــارَ يَجُــوسُ بِقَلْبِــهِ بَيْنَ عُيُــونِ الأَمْــواتِ
شَبَــحًا مَــنْسِــيًٌّا نِصْــفَ سَــلِيــخٍ ...
يَــرْكُــضُ بَــيْنَ خُــطُوطِ النَّكْبَــةِ والنَّكَــساتِ ،
جُــرحٌ يَمْتَــدُّ كنهرِ دمٍ ..
من سَايْــكِسْ بِيــكُو إلى أُوسْــلُو ...
وَكِــلاَبُ اللَّيْــلِ شَــوارِدُ كم وَلَــغَتْ ، وَتَعَــاوَتْ ...
طَمَــسَ النَّجْــمُ المُتَــوحِّدُ في عَــلْيائِـــهِ والبَصَــرُ ...
وَتَــراخَى اللَّيْــلُ هُنا فَــاحْــذَرْ ...!
يَــا آخِرَ نَسْــلِ النَّكْبَــاتِ ...
يَــأْتُونــكَ حيثُ تَكونُ : حُــكُومَاتٍ ، دُوَلاً وقَــبَائِــلَ بَــائِدَةً ، ..
يَجْتــاحُكَ إِعْصَــارٌ ضَــوئِيٌّ حينَ تُــلاَمِــسُ بابَ الله ، 
تُــوَحَّــدُ أَنْظِمَــةُ الرَّادارِ ، وَتُــطْلَــقُ صَفَّاراتُ الإِنْــذارِ ،
وتُفَــكُّ على عَجَــلٍ شِفْــراتُ جَمِــيعِ الأَقْنِــيَةِ الإِخْبَــارِيَّــهْ
فِــي الصُّــورَةِ أَيْــدٍ عَــرَبِيَّــهْ .. !!!
تتَــقدَّمُ كُلُّ جُيُـــوشِ الأَرْضِ وَتُنْفَـــخُ في المعمــورةِ أَبْـــواقُ
وتُلَغَّـــمُ كلُّ ممَــرَّاتِ النَّمـــلِ البَشَـــرِيِّ ، 
تُــحَزُّ بِظِفْرِ المَاردِ أَعْنَــــاقُ ..
تتَـــوالى نَـــشْــراتُ الأَخْبَــــارِ على عَجَلٍ ، 
هُوَ عَصْـــرُ الظُّـــلَّةِ إن شِئْتُـــمْ فَرِدُوا عينَ التِّنِّــــينِ ،
وَإِنْ شِــــئْتُمْ فَتَــرَدَّوْا مــِثْلَ ذُبــاباتِ اللَّحْـــمِ المُتَساقِطِ...
هَــذا عَصْـــرُ الــذِّلَّـــةِ ..
ليسَ لكم من بَعْدِ التَّـــوبةِ إِلاَّ الأَرْزاقُ !!..
كَــانوا في البَــدْءِ رُعَــاةً ...
لمْ يَنْجُــوا من أَلْعــابِ القَـتْلِ على الفِــيدْيُــو
وَتَــغَيَّرَ شَكْــلُ اللِّعْبَـةِ ، ...
فِي ظُلُمَــاتِ « أَبُو غْــرِيبٍ» زَمَــنٌ منْ كُلِّ الظُّــلُماتِ...
كَــانَ  الجُــنْدُ سَكَــارى بالــدَّمِ حَــدَّ الـرَّحْمَــةِ
عَــادُوا يَغْــتَرِفُــون اللَّذَّةَ من نسْــغِ  اللَّحــمِ الــرَّخْــوِ
فَــلْيُـرْفَعْ هَــذَا الــقِرْدُ علَى وَتَــدٍ ، 
 وَلْيُــصْلَبْ ذاكَ عَــلى فَخِــذَيْ  تِلْكَ الجُنْــدِيَّــةِ سَيِّــدَةِ النَّهْــرَيْنِ ،
وَيَــرْقُصْ كَــلْبُ المــاءِ كَــما وَلَــدَتْهُ اللَّــعْنةُ،..
 رَأْسُــهُ مُــنْسَدِلٌ يَتَــأَرْجَحُ يَــنْطَحُ خِصْيَتَــهُ ،وَيَــداهُ مُقَيَّدَتَــانِ
وَخَلْفَــهُ جُنْديٌّ يَتَشَمَّــمُ أَسْفَــلَ ظَهْــرِهِ ،...
يَنْسَــكِبُ الــزَّيْتُ المَغْلِــيُّ ...
وتَمْتَلــئُ السَّــاعاتُ بِــرَقْصِ ضَفَــادِعَ تَحْتَــرِقُ...
