تمتمات

بقلم
رفيق الشاهد
لولا قلبي لنزلت قبري

 ثقلت أهدابي من تحت بياض ناصع، وتراخت أعضائي وتأنّت حركاتي واستحال عليّ شباب أوجع ذاكرتي وأرّق سهدي.

على فراشي الذي صار رفيقي، أيقظني حسّ فاتر ضعيف وجدته يهمـــس إلى أذني جسما صغيرا جدّا لا يتجاوز الإصبـــع، أخافني حتّى قفزت ناسيا ثقلي، كأنّ شابا سكن فيّ، ثمّ غلبني كبري فتمالكت وأخذت أتفحّص الغريب. جميل في ريعان الشباب، صغير أراه بوضوح فقدته منذ أمد بعيد، مشرق الوجه، خفيف اللحيــة، عاريا إلاّ من الحياء، نظــــرت حولـــي وتأكّـــدت من خلوتي به. اقتربت منه أكثر وسألته:
من أين أتيت ؟
قال:
خرجت توّا من جسد مللته ولم يملّني.
قلت:
جسد من؟.
قال:
جسدك أنت .
قلت:
ويحي من أنت؟ أتكون من طول العمر يُملي عليّ.
قال:
بل كنت أنسخ ما أمليت عليّ من ظلم وظلام. كفاني اليوم تعب وشقاء جسد ذهب شبابه حتّى هرم و زال منه الكمال والجمال.
قلت:
إلى أين؟ وهل من عودة؟"
قال:
وهل رجع من سبقنــــي بخبـــر؟ المهمّ أن الجســــد الذي منه خرجت ميّت لا محالة.
قلت وقد ارتعدت فرائصي وأحسست بغصّة في حلقي كادت تكتم أنفاسي.
أتريد أن تقتلني دون أوان؟ إن لم أكن جميلا وشابا فدعني أمتّع نظري بجمال ما حولي. فما ضرّك أن أعيش؟ بل أن أموت؟ ...
ألا يكفيني موتي الذي أحياه؟ أين أكون إن لم أكن في قبري وحولي دودي ينهش لحمي وينخر عظمي؟ لقد رأيت الموت تراكم في يديّ ورأيته يقرضني ذات اليمين وذات الشمـــال وأراه يميت الأشيـاء من حولي. فهل من موت بعد هذا الموت؟
إن أردت و إن كان لابدّ من هجري فخذ معك قلبا شبابه لا ينضب وحسّــــه لا ينفذ. قلب أحبّ ما حوله وتعلّق بأذيال الحياة فبكى الشدّة في الوهــــن وفي القوّة كما بكى حاله لأن لا أحد باك عليه. صفّق للشديد في رقّته وللضعيف في بأسه. قلب لم يسع كونكم هذا حسّه فاختار له أكوانا سايرها ولم يتحمّل موتكم هذا نبضه فأبى إلاّ حياتا بعد موتكم. قلب فرش الجسد الذي سئمت لأقدام حافية ونشره سحابة في صحراء قاحلة ثمّ عصره خمرة عسى تمتدّ إليه أصابع نبتة فتروي عطشا مميتا. لذلك القلب رحابة الدّنيا وهل اكتشف أحدهم للكون حدودا؟ وإن وُجدت، هل اشتكــــى قلب يومــــا من ضلوع الصدر؟ ذلك القلب، كيف له أن يموت؟
 والتفتّ إلى من أتحدّث فلم أجدْه. بحثت عنه في ثنايا الفراش فتبخّر.
أراني أرى أشباحا تعوّدت عليها كأنّني في بيتي أو ربّما في قبري منذ مدّة عوّدتني ما حولي.