كلمات

بقلم
عبدالنّبي العوني
ثَوِّرْ......يا وطن

 فإن....

روح الثورة تسري في عروق الكادحين، ينتفع بحليها ومشتقاتها، وكل حسب التقدمة، المتكلمين وأمناء سرّ التنظيمات والمنظمات والجمعيات والفاعلين.
يخشى... 
مس جنونها، المتسلّقون والمتحلقون وبعض من الملتحين، والملتحقون بشعابها في الهزيع الاخير من الوقت البديل، والكامنون.
ذكرى....
ثانية عبرت، سنة ثانية انتهت وأخرى ثالثة تطلّ، الحلم والرجاء، التصورات والانتصارات، الأماني والأغنيات، الحراك والشحنـات، كل ذلك ولد كبيرا، عكس النمو البيولوجي للولادات، وتقلّص وضمر كحواصل الطيور التي هاجرت بفعل الجفاف وعبرت على كم هائل من الأزمات.
ثورة ....
أتت على جناح السرعة، دون استئــــذان أو حسابــــات، ولم تكـــــن من الانتظارات، بالرغم من تراكم إرهاصاتها وتتالي أوجاع ولاداتها ومخاضاتها، تأخرت بشراها، ربما لأن تفاعلاتها الأولية كانت فئوية، وكل جرَّاحٍ منهم، ابتغى أن تُكْتـــب الـــولادة علــى يديه، ولما تركتهم، أحس بعضهم أو أكثرهم، وبالأخص المهندسين منهم، ابتعادها عنهم، وأن اللحظة التاريخية، التي هرم الجميع من أجلها، لم تسفر عن وجهها لهم، طيلة أكثر من عقدين، ولم يتبين لهم خيطها الأبيض من الأسود، بل فجـر كـــــاذب متخيــّـل، يذكر خفيـــة في حلقاتهم وجلساتهم، وعلى استحياء في ندواتهم.
يئس....
المارون على عتبات الجروح  والآلام، والكامنين تحت صفائح العذاب، ولما بلغ سيل العفن والعطن الروح، روح الفقير والغني، الطفل والصبي، الكهل والشيخ الأبي، ولُقِّح الفساد بالإفساد، والسوس نخر العظام والذاكـــرة والألبــــاب، وتشظّت الأحــــــزاب إلى ”حزيبات“ والمنظمات إلى ”تنظيمات“، وكَمُنَ من نازعته نفسه العناد، ودُجِّن الناشز و وُعِد إما خزائن القيصر أو الجلاد، وبعض المنفيين حزموا حقائب نفي الذات إلى الداخل، والعبـــــور، إما عبر المستقلة أو بمباركة القناصل الأفذاذ.
انخفضت....
الغيوم على الساحات، اختنق الجميع، الحجر والشجر والدواب، وبني الإنس كأنما يَصَّعدُ على القباب، ورمضاء الوطن تكوي الراجلين والحالمين والمسرعين دون حساب، والحفـــاة العـــراة، من القيم، يتسلقون ويزدادون في البنيان، ونداء الجائعين لم يجد له من جواب . 
ولما بلغت القلوب...
الحناجر، وظنّ الجميع بالوطن ظنّ السوء، تزحزح الغطاء، واستنشق المتعبين بعضا من هواء، وسرت قشعريرة في المفاصل مست كل الأرجاء، بعد كهربة لطيفة من جسد عمَّد نفسه بنار الإباء، وبعدها بدأ الإحساس الجمعي بالقدرة على الشفاء، وسرت روح الثورة الخيرة، عبر جسيمات الهباء والهواء في أجســــام وأرواح كل الأبناء، وبعد ما قدم الوطن من خيرة فلذات أكبــــاده كوكبـــــة من الشهداء، كشهادة على جنة نوفمبرية موعودة، قاحلة ومرّة، ينبت الشوك فيها والدفلة تحيط مجاريها والحنظل يقدم بعد جني محاصيلها، واستوطن أرضها الجراد والقمل والضفادع والدماء، وأسكنها الفساد للجوع والخوف والريــــاء، وبعض المحترقيـــن من لهيبها أرادوا مدها يوم الثالث عشر وقبله وما بعده بحبل للنجاة وبعضا من قوارير ماء. لكن المرة هذه يئس اليأس من مسكنه، وخرج من بين أضلع الناس وحناجرهم عاريا إلا من سوءاته واتخذ موطنا له في قصور الأغبياء، ولم ينتهـــي المســــاء حتى ركب على طائرة ذاكرة المستبد وبطاناته الأوفياء. وعطر الياسمين تسرب من هشيم الروح المضمّخ بالدماء، وتعطرت شوارع الوطن بمسك من أجساد الشهداء، وتقاطر عليها كل الكادحين والمتعبين والتائهين والظرفاء، وظهر للعيان حقا وللعالمين أنموذج صناعـــة العطور من الدواء، من قصبة واحد إلى القصبة اثنين، وبدأت سفن الحرية بالاستقامة على جودي الوطن بعد أن غاض الماء، لكن لما استوت، تنازع الأبناء، افترقوا، تصارعوا، وتحلل من كثرة لغوهم الحكماء، وتربع على الموائد والمنابر المتكلمين وفطاحلة السفسطة السياسية والخطباء، وخرج لنا من بين الأنامل خفية، سرّا وعلنا مع الهرج، ”ثورجية“ الربع ساعة الأخيرة وما بعدها، ومن نتوءات المناطق الرخوة للذاكرة التي تقلصت بفعل النقص في الغذاء، أطل علينا عبيد الطاغية كطهاة لثور الثورة وتقاسموا الخبز والفطير مع الكهنة والسحرة والسدنة، والمتموقعين والمتحولين ومُدَوِّري الــزوايـــــا، ثم عَمَّد بعضهم بعضا، وتاه بموازاتهم الجريح واليتيم ودم الشهيد والفقير .... ومن سرت في أجسامهم من قبل، رعشة الانتماء، وحليب الثورة وحليّها تقاذفتهما الأيادي المرتعشة، وتربصت بهما مخازن السماسرة، تحت أنظار البسطاء مع حسرة تلف قلوب الشرفاء.