نقاط على الحروف

بقلم
مسعود اليحياوي
الفصل الأول بالعربية

 أطلق طه حسين في بداية كتاباته صيحة فزع في الأوساط الأدبية والإعلامية لِما آلت إليه حال لغة الضّاد في المجتمعات العربية آنذاك ولا أخاله كان يتوقع – في أقصى حالات تشاؤمه - ما ستؤول إليه وضعيتها التي نحن نعيشها اليوم.

هذه اللغة التي قال فيها حافظ إبراهيم:
         أنا البحرُ في أحشائِهِ الدرُّ كَامِنٌ
       فَهَلْ سَألوا الغَوَّاصَ عَنْ صَدَفَاتي
فاللغة كما يعرّفها علماؤها ليست فقط وعاء كما يراد لها اليوم بل تتعدى ذلك إلى كونها حامل التاريخ الحضاري بشعره وأدبه وعلومه وفنونه وهي كذلك المستقبل إن أريد لها التطور والمصارعة من أجل البقاء، مصارعة أمواج العولمــــة التـــــي استباحت كل مقومات التميز والهوية.
ليس خفيا على أحد المرتبة "الوضيعــــة" التي آلت إليها لغتنا العزيزة حتى صارت أو أريد لها أن يقتصر استعمالها في بعض الصالونات الأدبية، في عكاظيات الشعر والأدب فقــــــط، فزحفــــت عليهـــا العاميـــات من كل حدب وصوب فـــــــي المــــدارس والجامعات في المجالس الثقافية والسياسية، في المنابر الحوارية وكل وسائل الإعلام، حتى صارت بعض الصحف تتبجّح بكتابتها بالعامية، ولا تسأل عن الومضات الإشهارية التي قد تدمج فيها كل اللغات واللهجات إلا العربية  فتضطر إن كنت غيورا إلى كتم الصوت حتى يمرّ مسلسل الإشهار قبيل الأخبار التي عادة ما تكون مرتعا للعامّيّة.
وعن الأسباب، نجد من الصعوبة بمكان تبويبها لتداخل السياسي بالاجتماعي والذاتي بالموضوعي والدولي بالوطني وفي كل الأحوال فهناك فئة متواطئة تدفـــع إلى التخلص من الموروث اللغوي العربي محور الهوية في بلادنا وهى فئة المتفرنسين أو الفرنكفونيين الذين يعبّرون عن اعتزازهم بلغة ”فولتير“ وهي تعدّ عندهم  معيارا لطبقة اجتماعية "متميــــزة" ولا أدلّ على ذلك من ”بورقيبة“ الذي قبِل الفصل الأول من دستور الاستقلال وكان يعمل بما يناقضه. فالعربية التي كانت لغة الدولة، لم تحترم من رأس الدولة باعتباره كان يخاطب زعماء العالم في الزيارات الرسميّة بالفرنسيــــــة التي تترجَم إليهــــــا بقيـــة اللغـــــــات وكان في المقابل يخاطب الشعب حتى في المناسبات الرسمية بالعامية مدعيا أنه يخاطبهم بما يفهمون ( توجيهات الرئيس) .
أما حالنا بعد 14 جانفي فليــــس أفضـــل دون تجنّ على أحد، فأغلب زعامات البــــلاد إما متفرنســــــون أو جاهلون بالعربية أو غير مدركين لقيمة اللغة في الخطاب الرسمي.
إن الخطر على لغتنا ذو بعدين رئيسييــن : بُعدٌ داخلـــي تساهم فيه كل شرائح المجتمع بتكريس الموجود وعدم تحمل المسؤوليـــــــة في حماية اللغة و في إعطائها البعـــــد الاستراتيجي، إذ لم نر يوما دولة ازدهرت بغير لغتها. أما البعد الخارجــــي والدولــــــي، فلا شك أن العربية مستهدَفة من بقية القوى الدولية لأسباب عدة أهمها قدرة هذه اللغة على الصمود لمدة طويلة وللقيمة الحضارية التي تمثلها إضافة إلى حجمها الديمغرافي إذا احتسبنا المتعاطفين معها بحكم ارتباط القرآن بالشعوب الاسلامية غير العربية. 
     إن حماية العربية مسؤولية الجميع ولعل المدرسة هي الأصلُ في المسؤولية ثم الجامعة ثم الإعلام  إلا أنه وقبل كل هذا وذاك إرادة سياسية صادقة وحازمة تسُنّ القوانين الرادعة لانتهاك العربية من نحو قانون توبون في فرنسا الـــــــــذي جــــرّم التطاول على الفرنسية من مسؤولي الدولة وفي مؤسساتها.
أَيُطْرِبُكُمْ مِنْ جَانِبِ الغَرْبِ نَاعِبٌ 
             يُنَادِي بوَأْدِي في رَبيعِ حَيَاتي
(حافظ  إبراهيم)