رسالة الجزائر

بقلم
غزالي بلعيد
نتائج وعوائق التحول الديمقراطي في إفريقيا

لقد عرفت القارة الافريقية ، مع مطلع التسعينيات  في القرن الماضي ، موجة من التحوّلات السياسية نحو الأخذ بالديمقراطية، حتى سماها بعض المحللين ربيع الديمقراطية، فكان طموح الشعوب  الافريقية هو التخلص من شبح الفقر والتخلف باسم الديمقراطية، معتقدة أنها السّبيل الذي تظهر فيه العدالة الاجتماعية وإحداث التنمية الشاملة و تحقيق الأمن الداخلي والخارجي. فهذا كله يتحقق اذا عرفت الديمقراطية تجسيدا فعليا. 

فهل نجحت الديمقراطية فعلا أم أنها  لم تحقق الأهداف المنشودة؟  ويظهر ذلك من خلال النتائج المحققة من عملية التحول الديمقراطي وأهم العوائق التي اعترضت سيرها.    

نتائج التحول الديمقراطي في إفريقيا  

                                                              

لقد عرفت بعض البلدان الإفريقية نوع من الانفتاح السياسـي و الاقتصادي ، غير أن هذا الوضع لم يدم طويلا. فقد أخذت النظم الديمقراطية التي رأت النور تتخبّط في مشاكل لا حصر لها.  وعادت بعض الديكتاتوريات لتعشعش من جديد. ففي  التقرير السنوي عن التنمية البشرية لعام 2002 لبرنامج الأمــم المتحــدة، لا تجد ذكرا لافريقيا، إلا في أسوا الحالات مع رصد للتراجع الديمقراطي. وقد كانت الغاية من هذا الانفتاح ، أن يتوصل المرء الى أن يعيش أطول مدة متمتّعا بصحة جيدة، ويكتسب  معرفة نافعة وان يحصل على الموارد التي تمكّنه من أن يعيش في مستوى يضمن له الكرامة، وأن يساهم في الحياة الجماعية, إلاّ أن  الواقع لم يثبت  هذه الاهداف المرجوة.  وكان تعثر الديمقراطية نتيجة لتعثر  التنمية في الدول الافريقية. كما سجّل تقرير الأمم المتحدة سنة 2002 أن عدد الدول الافريقية التي أخذت بنظام سياسي يقوم على الانتخاب والتعددية بلغ 29 بلدا من بين 42 بلد، وأن البلدان التي اتجهت الى النظام الديمقراطي عرفت تراجعا. وذكر التقرير الأممي، أن هناك 13 بلدا افريقيا تدخل فيها الجيش في السياسة منذ عام 1989، بالإضافة الى وقوع كثير منها في حروب اهلية.  كما بلــغ مستــوى الفقــر الاقتصــادي فــي افريقيــا  330 مليونـا بعد ان كان 242 مليونا عام 1990.                                                           

عوائق التحول  الديمقراطي 

 

يبدو ان عملية التحول الديمقراطي في افريقيا، لم يكتب لها النجاح . فحسب المحللين،  فإن مجموعة من العوامل المتداخلة والمعقدة، عرقلت بشكل رئيسي هذا التحول ، فلم تتهيأ البيئة الأوّلية على الأقل و الممهدة لهذه العملية ، ممّا يتطلب إبراز أهم العوامل المعرقلة لعملية التحول الديمقراطي في إفريقيا (1) . 

                                            

الفساد الاقتصادي 

 

أثار بعض المحلّلين التساؤلات عن العوامل المختلفة التي تؤثر في التطور السياسي و تتأثر به  و تحليل انعكاساتها على عملية التحول الديمقراطي. وهنا يبرز دور العوامل الاقتصادية كمحدد رئيسي لإتجاهات التغير السياسي، و يثور التساؤل عن تأثير الأوضاع الاقتصادية على الديمقراطية وتأثير الديمقراطية على الأوضاع الاقتصادية، حيث يرى بعض المحللين أن هناك ارتباطا طرديّا قويّا بين الديمقراطية و مستوى التطور الاقتصادي. وفسروا ذلك بان التنمية الاقتصادية تتضمن ارتفاع الدخل وزيادة درجة الأمان الاقتصادي التي يتمتع بها الأفراد وانتشار التعليم العالي وازدياد الوعي، وكلها عوامل تصبّ في خانة الديمقراطية. وهكذا اعتبر هؤلاء ان التنمية الاقتصادية شرط مسبق لنجاح التحول الديمقراطي. إلاّ ان الخبرة التاريخية لدول عديدة في شرق اسيا وامريكا اللاتينية، قطعت شوطا كبيرا في التنمية الاقتصادية وشوطا موازيا في البعد عن الديمقراطية، مما يجعل هذه المقولة نسبية الى حد ما. وهو ما يفسّر بوجود محددات ومؤشرات اخرى غير التنمية، لها دور في تحقيق الديمقراطية . 

