مقالات في التنمية

بقلم
نجم الدّين غربال
لماذا التشكيك في الصكوك الإسلاميّة؟

 لا يخفى على أحد الحاجة المستمرة والمتزايدة للاقتصاديات سواء «الرائدة» منها أو «الصاعدة» وخاصة «النامية» لتدفقات مالية إضافية وكذلك حاجتها لأدوات مالية مبتكرة لمحدودية الآليات التقليدية.

وما التطور الذي عرفته صناعة الصكوك الإسلامية في السنين الأخيرة من خلال تجربة تلك الصكوك وتطبيقها بشكل موسع في تمويل مشروعات عامة في دول كالبحرين وماليزيا وكذلك توجه عدة دول نحو إصدارها كتركيا (ثاني اكبر اقتصاد  إسلامي بعد اندونيسيا)  ونيجيريا وجنوب إفريقيا وإصدار بنك دبي أشهرها بما قيمته 13.5 مليار دولار والذي استفادت منه مؤسسة الموانئ والجمارك والمنطقة الحرة في دبي، إلا أدلّة على ذلك. أضف إلى ذلك  ما حققته الصكوك الإسلامية من قفزات نوعية من حيث العوائد لفتت إليها اهتمام الأسواق الغربية.
وبعد إقرار مجلس الشورى المصري قانون الصكوك في النصف الأول من هذه السنة وافق المجلس الوطني التأسيسي التونسي الأربعاء 17 جويلية 2013 على قانون يتيح إصدار صكوكا إسلامية. وسيمكن هذا القانون من إصدار ما بين 500 مليون و 700 مليون دولار من الصكوك في نوفمبر وديسمبر القادمين نرى أنه مرشّح أن ينجح خاصة إذا علمنا أن تونس مدعومة من البنك الإسلامي للتنمية.
وكما هو معتاد سارع من يريد الاستمرار في ارتهان اقتصادنا الوطني لحساباته الإيديولوجية و«السياسية» الضيقة إلى الحكم على التجربة وهي في المهد بالقول أن «تجربة الصكوك الإسلامية لن تنجح في تونس ولن يكون لها دور في إنعاش الاقتصاد «معتمـدا على مغالطات رأيت ضرورة كشفها مساهمة في تحرير اقتصادنا من المراهقين سواء «السياسيين» منهم أو الإيديولوجيين تحت مسميات شتى مثل «خبير مالي» وغيرها إيمانا مني بأن ذلك يشكّل الخطوة الأولى للانطلاقة الحقيقية لاقتصادنا.
فمن المغالطات القول بأن « الصكوك الإسلامية هي قروض رقاعية يتم فتحها للاكتتاب وهي رقاع خزينة مثل بقية الديون تصدرها الدولة» والحال أن آليات التمويل الإسلامي تبنى على المعاملات بين السلع والخدمات وليس على النقود، أما القرض فهو نقد مقابل نقد مع زيادة سعر الفائدة. ومن المهم الإشارة إلى أن العالم الغربي اتجه إلى التمويل الإسلامي بعد الأزمة الاقتصادية العالمية التي كانت نتيجة سعر الفائدة.
 إن المنهج التقليدي في التمويــــل يقوم أساسا على سعر الفائدة وقد أثبت هذا المنهج فشله بصورة جلية نتيجـــة الأزمات الماليـــــة التي عصفت بركائز النظام المالي التقليدي خاصة أزمة عام 2007. أما المنهج الإسلامي في التمويل، فهو لا يقوم على سعر الفائدة ويموّل المشروع من العائد من خلال إصدار صكوك إسلامية تمثل حقوق ملكية لحامليها، بالإضافة إلى حصة من الرّبح يحصل عليها بعد دراسات جدوى وهي أرباح متوقعة تعطي حصيلة إصدار الصكوك إلى الحكومة ويوزع نسبة مائوية من الربح على أصحاب المشروع وباقي الربح يعطى للحكومة.               
ومما سبق يمكن أيضا كشف مغالطات القول بأن «الصكوك الإسلامية شكلا من أشكال تفاقم الديون».
فمن خصائص الصكوك الإسلامية أنها تشترك في استحقاق الربح بالنسبة المحددة وتحمل الخسارة بقدر الحصة التي يمثلها الصكّ ويمنع حصول صاحبه على نسبة محددة مسبقا من قيمته الاسمية أو على مبلغ مقطوع، كما تتحمل مخاطر الاستثمار كاملة وتتحمل الأعباء المترتبة على ملكية الموجودات الممثلة في الصك سواء كانت الأعباء مصاريف استثمارية أو هبوطا في القيمة أو مصروفات الصيانـــــة أو اشتراكات التأمين.      
ومن المهم التأكيد على أن الصكوك ليست هي بالسندات رغم بعض أوجه الاتفاق بينهما والتي نعددها قبل عرض أوجه الاختلاف.
فما هو مشترك بينهما، أن كلاهما أوراق مالية متداولة ذات استقرار كبير ومخاطر متدنية، غرضها التمويل ويمكن من خلالهما التحكم في حجم السيولة النقدية.
أما ما يميز الصكـوك الإسلاميـــة عن السندات الربوية فيتمثل في:
* أنها حصص شائعة في المشاريع المدرّة للربح، أما السندات فهي قروض ربوية في ذمة مصدرها.
* عوائد تلك الصكوك ناتجة عن ربح حقيقي، بينما السندات التزام من مصدر السند بفوائد محددة تدفع لحامل السند وما زاد من أرباح يعود للمصدر.
* الصكوك الإسلامية هي أوراق مالية تمثل أصولا حقيقية بينما السندات أوراق مالية تمثل دينا في ذمة مصدرها.
و في الختام نؤكد على أن الصعوبات الاقتصادية والمالية التي تمر بها بلادنا تتطلب تعبئة جميع الموارد المالية بما فيها  الصكوك الإسلامية وعدم الاكتفاء بما يقدمه الجهاز المالي التقليدي (المثقل بالإشكاليات) في توفير التمويل اللازم للاستثمارات المنتظرة للقطاع الخاص والعام على حد سواء في ظل انخفاض معدل الادخار المحلي. كما أن جزءًا من هاته الصكوك يمكن أن يستخدم في تمويل عجز الموازنة و تنفيذ مشروعات في البنية التحتية التي لا تزال انطلاقتنا الاقتصادية مرهونة بتوفرها.