مواقف وآراء

بقلم
د.محمد كشكار
كل إنسان، رجلا كان أو امرأة، نصفه أنثوي و نصفه ذكري!

 (1) وصف بيولوجي لعملية خلق الإنسان

 
تلتقي خلية البويضة الأنثوية بخلية الحيوان المنوي الذكرية في قناة فالوب (القناة التي تربط بين مبيض المرأة و رحمها) أو في أنبوب زجاجي خارج جسم المرأة بمساعدة طبية، فيلتحمان ببعضهما البعــــض و يكوّنــــــان خليــــة واحــــدة تسمى الخليـــة - البيضـــة وهي التي تنقسم ثم تنقسم حتى تولّد كل خلايا الجسم بجميع أنواعها و اختلافاتها بعد استقرار يدوم 9 أشهر داخل رحم الأم.
تحتوي كل خلية بشريــــة علـــى 46 صبغيـــة (أو الكروموزومات أو حاملات الجينات المورثات) مرتبين على شكل 23 زوج. تشترك خلايا المرأة و خلايا الرجل في 22 زوج من الصبغيات و يختلفان فـــي زوج واحـــــد من الصبغيـــات، زوج الصبغيــــات الجنسيــــة. وهذه الأخيرة هي التي تحدد جنس المولود، إن التقت صبغية "إيكــــس"(X) الأنثويــــة مـــع صبغية "إيغراك" (Y) الذكرية يأتي المولود ذكرا، إن التقت صبغية "إيكس" الأنثوية مع صبغية "إيكس" الذكرية يأتي المولود أنثــــى. هـــــذا الالتقاء يقع صدفة في الطبيعة و يتولّد عن هذه الصدفــة تساويــــــا فـــــي عدد الرجال و النســـاء فــــي العالَـــم، و يسمونـــه العلمــــاء "نسبـة الجنس" (sexe ratio).
تحتوي الخلية البيضة على 23 زوج أو46 صبغية. 23 منهم أنثوية أتوا من نواة البويضة الأنثوية و 23 ذكرية أتوا من نواة الحيوان المنوي الذكري. تمثل الـ46 صبغية (الحاملة لثلاثين ألف جينة) "البرنامج الوراثي" المشفّر أو المرمَّز (Code génétique) الذي يحتوي على تصميم لجسم الإنسان و يحدّد نهائيا صفاته البيولوجية الوراثية الجينية مائة بالمائة (كالجنس و لون البشــــرة و لون العينين و نوع فصيلة الدم و شكل الأنف و بعض الأمراض الوراثية و بعض الإعاقات الذهنية و غيرها من الصفات البدنيــــة التي تميز فردا عن فرد و تعطيه بطاقة تعريفه البيولوجية الأساسية). أما الصفات الذهنية (كالذكاء و سرعة البديهة و الإبداع الفني و العبقرية و الغباء و البلاهة و العنف و الإدمان و الشــــذوذ والطِّيبَة والمكر والخبـــث والكــــرم والبخـــــل واللــــؤم وغيرها من الصفات البيولوجية والمكتسبـــة فـــي آن) فهي تنبثق من تفاعل هذا "البرنامج الوراثي الجينــــي" مع المحيط الخلـــوي والمحيط ما بين الخلوي المحيط الخارجي ومع البيئة العائلية والمدرسية والشارعية (من الشارع) والفضائيات الإعلامية، فهي إذن صفات وراثية مائة بالمائة ومكتسبة مائة بالمائة لأن علمــــاء البيولوجيا لا يستطيعون تجريبيا أن يفصلوا بين ما هــــو وراثــــي أو مكتسب في تكوّنها وذلك لكثرة العناصر الوراثية وغير الوراثية المتنوعة والمتشابكة والمعقدة، المتدخّلة في نحت هذه الصفات الذهنية وصقلها من الولادة إلى الوفاة ولكل تجربتـــه الخاصة في الحياة حتى ولو كانا أخوين توأمين حقيقيين فكـــل فــــرد يتمتع ببطاقة تعريف خاصة بيولوجية ذهنية وراثية جينية ومكتسبة في الوقت نفسه.
 
(2) إمكانية استنساخ الإنسان
 
عملية استنساخ الإنسان عملية ممكنة علميـــا لكنها محرّمة أخلاقيا و عالميا حتى الآن. المهم هنا أن هذه العمليـــة تقـــع انطلاقـــــــا مـــن نــــواة خليـــة مختصــــة أو متطورة لأنثى - أم (خلية حلمة الثدي مثلا) توضع داخل سيتزبــــلازم بويضـــة دون نواة لنفس الأنثى - الأم من الثدييات و لا تقع من الحيوان المنـــوي الذكــــري. أنثـــى تلـــد أنثــــى دون تدخل الذكر مما يهمش دور هذا الأخير فــي عملية الخلق.
 