اما أثر التحوّل الديمقراطي على التطور الاقتصادي، فهناك خلاف كبير بين المحللين في هذا الشــــأن. حيث ذهــــب بعض المحللين من انصار النموذج السلطوي، إلى أنّ هناك تعارضا بين الديمقراطية والنمو  الاقتصادي. ولكن هذا الرأي يصطدم بأن النظم السلطويــة في افريقيا قد فشلت في احـــداث التنميــــة الاقتصاديــة المنشودة. في حين يرى فريق آخر، أن الديمقراطية لا تتعارض مع متطلبات النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، ويربطون ذلك بوجود الدول الفاعلة في افريقيا . وخير دليل على ذلك هو تبنّي الدول الافريقية وثيقة ”النيباد“ وأجزمت على انه يستحيل  تحقيق التنمية  واحترام حقوق الانسان  وإحلال السلام  وتجسيد الحكم الراشد في ظل غياب الديمقراطية الحقيقيّة.

وآيّا كانت الاجتهادات النظرية بهذا الشأن، فإنه لا يمكن إنكار وجود عدد من العوامل الاقتصاديـــة تعـــوق عمليــــة التحول الديمقراطي في إفريقيا. وفي مقدمة هذه العوامل، انتشار الفقر في القارة الإفريقية . ففي افريقيا يوجد  32 دولة من بين 51 دولة في العالم منخفضة الدخل. ويزداد عبء الفقر على سكّان الرّيف بالنسبة لسكّان الحضر، و هذا الانتشار الشديد للفقــــر وما ينطــــوي عليه من انشغال السكّان بتوفير ما يقوتهم ، تكون المشاركة السياسيــة في أواخر  اهتماماتهم، مما يجعلهم منعزلين عن العملية السياسية بكاملها .

ومن أبرز العوامل الاقتصادية انتشار الفساد في إفريقيا. حتى أنه يكاد يكون سمة بارزة من السمات الإفريقية(2)، وهو ليس مجرّد ظاهرة غير عادية ناتجة عن سلوك غير مستقيم، بل صار مؤسسا ويلعب وظيفة هامة داخل البناء السياســـي والاقتصـــادي. والفساد في إفريقيا صار توجّها سلطويّا مقصودا. كما أن  استعصاء الفساد على المعالجة في إفريقيا يعود إلى عوامل بنيويّة أملتها العلاقات المتشابكة بين السلطة وبين البرجوازية  والمقاولات والوساطات،  توفّر الدّعم للسلطة القائمة. وانتشار الفساد يعوق قيام نظم ديمقراطية حقيقيّـــــة فــــي إفريقيــــا، لأنه يساعد الفئة الحاكمة على تكريس احتكارها للسلطة، ويقلّل من رغبتها في التنازل عنها اختياريا من خلال التداول الديمقراطي . كما انه يجعل من الصعب على هذه الفئات السماح بمعارضة حرة، تعبر عن الفئات الأكثر فقرا والأكثر مصلحة في التغيير الاقتصادي نحو تنمية اقتصادية حقيقية .

تزايد حدّة النزاعات بين الدول الإفريقية

 

أدى تزايد حدّة النزاعات بين الدول الإفريقيّة إلى انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، ففي عام 1998 كان العالم يحتفل بمرور خمسين عاما على صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بينما استمرت على أشدها الصراعات المسلحة و الاضطرابات الاجتماعية و السياسية، مفضية إلى مزيد من الانتهاكات المروعة لحقوق الإنسان في إفريقيا .

أما في المناطق التي سادها الصّراع ، فقد ظلت المنطقة ميدانا لتفاقم انتهاكات حقوق الإنسان . إذ قتلت قــــــوات الأمــــن عمدا وتعسفا المدنيين في جمهورية الكونغو و جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا وبوروندي .وفي سيراليون، قامت القوات المتمرّدة التابعة للمجلس الثوري للقوات المسلحة المطاح بها بارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان على نطاق واسع على مدار العام . كما تسبب استمرار النزاع الإقليمي بين إثيوبيا و اريتريا في انتهاكات حقوق الانسان . وفي غينيا ، قتل عشرات الأشخــــاص عمــــدا وتعسفــــا في إطار الصراع الذي أعقب التمرد العسكري الذي وقع في يونيو(جوان) . وفي انغولا ، تبدد الأمل في تنفيذ  اتفاق عام 1994 للسلام الذي انعقد بين الحكومة وجبهة ”يونيتا“ أمام تفاقم المواجهة المسلحة التي نتج عنها مصرع المئات و نزوح الآلاف من الأشخاص .