شُــكرًا للجُنْــدِ ، ... لَقَــدْ صَدَقُــوا
شكــرًا للجُـنـدِ جَزِيــلاً ، لمْ يَعِدُوا إِلاَّ صَــدقُوا..
صَبَــغُوا الأَطْفَــالَ بِلَــونِ الوَرْدِ ، 
وَ ألْقَوا فَوْقَ حُقُولِ القَمْــحِ أَصابِـــعَهُمْ
وَعَــدُوهم بالعَــرَبَاتِ المَسْــحُورَهْ..
وَقَنَـابِلَ من حَلْوًى وضِيـاءٍ ، 
مِثْلَ شَـارِيخِ الأَعْيَـادِ تَفِيـضُ وَتَـأْتَلِقُ 
شُــكرًا للجُنْــدِ ، ... لَقَــدْ صَدَقُــوا
مــنْ كَــانَ سيعــرفُ لَوْلاهُمْ ،
 مــنْ كَــانَ سيعــرفُ أنّ أباهُ الطّيّبَ إِرْهَــابِي ...؟
مــنْ كَــانَ سيعــرفُ منــهُمْ ســاعةَ يَغْــفُو تَحْتَ جَــناحِهِ ..،
أنّهُ يَــأْخُذُهُمْ في بَــرْدِ اللَّـــيلِ رَهِينــهْ ،
يَــسْرِقُ غَفوــتَهُم ويُعرِّيــهِهم ،
مـنْ كَـانَ سيعرفُ أنَّهُ فـي أَكْيَـاسِ الحَلْوى، 
في ضحْكاتِهِ أَو دَمْعــاتِهِ 
فِـي ضَمَّــاتِهِ وهو يُــوسِّدُ رأْسَــهُ لَـيْلَ جَدائِلـــهِمْ ،
أو في لَمْسَــاتِهِ ، فِي رَجْفَـاتِهِ ، ...
في رَقْصَاتِـهِ وهو يُطَاوِلُهمْ فوقَ الكَتِفَيْنِ، 
ويَحْني ظَهْرهُ كَـيْ يَعْلُــوهُ
وفِـي صَلَــواتِهِ وهو يُنــاجِي ربَّهُ بالزَّيْتُـونِ وَطُـورِ سِينِينَ،
وفِي سَاعاتِهِ، يَــغْسِلُ قبْـلَ المَوتِ تُرابَ الحَقْلِ، وفــي سَكَراتِهِ،
مـنْ ذَا كَــانَ يُــصَدِّقُ أَنَّــهُ إِرْهَــابِي ..!!؟
لــوْلاَ زَخَّــاتُ الــنَّارِ عـلى الْبَــابِ ..
طَــلَقَــاتٌ أَشْعَــلَتِ الــوَرْدَ الغَــافِي،
وَ تَهَتَّــك سِتْــرُ الزَّنْبَـــقِ في لَحظــاتٍ ..
مَــرَّ الجُنْــدُ إلى غُــرَفِ النَّــومِ ، 
اِحْتَقَــنتْ في الأعْيُــنِ شَـهوتُهُــمْ...
وَعَــوى الذِّئْــبُ الجَبَليُّ،
عَــوى الذِّئْبُ الجَبَليُّ ...عَوى الذِّئْــبُ الجَبَــليُّ
عَوى الذّئْــبُ ... الذّئْــبُ ... الذّئْــبُ ... الذّئْــبُ 
الذّئْــبُ الجَبَلِيُّ ... عَوى الذّئْــبُ 
وتَطَــايرَ فــوق الأَلْــحِفَةِ البَيْضــاءِ ،نُثَــارُ أَصــابِعَ  
واصْطَبَغَــتْ بَقَــعٌ حَمْراءُ على البــابِ
اللّيلــةَ مات الإِرْهَــابي ...!
اللّيلَــةَ تنهضُ يــا « دوفِينِي»  
لِــتُعِيدَ كِـتَابَةَ « موتُ الذِّئْــبِ»  ... 
أَيُــوجِعُكَ القَمَــرُ المُـتَكَسِّــرُ في عَــيْنَيْهِ ؟
وأَنْفُــهُ ؟ .. هل يَتَشَمَّــمُ بَعْــدُ طَرِيقَــهُ في الغــابِ ؟ ...
وهلِ اخْتَلَجَتْ أَطْرافُهُ؟ 
هلْ أَرْخَـى جَفْنَيْـهِ وألْقَى نظْرَتَهُ الـخَرْسَــاءَ...؟
وهــلْ سَمِــعَ الرَّاؤُونَ حَفِيـفَ جِرائِــهِ فَــوقَ سَــريرِ الأَعْشَــابِ ؟
اللَّـيْلةَ ماتَ الإِرْهَــابِي ...!
