مجرّد رأي

بقلم
توفيق الشّابي
التضحية كعنوان للثورة... أين نحن منها؟

 -1-

الثورة أشبه ما يكون بشجرة. التضحية هي الماء الذي يسقيها كي تنمو. كي تمتد أغصانها وارفة بالأوراق ليحتمي بها الجميع. التضحيــــة هي عنوان الثورة وقيمتها الأبرز فأين نحن منها؟ 
وأنا أشاهد، أسمع وأرى، أتأكد أننا لم ننتبه مطلقا إلى هذا المعنى الجليل. يُخجلني أننا لم ننتبه لذلك ونحن نعتقد دائما أننا شعب أكثر ثقافة ووعيا من شعوب أخرى. طبعا الانتباه هنا ليس كلمات وحسب بل فِعْلٌ بالأساس. التضحية فَعَلَها الشهداء دون حسابات ومقدمات. دون خوف أو وجل وتردد. فعلوها بإرادة كاملة. وبطواعية نادرة. أين نحن من كل ذلك؟  نخبة وعامة، سياسيون ومثقفون، جماعات وأفراد، أحزاب ونقابات. هل ضحينا من أجل هذه الثورة؟ هل نحن بصدد التضحية والعطاء من أجل أن تتحقق أهدافها؟ من أجل أن لا تفشل وتذهب ريحها؟ ليصارح كل واحد منا نفسه. من منا لم يقدم حساباته أولا؟ من غاب عنه المعنى وانبرى يبحث عن مكاسب هنا وهناك ،الآن وليس غدا. السياسيون قدموا مصلحتهم الحزبية والخاصة. العمال طالبوا بالزيادة في الأجور وفورا. العاطلون يطالبون بالشغل والمناسب جدا أيضا. الجميع يتحدث عن الأخذ باليد اليمنى أولا و اليسرى ثانيا. جميعنا يردد: لا مجال للتنازل أبدا. إنها حقوقنا المهدورة من زمن بعيد. ضروري استعادتها في لحظة واحدة. لما لا الحصول على تسبقة للمستقبل. أنا الأَوْلَى ولا أحد له الأسبقية عليَّ. إنْ لم أحصل على ما أريد وبالطريقة التي أختارها سأقطع الطرق/ سأوقف العمل في المؤسسات/سأُضرب هنا/ سأتظاهر هناك/في الصباح، في المساء وفي اللّيل. قبل الوقت وبعده. هذا هو لسان حال الجميع. الجميـ....يع ودون استثناء وأنا أوّلكم.
-2-
 
أتخيل أن شهيدا يطل علينا. يتأمل مشهد الفوضى. ينصت إلى الضجيج والجلبة. هل سيكون مسرورا بشهادته أم سيشعر بالندم والإحباط؟ أتخيله يسألنا عن التضحية والثورة. بعضنا سيكون مفوها كعادته. سيتحدث دون انقطاع عن مساره الطويل في التضحية والعطاء. البعض الآخر سيشكو كعادته "لم نر شيئا، لم نسمع شيئا، لم نلمس شيئا". قليلون جدا هم الذين سيشعرون بالخجل/ سيطأطئون رؤوسهم/ سيعتذرون عن خيانتهم. "الثورة تضحية وعطاء".  أين نحن منها. لنعترف جميعا أننا جهلةٌ بالمعنى. أننا خونةٌ بالفعل. لم نعترف بالجميل. أنانيون / انتهازيون. محترفوا تدمير، بوعي أو دون وعي، لأنفسنا أولا ولهذه النافذة التي منحتنا إياها أرواح الشهداء ودماء الجرحى.
-3-
 
"الثورة تضحية وعطاء". مرّ وقت كثير ولم ننتبه لذلك ولم نفعل شيئا يُذكرْ. لكن الوقت لم ينتهِ بعدُ. مازال ثمة مجال للتضحية والعطاء. للمساهمة ولو قليلا في ديمومة الثورة ونجاحها. يكفي الوعي والإيمان لنبدأ. سـتسألني كيف؟ الإجابة أنت من يملكها. ربّما من حبة تمر واحدة فما أكثر. من كلمة طيّبة جادة فما فوق. من فِعْلٍ فردي بينك وبين نفسك إلى حركة جماعية واسعة. من مكان قصي في البلاد إلى مدينة مكتظة وصاخبة. هكذا تبنى الأشياء بالتراكم كما ونوعا. فقط لا بد من الإيمان بالفكرة وضرورتها لنا جميعا كي تنمو تلك الشجرة خضراء يانعة.