مواقف وآراء

بقلم
يسري بوعوينة
من أجل حق المساجين في الإنتخاب

 يعتبر إقصاء المساجين من العملية الإنتخابية أمرا سلبيا و لا يجد مبررات معقولة لكننا لم نسمع إلى حدّ الآن أحدا يحتجّ على إقصاء جزء من أبناء تونس من المشاركة في الحياة السياسية و تقرير مصير البلاد..لقد أصمّ العديد آذاننا و هم يندّدون بقانون تحصين الثورة بسبب إقصائه لرموز النظام السابق (في الترشّح و ليس في ممارسة الحق الإنتخابي) و لكن لا أحد منهم تطرّق للقوانين التي تقصي المساجين من الإنتخابات (على مستوى ممارسة الحق الإنتخابي) وهو ما يطرح أمامنا العديد من نقاط الإستفهام لأن السجن ينزع من السجين حريته و ليس مواطنته.

لقد نصّ القانون عدد 25 لسنة 1969 المؤرخ في 8 أفريل 1969 المتعلق بالمجلة الإنتخابية في فصله الثالث أنه لا يرسّم بالقوائم الإنتخابية  العسكريون و الأشخاص المحكوم عليهم من أجل جناية و الأشخاص المحكوم عليهم من أجل جنحة بأكثر من 3 أشهر يدون تأجيل التنفيذ أو بالسجن بما يزيد عن 6 أشهر مع إسعافهم بتأجيل التنفيذ و المفلسون و المعتوهون و الذين هم في حالة حجر..كذلك فقد نصّ المرسوم عدد 35 لسنة 2011 مؤرخ في 10 ماي 2011 يتعلّق بإنتخابات المجلس التأسيسي في فصله الخامس :" يمنع من ممارسة حقّ الانتخاب :
ـ الأشخاص المحكوم عليهم من أجل جناية أو جنحة تمسّ بالشرف بعقوبة تتجاوز مدّتها ستة أشهر سجنا نافذة، ولم يستردّوا حقوقهم المدنية والسياسية.
ـ الأشخاص المحجور عليهم.
ـ الأشخاص المصادرة أموالهم إثر 14 جانفي 2011."
النصوص القانونية التونسية تجمع إذن على إستبعاد المساجين من العملية الإنتخابية و أغلب البلدان تقريبا تنهج نفس الطريق إلا أن هذا الإقصاء يطرح بعض النقاط التي يتوجب الوقوف عندها:
أولا إذا وقفنا على الأسباب التي أدّت بالمشرّع إلى منع ممارسة حق الإنتخاب بالنسبة للعسكريين و المعتوهين و المحجور عليهم فإننا نتبين أنه بالنسبة للمعتوه و المحجور عليه فإنه لا يملك القدرات العقلية على ممارسة حق الإنتخاب أما بالنسبة للعسكري فالهدف هو الحفاظ على حيادية المؤسسة العسكرية التي يفترض أن تحمي الوطن كله دون أن ترتدي ثيابا حزبية و أما بالنسبة للأشخاص المصادرة أموالهم بعد ثورة 14 جانفي فهؤلاء قد أجرموا في حق الشعب و يعتبرون قاعدة للنظام السابق و إرتباطاتهم به جد وثيقة لذا فإن إستبعادهم هو حماية للثورة و للإنتقال الديمقراطي (وهو إستبعاد ظرفي على أي حال)..يبقى إذن المنع الخاص بالسجناء وهو منع يرتكز على أسباب جد واهية لأن السجين أجرم في حق الناس و المجتمع لكن هذا لا يعني إستبعاده مطلقا من العملية الإنتخابية لأن إرتكاب جنحة أو حتى جريمة لا تعتبر خيانة عظمى للوطن ثم إن النظام السابق إعتمد على هذه التقنية لإستبعاد كافة المعارضين من الترشح للإنتخابات (بل وحتى الإنتخاب: حمة الهمامي الزعيم التاريخي لحزب العمال صرّح في التلفيزيون أن إنتخابات 23 أكتوبر 2011 هي أول إنتخابات يشارك فيها) فكانت هذه الآلية دعامة لإرساء الديكتاتورية لأن تلفيق التهم للمعارضين و الزج بهم في السجون كانت ممارسة منهجية للنظام السابق.
