في النقد الادبي

بقلم
رشيد وديجى
جيـرار جينيـت و إشكالية نظرية الأجناس الأدبية

 لا يمكن أن نتناول المسألة الأجناسيّة دون أن نشير إلى مجهود «جيرار جينيت» الذي تغيا تأسيس منظور مختلف للمسألة في كتابه «مدخل لجامع النص» « Introduction à l’architexte » حيث يعيد طرح مسألة الأجناس الأدبية من منظور جديد عن طريق مراجعة بعض التقسيمات التي قام بها بعض الكتاب والدارسين والنقّاد القدامى الذين كان اتجاههم تقليديّا في تصنيف الأجناس الأدبية، فانطلق «جيرار جينيت» منذ عهد أفلاطون لكي يعيد مناقشة نظرية الأجناس عند كل من أرسطو والكلاسيكيين والرومانسيين. ويمكن أن نلاحظ بأن النتيجة التي توصّل إليها في تحديد الإطار النظري للتمييز بين الأجناس يستند، في الأساس، إلى ثلاثة ثوابت جوهرية هي الطيمة «Thème»، الصيغة «Mode»، الشكل «Forme» في تحديد معمارية نصّ من النّصوص، فإنّ هذا الأخير ليس هو موضوع الشعرية بل جامع النّص أي مجموع الخصائص العامّة التي ينتمي إليها كل نص على حدة وبذلك تكون العناصر الأساسية أو جوامع النّص هي القادرة على دراسة مستمرة للجنس الأدبي كشروط أوّلية لدراسة التحولات التاريخيّة التي تطرأ على الأجناس. ومن جهة أخرى تحدد معمارية النّص والعلاقة بينه وبين نصوص أخرى من جنسه أو من خارجه.(1) ومن خلال ذلك يتضح أن «جينيت» يقر بوجود أنواع وكذلك بوجود صيغ كما يؤمن بوجود نص أدبي، وهذا الأخير لا يهمّ، في حد ذاته، وما يهمّ هو العلاقات الظاهرة التي تجمع بيـــن النصــــوص وهــــو ما يسميه بالتعالي النصي «Transtextualité»  التي تشمل خمسة أنماط :(2)