(3) هل يولد الرجل رجلا و هل تولد المرأة امرأة؟
 
 كما تساءلت و أجابت المناضلة النسائية الفرنسية والفيلسوفة اليسارية "سيمون دي بوفوار"، سنة 1949 في كتابها المشهور "الجنس الثاني"؟
نستطيع أن نستنتـــج مـــن حديثنــــا السابق أن الرجل نصفه ذكري ونصفه أنثوي وكذلك المرأة نصفهـــا أنثــــوي ونصفهــــا ذكــــري. أما النعجة الابنة "دولي" المستنسخة، فكل صبغياتها أنثوية المصدر، ورثتهم عن أمها و لم ترث شيئا عن أبيها فهي أنثى مائة بالمائة و ستجد البنت نسخة مطابقة للأصل من أمها في جميع صفاتها البيولوجية و الفيزيولوجية.
كيف تصبح المرأة امرأة و كيف يصبح الرجل رجلا؟ ما دام الرجــــل لا يولد رجلا بالمعنى الاجتماعي السائد للكلمة و المرأة لا تولد امرأة بالمعنى الاجتماعي السائد للكلمة.
في المجتمعات الذكورية السائدة في العالم منذ بدايــــة التاريخ البشري المعروف إلى اليــــوم (باستثنـــــاء بعــــض القبائل الأمومية المندثرة أو المعاصرة النادرة في أدغال أمريكـــا اللاتينية أو غابــــات إفريقيـــا الاستوائيــــة) تم تقسيم العمل بين الرجــــل والمرأة، الرجل للصيد والتنقل والمرأة للاستقرار والأشغــــال المنزلية مما ينتج تجربتين مختلفتين في الحياة و ما دمنا قد قلنـــا في الفقرة الثانية من هذا المقال أن الصفــــات الذهنيــــة وراثيــــة ومكتسبة في آن، فإن الرجل سوف يكتسب صفاتا ذهنية مغايرة للصفـــات الذهنيــــة التــــي تكتسبهـــا المرأة في حياتها وبمرور الزمن تتوسع تجربة الرجــــل فـــي الحــــروب والحكـــم والتجـــارة والدراسة، تجربة يمررها ويورثها حضاريا وليس جينيا لأولاده الذكور و يحرّمها على بناته. بعد آلاف السنين تتقلص تجربة المرأة و تقتصر على البيت و الطبخ و الكنس أو الغزل و النسيج، تجربة تمررها و تورثها حضاريا و ليس جينيا لبناتها دون أولادها الذكور. 
من حسن حظ البشرية أن تقسيم العمل بين الرجل والمرأة والأثر السيئ الذي صاحبه وتركه على وضعية المرأة الدونية في العالم ليس حتميا وليس وراثيا جينيا و لم يترك أي بصمة بيولوجيـــة على جيناتنا البشرية. إذن يمكن أن نصلح هذا الأثر السيئ بالتربية والتعليم و العمل المتساوي بين المرأة والرجل. ودليلي على صحة طرحي هذا أن وضعية المرأة بـــدأت تتغيـــر منـــذ أن انخرطـــت هذه الأخيـــرة فـــي العمــــل خارج المنزل وخرجت من سجنها الاختياري ظاهريا وهذا ما لاحظناه ليس فـــي المجتمعــــات الغربية المتقدمة فقط وإنما في ريفنا التونسي: أنا أصيـــل قريــــة جمنـــة بالجنوب الغربي التونســـي أيــــن تعمل المرأة جنبــــا إلـــى جنب مـــع الرجـــل فــــي الواحـــة وتتحمـــل مسؤوليــــة عائلتهــــــا فـــي غيــــاب زوجهـــا. كانت جل نساء حينا أرامل في الأربعينات من عمرهن ولم يمنعهن ترملهن الإرادي من الخروج والعمــــل فــــي أملاكهـــن والتعامـــل مع الرجال معاملة الند للند والــــذود عن أبنائهن في الشارع والمدرسة والحقل. كنا مجتمعا متساويا محافظا، مضمونا لا شكلا.
 
4. التذكير بمكانة الأنثى في عالم النباتات
و الحيوانات الأليفة
 
لو خرجنا قليلا من عالم الإنسان إلى عالم الحيوان فسنجد أن الأنثى هي الأصـــل وهـــي الأنجع والأجدر والأنفــــع للإنســــان، خاصة في الحيوانات الأهلية:
◄ في خلية النحل، العاملات النشطات كلهن إناث أما الذكور فدورهم يقتصر على جماع الملكة لتلقيح و إخصاب بويضاتها.
◄ في المدجنة، نجد عشرات الدجاجات الإناث ولا نجد إلا ديكا واحدا للتلقيح و الإخصاب. الدجاجات ينتجن البيض واللحم للفقراء غير القادرين ماديا على شراء لحم الخروف أو لحم البقر.
◄في الإسطبل، نجد عشرات البقرات الإناث ولا نجد إلا ثورا واحدا للتلقيح و الإخصاب (وفي أكثر الحالات نستغني عن الثور بالتلقيح الصناعي). البقرات ينتجن العجول والحليب واللحم.
◄في الواحة، نجد آلاف النخيل الإناث من نــــوع "دڤلة النــــور" و لا نجد إلا بعض النخيل الذكر للتلقيح و الإخصاب. النخلة الأنثى هي التي تنتج التمور الذهبية الثمينة و تصنع الثروات و توفر فرص العمل في صحراء جمنــــة وقبلـــي ودوز وتوزر ونفطة ودڤـــاش في الجنوب الغربي التونسي وواد ســـــوف وتوڤــــرط وجامعـــة في الجنوب الشرقي الجزائري.
 
5. الخاتمة
 
أنهــــي مقالــــي بحكمـــــة ربانيـــة سمعتهــــا يومــــا مـــن شيخ جريدي قاض زيتوني متقاعد، قال: لو كان الولد أفضل من البنت لرزق الله رسولنا الأكرم صلـــى الله عليه وسلــــم بنينــــا ذكـــورا عددا دون بنات!