ثانيا لقد أدخلت عديد الإصلاحات على المنظومة السجنية التونسية مثل إحالة الإشراف على المؤسسات العقابية والإصلاحية من وزارة الداخلية إلى وزارة العدل وحقوق الإنسان بمقتضى القانون عدد 51 لسنة 2001 المؤرخ في 3 ماي 2001 وإصدار القانون عدد 52 لسنة 2001 المؤرّخ في 14 ماي 2001 المنظم للسجون. إن كل هذه القوانين تهدف إلىتعزيز المنحى الإصلاحي في السجن الذي يجب أن يكون فضاءا للإصلاح والتهذيب و ليس للإنتقام و التدمير النفسي. إن الإصلاح يقتضي غرس قيم المواطنة و المشاركة الإيجابية في نفوس السجناء وتأهيلهم و إعادة إدماجهم من جديد في المجتمع ليكونوا فاعلين فيه لا أن تنزع منهم صفة المواطنة و يحرموا من المشاركة في الإنتخابات و كأن عقوبة السجن في حدّ ذاتها لا تكفي ثم إن السجن يفقد الإنسان حريته لا إنتماءه للوطن و مواطنته و حقه في المشاركة في تقرير مصير البلاد.
ثالثا إن السجين مهما كان جرمه يبقى تونسيا و محبا لوطنه و لا تنزع صفة السجين عنه حبه و تعلقه بالوطن...نعم قد يختلس الإنسان و قد يسرق و قد يعتدي بالعنف وقد يصدر شيكا بلا رصيد لكنه يبقى في الأخير تونسيا و مواطنا كغيره من المواطنين يحق له المساهمة في تقرير مصير البلاد التي يعيش فيها و السجن يفقده حرّيته لا وطنيّته.
رابعا يبلغ عدد المساجين في تونس قرابة 22 ألف سجين و هي كتلة إنتخابية محترمة يجب أن يكون لها صوت مسموع و كلمة في الإنتخابات التي هي الأسلوب الأكثر تحضّرا لتقرير مصير البلاد و لا يجب أن ننسى أن حرمان المساجين من حق الإنتخاب يخرجهم من دائرة الأضواء و الإهتمام فتنساهم الأحزاب و تخلو من ذكرهم البيانات الإنتخابية رغم الأوضاع المأساوية التي عليها السجون التونسية..إن إعطاء السجين حق الإنتخاب من شأنه أن يعيد الأنظار إلى هذه الفئة و يجبر السياسيين على تناول أوضاعها و البحث في مشاكلها بعيدا عن التغييب والإقصاء و يساهم في تطوير المنظومة الإصلاحية للسجون.
إن إقصاء المساجين من العملية الإنتخابية أمر لا يجد مبررا معقولا سوى الإحتقار و الرغبة الخفية في الإنتقام من هؤلاء الأشخاص الذين أذنبوا في حق غيرهم و في حق المجتمع و هذا صحيح و لكن باب العودة إلى الحياة الإجتماعية و الإندماج من جديد لا يجب أن يقفل و لا أحد يملك الحق في إقفاله..لقد قتل في سجون تونس بعد الثورة العشرات من المساجين في حوادث مشبوهة (إحراق السجون)..لا أحد إهتم بمصير هؤلاء أو طالب بفتح تحقيق جدي و مستقل عما حدث و كأن قتلهم أمر مباح فهم مجرمون و قد إستحقوا هذا المصير و العقاب و هذا غير مقبول بالمرة فالإنسان يبقى كائنا مكرّما و له حقوق سواء كان طليقا أو سجينا و من واجب منظمات حقوق الإنسان أن تولي هذه المسألة أهميّة بالغة...إن القابعين وراء القضبان مواطنون تونسيون يجب أن ينتخبوا من يحكمهم فوجودهم في الزنازين ليس أبديا و غدا يخرجون و يعودون للحياة الطبيعية و يصبحون فاعلين في مجتمعنا..هم أكيد ليسوا قدوة و لا يمكن منطقيا أن يسمح لهم بالترشح لمناصب الدولة العليا و سيقتصر الأمر على تمكينهم من الإنتخاب (يمكن أن نستثني بعض الجرائم الخطيرة كالقتل العمد فلا يسمح لمقترف هذه الجريمة بالمشاركة في الإنتخابات) و لكن أن يعمّم المنع على جميع السجناء فهذا ظلم و إقصاء و ما جاءت الثورة إلا ضد هذا.