وحسب ملخص التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية للعام 2003، ظل وضع حقوق الإنسان خطيرا في معظم أنحاء القارة. وأزهقت أرواح الآلاف ودمرت سبل عيشهم من جراء النزاعات المسلحة والاضطرابات الأهلية، التي ارتكبت خلالها انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان، و ظل مرتكبوها بمنأى عن العقاب. وارتكبت بعض القوات الحكومية أعمال إعدام خارج نطـــاق القضـــاء . وحـــوادث اختفــاء و تعذيب وغير ذلك من الانتهاكات الجسيمة . بينما أقدمت جماعات مسلحة على اختطاف وتعذيب مدنيين في إطار سعيها لتحقيق أهدافها السياسية . وواصلت الجماعات المسلحة في ساحل العــاج  و بورندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية وليبيريا تجنيد الأطفال للقتال في صفوفها . وكان ذلك يتمّ قسرا في بعض الأحيان .

عموما، فقد اعتبرت قضية حقوق الإنسان معيارا رئيسيا في تقييم مدى ديمقراطية نظام ما ، وأمام هذه المعطيـــات حــــول الأوضاع في إفريقيا، تبقى هذه الانتهاكات حاجزا معرقلا لعملية التحوّل .

ا لعامل الخارجي

بحيث تقف مصالح الأطراف الخارجية أمام أي عملية تحول ايجابية (3). فقد اضطرت الدول الإفريقية في مواجهة أزمتها الاقتصادية الخانقة إلى الاستعانة بصندوق النقد الدولي لكي يوصي بسياسـات و برامج محددة، يرتبط بتنفيذها إعادة جدولة الديون المتراكمة، والسماح بضخّ موارد جديدة. وقامت الحكومات الإفريقية بتقليص دور الحكومة والقطاع العام لصالح السوق الحرة والقطاع الخاص.  وقد كان لهذه السياســات أثر سلبــي كبيـــر على فئات عريضة من الجماهير الإفريقية، و كشفت حركة التفاعلات داخل المجتمعات الإفريقية عن العجز المديد لتلك الحكومات عن تحقيق أهداف مجتمعاتها في التنمية بالرغم مــن احتكارهـــا للسلطــة السياسيــة والاقتصادية، و أسهمت في زيادة وعي المواطن العادي بخطورة السياسات العامة على مصالحها الخاصّة ، وأدّت إلى الأخذ بالتحول الديمقراطي في إطار ما يسمى بالمشروطية السياسية . ولكن  هل ستؤدي المشروطية السياسية إلى ديمقراطية حقيقية في الدول الإفريقية؟ خاصة أن تطبيق المشروطيّة لم يكن في بعض الحالات متّسقا، حيث ذهبت المساعدات لدول بعيدة عن متطلبات المشروطية السياسية لمصالح إستراتيجية و سياسية، كما استغلّت  الدول الغربية الكبرى  أوضاع افريقيا من اجل بسط  نموذج الديمقراطية الذي يتماشى  ومصالحها (4).

ما يمكن التوصل اليه، هو  أن  التحول الديمقراطي، حتى وإن كان يمثل هدفا شعبيا، يمكن ان يتحقق من خلال التجربة والممارسة. وعلى الرغم من أن معدّلات التحول تلك تشهد تزايدا مطردا، فما هو جدير بالملاحظة هو أن تلك الزيادة تقترن بظاهرتين. الاولى، أن عددا من قيادات الحزب الواحد والنظم التسلّطيّة في دول افريقية، قد قبلوا بالديمقراطية بعد فترة امتناع و تباطىء. و الثانية، أن القبول ليس معناه التسليم المطلق بالإجراءات والنتائج، فالنخب الحاكمة تقبل بالشكل وتقوم أحيانا بالتلاعب والتزوير فيما يتعلق بترتيب وتنظيم  الاجراءات الادارية والتنظيمية للعملية الانتخابية، بينما النخب المعارضة، تطعن في النتائج بالأسلوب القانوني وأساليب الاجتماع والحشد الشعبي والإعلامي. فلهذا ينبغي على الدول الافريقية ان تعتنق النظام الديمقراطي على حسب خصوصيتها، وأن لا يكون نظام فرضته املاءات  من الغرب.

الهوامش

(1) حمدي عبد الرحمن-إفريقيا والقرن الواحد والعشرون-رؤية مستقبلية-القاهرة  مركز البحوث والدراسات-كلية الإقتصاد والعلوم السياسية-جامعة القاهرة يوليو 1997-ص36،37.

(2) المرجع نفسه-ص38.

(3) ابراهيم نصرالدين في نقد العقل و الممارسات الغربية : نحو رؤية جديدة لتنمية إفريقيا الخطاب الرئاسي لرئيس الجمعية الافريقية للعلوم السياسية(دربان: المؤتمر الرابع عشر للجمعية الافريقية للعلوم السياسية 26.28. يونيو 2003)ص10  .

(4) المرجع نفسه ص6.