من وحي الحدث

بقلم
فتحي الزغل
في التّحوير الوزاريّ

  كَثُر الحديث هذه الأيّام عن تحويرٍ وزاريٍّ مُرتقبٍ إلى درجة أصبح الأمرُ موضوع الأطفال و العجائز، و كلّ من لا يفقه في السّياســـة من أمثال عطّار الحيّ الذي لا يكتفي بالإجابة نفيا على من يسأله الحليبَ فيُصرّح أنّه - و من معه - لا يرون بوادر حلٍّ لمنتوج البقر في الظّروف الرّاهنة، بحكم العلاقـــــات الموضوعيّــــة المترابطـــة بين البقـــر حاليّا، وتأثّرهــــا الحتمـــيّ بعديد العوامـــل الخارجيّة التي أهمّهــا و أبرزها و أكثرها فعـــــلاً... التّحويــــرُ الــوزاريُّ... الذي يُؤكّدُ أنّه ينتظره مع المنتظريـــن ممّن يُفكّرُ نحوه من البشر... ومن البقر.

    فهذا التّحويرُ الوزاريُّ قد أخذ من الحظّ الإعلاميّ أكثر من الحظّ الذي أخذته محاور أخرى هامّة في بلدنا، كموجة العزوف عن العمل التي ضربت شعبنا شرّ ضربٍ، وموجة غلاء الأسعار التي نهكت جيبه فأفلست فقيره قبل غنيِّه. حتى كأنّ هذا التّحوير المُرتقب سيكون بمثابة الحلّ الجذري لما نعيشه من أزمات تضرب جذور بعضها في الزّمن عقودا.
   وبقدر ما كنتُ غيرُ مقتنعٍ بأداء بعض الوزراء منذ أوائل أيّام عملهم – و هو ما كان موضوع مقالة نُشرت في الصّحافة الوطنيّة و في الصّــــحافة العالميّة وقتهــــا – لعوزهم مقوّمًـــــا من أهـــــمّ مقوّمات الوزيــــــر، وأقصــــد الإقناع وقوّة الحضور ورباطـــــــة الجأش وحضـــور الشّخصية،  و الذيـــن سمّيتهــــــــم بأسمائهـــم في تلك الأيّام كوزيرة المــــــرأة ووزيــــر الاستثمــــار الدولــــي ووزير التّجهيز ووزير الصّناعة ووزير التّجارة ووزيرة البيئــــة، فإنّي لا أرى اليوم جدوى في التّحوير المرتقب سوى امتصاص موجة من الرّفض بدأتها المعارضةُ منذ بدايـــات عمـــل الحكومــــة، و لا تزال تُكرّسهـــــا. و لن تتحوّل عنها مستقبلا أبدا - في تقديري- و لو حوّرت التّرويكا كلّ الوزراء دون استثناء.
  إذ أنّ لبّ المشكـــل بين هـــؤلاء و الحكومة، ليست الأسماء بقدر ما هو الجهة التي تحكم البــــلاد. و لن تـــرض تلك المعارضــــة علــــــى الحكومـــة أبدا حتى تُخرجهـــا من ملّتهـــا وعن فكرها وعن مرجعيّتها وعن كرسيّها لتعتلـيه هي و تحكمُ. لأنّها تُدرك أنّها مُشتّتةٌ لن تصل إليه بانتخابــــات أبـــدا... على الأقلّ في أفق عقود قادمة.
  و لذلك فإنّ التّقدير لديّ بأنّ التّرويكا الحاكمة - التي بدأتُ ألمحُ بوادِر شقّ خفيف يدبُّ بينها ـ مدعوّةٌ إلى تحويرٍ يمتصّ ما تقـــدّم من لغطٍ و تصريحاتٍ تستهدفهــــا منذ قيامهــــا، في نفس الوقت الذي يجب أن تنتبه فيه إلى أنّ إشراك أطراف عُرف عنها عداوتُها لمشروعها سوف لن يقيها من سهامها. و أنّها مدعوّةٌ إلى الحلّ الذي عرضتُه أكثر من مرّة، و هو الالتفات إلى المستقلّين التي تدفع اليوم ثمن عدم دعمها لهم سابقا، لما أصبح لتلك الشّريحة السّياسية من ثقة يتمتّعون بها في أوساطهم الاجتماعية الضيّقة نسبيّا، ضمن النّسيج السّياســـي الحزبــــي الذي تعالــــت عديد الأصوات تمُجُّهم هذه الفترة، لحالة الفوضى التي يعيشها، و لم يخرج من بوتقتها. لتمضي في ما بقي من وقتٍ للانتخابات القادمة في سياسة جديدة تقوم – أساسا في تقديري - على تطهير الإعـــلام و مقاطعة المنابر المُعادية لها. و تُسقِط  بذلك ورقــــةَ التّوت عــــن اللّوبيّات الغارقـــة في الفساد حتى النّخــــاع.
   و إن لم تفعل فالحكومة... إلى مرحلةٍ أخرى عصيبـــةٍ منحـــدرةٍ لا محالة.