* التناص «Intertextualité» : أي الحضور الفعلي لنص في نص آخر كاملا أو جزئيا.
* النصيّة الواصفة «Métatextualité» : وتشير إلى العلاقة التي تربط تعليقا ما بنص «أي أن يكون التناصّ متعلقا بوصف أو دراسة نصّ آخر».
-المصاحبة النصية «Paratextualité» : تدلّ على العلاقة بين النّص والفضاء المحيط به ويشمل ذلك العلاقة مع العنوان، العناوين الفرعية، التنبيه، المقدمة، الخاتمة، وما يوضع من إشارات حول النّص.
-الاشتقاق النّصي «Hypertextualité» : أي علاقة التّحويل أو التقليد التي تجمع نصّا بنصّ آخر.
-النصيّة الجامعة «Architextualité» : أي علاقة الانتساب التي تربط نصّا ما بمختلف أنماط الخطاب الناتج عنها، وفيه تندرج الأجناس وتحديداتها الصيغية والمضمونية والشكلية.
ويؤكد «جيرار جينيت» أن موضوع الشعرية ليس النّص وإنما معماريّة النّص/ جامع النّص. أو إذا شئنا هو معماريّة نصّية النّص   «Architextualité du texte» أي مجموع المقولات العامة أو التّعاليات المتمثلة في أنواع الخطاب وأنماط التلفظ، الذي يقوم عليها كل نصّ مفرد...(3)
إن موضــــوع الشعريــــة هـــو التّعالـــــي النصــي «Transtextualité» أي ما يجعل النّص في علاقة ظاهرة أو خفية مع نصوص أخرى... فموضوع الشعرية هو التّعالي النّصي في عمومه الذي يتجاوز جامع النّص ويتضمنه مثلما يتضمن باقي العلاقات الأخرى «التّناص، النّص المصاحب، النّص الواصف، الاشتقاق النّصي»(4) فقـــد خصص «جيرار جنيـــت» كتابــــه أطــــــراس «Palimpsestes» لدراسة أنواع هذه العلاقة.
ويشير «جيرار جينيت» أن الخطأ الذي سقطـــت فيه كل الشعريّات يتمثّل في ادّعائها الكونيّة وتغطية كل الحقل الأدبي انطلاقا من معيارها في حين تتسم الأدبية بكونها واقعة متعـــدّدة، لذا فإنّها تستوجـــب نظريّة متعدّدة تأخذ بعين الاعتبــــار مختلف الصيغ التي تتّخذها اللّغة للتّخلص من وظيفتها الاستعمالية لإنتاج نصوص قابلة لتلقّي كموضوعات جمالية،(5) وينظر هنا إلى أن النّص على أنـه «نوع من الإنتاجية»(6).
إنّ قابلية تحول التّجليات التّاريخيّة قد شكّل عائقا أمام نظريّة الأجناس طالما بقينا متمسّكين بتصوّر جوهراني أو حاولنا تكييف تاريخ الأجناس مع الرّسم التطوري للارتقاء والذروة والتدهور. إن الأجناس الأدبية تتحوّل بقدر ما تندرج في التاريخ، وهي تندرج في التاريخ بقدر ما تتحول.(7)
ولحصر هذه القضية إجمالا يبدو أن هناك ثلاثة عوامل فعاّلة في ظهور واختفاء وتغيير الأجناس الأدبية وهي متعلقة بـ :
(أ) متطلبات كل عصر وقضاياه المختلفة.
(ب) التقاليد الفنية الموروثة والمستجدة.
(ج) القدرات الإبداعية للمنشئين وما لهم من عبقرية ومدى استيعابهم للموروث وما لهم من تطلّعات مستقبلية(8) ويؤمن «طودوروف» في كتابـــــه «مدخل إلى الأدب العجائبـــي» بأن «الجنـــس الجديد هو دائما تحويل لجنس أو عدة أجنــــاس قديمـــة عـــن طريق القلـــب أو الزخرفة أو التوليف»(9).
وتعد قضية تطوّر وتغيّــــر الأجناس الأدبية بالإضافة إلى تداخلها من أهم القضايا التي تحول دون التّحديد الصّارم والحصر الدقيق لمفهومها «إن أهم ما يحول دون تحديد أي جنس أدبي تحديدا صارما، وحصر مفهومه حصرا دقيقا هو ما للأجناس الأدبيّة من مرونة وما تتّسم به من ظاهرة التداخل فيما بينها، هذه الظاهرة التي أضحت في النقد الحديث من الأمور المفروغ منها على عكس ما كان رائجا في النقد القديم من دعوى صفاء الأجناس»(10).
المراجع
(1) إشكالية تصنيف الأجناس الأدبية، فتيحة عبد الله، مرجع سابق، ص 367.
(2) حميد لحميداني : التناص في الخطاب الأدبي ودور السياق، منشورات كلية الآداب ظهر المهراز، فاس، 1999-2000، ص 22-23.
(3) جير جنيت، (الآدب في الدرجة الثانية) قراءة وتقديم، المختار حسين، مجلة فكر ونقد، السنة 2، ع 16، فبراير 1999، ص 130.
(4) Gerard Genette, Palimpsestes, Seuil, 1987, P 7-8.
(5) نقلا عن ربيعة هواري، سردية النص الشعري وشاعرية النص السردي، رسالة مرقونة بكلية الآداب فاس، ص 101.
(6) حميد لحميداني، التناص في الخطاب الأدبي ودور السياق، مرجع سابق، ص 1.
(7) مؤلف جماعي : نظرية الأجناس الأدبية، تعريب عبد العزيز شبيل، حمادي حمود، النادي الأدبي الثقافي، جدة 1994، ص 62-63.
(8) الصادقي العماري، قضية الأجناس الأدبية في الفكر الأدبي، فكر ونقد، س 4، ع 9، مايو 2001.
(9)  نقلا عن فتيحة عبد الله، إشكالية تصنيف الأجناس الأدبية في النقد الأدبي، مرجع سابق، ص 364.
(10)  رشيد يحياوي : مقدمات في نظرية الأنواع، مرجع سابق، ص 26.