وجهة نظر

بقلم
د.ناجي حجلاوي
من الانتخاب إلى الانقلاب

 لا بدّ أن المتأمل في الواقع السياسي العربي يلفته التناقض الحاد بين ما أفرزته صناديق الاقتراع من نتائج عبر عملية الانتخاب التي حرص الجميع أن تكون شفافة ونزيهة وبين ما آلت إليه الأوضاع من محاولات تغيير هذه النتائج عبر القوّة وهو ما يعرف بمحاولات الانقلاب وإذا كان هذا الأمر جليّا في التّجربة المصريّة فهو أقلّ جلاء في التجربة التّونسية ولكن وراء هذا الجانب يكمن سؤال مهم مفاده أين يكمن الخلل؟ هل هو عليق بالعملية الانتخابية؟ أم هو كامن بالمسألة الانقلابية؟

يبدو أن الخلل لا يكمن لا في هذه ولا في تلك فكلتاهما إجراء فنيّ لا يتجاوز المستوى السطحي من الحياة السياسية وإنما التأزم العميق شديد الاتصال بمكونات الوعي ومركبات الإدراك بالذّاتية والفرديّة والكينونة وصيرورتها والحرية وقيمتها. إنّ الدّيمقراطيّة قبل أن تكون أشكالا وقوالب، هي فلسفة عيش ونمط حياة ووعي بالوجود تنبع منه جذور الاحترام للغير وحرمة الآخرين، وعي يقدم الواجب على الحق، والعام على الخاص، وكل ذلك يتجلى في نظافة الذّهن واليد والأخلاق والبيئة في جماع فذ وتكامل فريد. وعلى هذه الشاكلة تبدو الأزمة متجذرة في العقل السّياسي العربي الّذي يرى الحقائق بعين واحدة هي عين الأنا الضّيقة والمصلحة الآنيّة ولا غرو في ذلك فالتّسلّط عبر التّاريخ العربي الإسلامي منذ انقلاب معاوية على حريّة البيعة والاختيار أضحى الانقلاب هو المتنفس الوحيد لإثبات الذّات ونحن إذ نشير إلى هذا الجانب التّاريخي  لا نبرر الانقلاب ولا نشرعن له وإنما نزيل العجب عن واقع مليء بالانقلابات في عصر تطلّعت فيه شعوب مجاورة إلى تغيير واقعها نحو الأفضل وقد رضيت الدّولة العثمانية والمماليك من قبل، والعراق وسوريا ومصر وليبيا وموريطانيا والسودان والجزائر بطأطأة الرّؤوس تحت وقعات الأحذية العسكريّة ولم تنجرّ تونس إلى هذا الّتيار وإنّما جرت الأقدار على خلاف ذلك إذا حكمت باستبداد تلا فترة البايات يمكن أن نسميه بالاستبداد المدني مقابل الاستبداد العسكري ولعلّ هذه الزّاوية هي الّتي تحدث التّمايز بين الواقع المصري والحالة التّونسية فيما تجري به الحوادث هذه الأيام من استتباعات للمساريْن الثّورييْن