لَــكِنَّكَ أنتَ القَــاتِلُ، ... 
كُنتَ هُـناكَ وهُــمْ يَــلْوُونَ خنَــاجِرَهُــمْ تَـتَثَنَّــى في أَحْشَــائِهِ
كنـتَ هُنـاك .. 
جَــبِينُكَ مُنْتَــكِسٌ  يَتَــفَصَّدُ من عُــهرِ الشُّــعراءِ ، ..
وكنتَ هنــاك لِتَشْهَــدَ أنّــكَ أنت القَــاتِلُ دونَ سِــواكَ ، 
وَإِنْ ضَــاعتْ بَصَمــاتُكَ بين ثَنــايا العُشْــبِ،
وأنْكَــرَها التّاريخ وَزُورُ الأَصْحَــابِ ...
اللَّــيْلةَ ماتَ الإِرْهَــــابِي ...
هـلْ تَــسْمَعُ يــا « دُوفيني»  شيئًـا في  الظُّلْــمَةِ ، 
أَرْهِــفْ تَسْــمَعْ صَمْتَــهُ فيكَ وحولكَ،
لا تَتحــرَّكْ ...أَرْهِفْ أَكــثَرَ تَسْــمَعْ، ...
بعْــدَ قليــلٍ سـوف يَعُــود الصّيّــادون بجِلْــدِهِ رَخْــوًا مُنْسَــلِخًا
وسَتَكْفُــرُ باللاَّهُــوتِ وعلــم النَّفْــسِ وتَاريــخِ الأَجْنــاس،
وَ تَعْــرِفُ معــنًى آخَــرَ للأَنْســابِ يُصَــحِّحُ كُــلَّ الأَنْســابِ..!
اللَّـيـلةَ ماتَ الإِرْهَــــابِي ...!
وغَــدًا سَتَصِيــرُ الأَرْضُ أَخَـفَّ وأَوسَــعَ للغُرَبــاءِ وللغِرْبــانِ
غَـدًا يَـذْرُونَ رَمَــادَهُ فَــوق عُـرُوشِ النَّــفْطِ ...
وسَــاحاتِ الأَحْــزانِ .
غَــدًا تَـبْكِيــهِ حَــرائِرُ كلِّ الأَرضِ، و لا أَحــدُ ..
مــا قيــمَةُ أَنْ تَــهتَزُّ لهُ السَّمَاواتُ السَّبْعُ ...
وعَــرْشُ الرَّحْـمانِ ...؟
ما قِيــمةُ أَنْ يَـــتَوقَّفَ عبَّــادُ الشَّمْسِ العَبَثِـــيُّ عن الدَّورانِ ..؟
هل كَــان يُصَــدِّقُ حَــقًّا أَنّه يَعْــرِفُنا ..!؟
نحــنُ البــاقِينَ نُـزَجِّي العُمْـرَ بِنَحْـتِ رُؤُوسِ الغُـولِ وسَيْفِ علِـيٍّ .
نُــطْلِقُ صَــرْخَتَنا في وجْــهِ مَرايَــانا ....
ويَــطول العُمْرُ بِــنا ، ويَطُــولُ ، 
نُــعَمِّــرُ مثْلَ سَــلاَحِفَ مُهْمَــلَةٍ ..
في آخـرِ أَرْضِ النِّــسْيَــانِ..
هلْ حَــقًّا كانَ يَــرى حقّا  مَــا لَــمْ نَــرَهُ !..؟؟
طَــيْرًا ذَبَحُــوهُ فَعَــادَ يَعَشِّــشُ فـي فَــوْهاتِ مَدافِــعِهِمْ ...
زَهْــرًا قَطَفُــوهُ فَأَجْــرى سُمَّــهُ في أَطْرَافِ أَصَــابِعِهِــمْ ...
شَجَــرًا نَسَــفُوهُ فـلمْ يَنْشَــفْ ،
وا خْضَــرَّ بِقَــلبِ النِّيــرانِ ....
فِــي الصُّورةِ وَجْــهٌ يُشْبِــهُنا ..
وجْــهٌ عَرَبِــيٌّ نَعْــرِفُهُ ...
وجْــهٌ عَيْنَـــاهُ على الْبَـــابِ ...
اللَّيْلَــةَ ماتَ الإِرْهَــابِي ..
اللَّيْلَـــةَ يُــولَدُ إِرْهَــــابِي ...