بهدوء

بقلم
محمد القوماني
هل نحن إزاء مشهد حزبي جديد؟

 تشهد الساحة السياسية خلال الفترة الأخيرة عملية تحوّل عدد من الأحزاب إلى كتل سياسية إمّا في صيغة أحزاب جديدة مندمجة أو جبهات، وهذا أمر ايجابي وعلامة صحيّة، لأن العملية الأولى لتكوين الأحزاب بعد الثورة تأثرت بردّ الفعل على حالة المنع السابقة، فتكونت الأحزاب بسرعة وفي وضع كانت فيه الأطراف المختلفة لا تعرف بعضها جيدا ولم تكتشف صعوبات العمل الحزبي. لكن تجربة انتخابات 23 أكتوبر وحكم "الترويكا" بيّنا الحاجــــة إلى أحــــزاب قويـــة أو كتل سياسية فاعلة حتى تقدر على التأثير في المشهد السياسي وتكون لها حظوظ في الاستحقاقات الانتخابية ولا تكون مجرد تعددية شكلية. كما أن هذا الكم الكبير من الأحزاب لا يبدو مقنعا ولا يلقى استحسان المواطنين. ويبقى الأهم من هذا كلــــه أن التــــوازن في المشهد الحزبــــي شرط لنجــــاح الديمقراطيــــة، بل هو ضامنهــــا الأوّل. وعلى هـــذا الأســـاس نقدّر أن حالات الاندماج التي تحصل خلال الفترة الأخيرة بتشكيل أحزاب جديدة أو جبهات سياسية، ستعيد تشكيل الخارطة الحزبية والكتل النيابية داخل المجلس التأسيسي والمشهد السياسي عموما.

وقد كنا في حزب الإصلاح والتنمية من أول الداعين إلى إعادة تشكيل المشهد الحزبي بعد الانتخابـــات. ونحن لا نرى أنفسنا في عمليات الاندماج أو الجبهات الحاصلة حتى الآن لأننا لا نشاركها المنطلقات والتوجهات العامة، ولا نرى في نفس الوقت استمرار وضعنا التنظيمي الحالي جوابا عن هدف التوازن الحزبي والفاعلية السياسية. لذلك  نوشك بالتـــــوازي مع المسارات المعلنة، وبالتشاور مع أطراف أخـــــرى متكونة من مجموعات وشخصيات سياسية نشاركها المنطلقات والأهداف وتحظى بالمصداقية والإشعـــــاع، أن نعلن تكوين حزب جديد نريده أن يكون وازنا وفاعلا، يتوفر في انطلاقه على كتلة نيابية بالمجلس التأسيسي ويكون له وجود حزبي في مختلف الولايات بوجوه ذات مصداقية وله قيادة سياسية مناضلة وكفأة ونخبة من الإطارات والخبراء وتمثيل شبابي ونسائي قويّ. وهذا الحزب الذي أنهينا الاتفاق على أرضيته سيكون منحازا إلى الثورة وملتزما بأهدافها وله توجه ديمقراطي اجتماعي ويستند إلى الثقافة العربية الإسلامية والى قيم الحداثة والتقدم. وهذا الحزب بإيجاز نريده أن يعطي للتونسيين والتونسيات آمالا واختيارات خارج الاستقطابات المعلنة إلى حد الآن. 
نريده حزبا كبيرا وجامعا يتسع لتيارات مختلفة، لكنه يقف على أرضية واضحة تحدّد مبادئه وأهدافه العامة بعيدا عن شعارات الوسطية الخاوية، يعطي الأولوية للمهام ويحدّد تموقعه السياسي بوضوح خارج خطابات الإقصاء  والتنافي ودقّ طبول الحرب. لا يساوم في المبادئ والانتصار للقيم والانحياز لأهداف الثورة ومصالح من قاموا بها، لكنه يتوخى الواقعية والمرونة وينشد الفاعلية والتأثير المباشر في المشهد ويعي مقتضيات الزمن السياسي.
هذا الحزب لا نريده مجرّد تجميع لكيانـــات قائمــــة، بل نريــــده أن يتأسس وتكتمل مقوماته ضمن ديناميكية تقوم على هدف بناء حزب وازن وفاعل وليس على إعلان إسم جديد في قائمة الأحزاب، ديناميكية تقدّم الانصهار على المحاصصـــة وتجعل من النوع ثراء لا انقساما، وتعوّل على جاذبية الفكرة والمبادرة في التوسّع وتتيح المجال على قدم المساواة لمن ينخرطون في هذا المسار التأسيسي أفرادا أو مجموعات. 
فعلى عاتق المنحازين للثورة والملتزمين بأهدافها، يقع عبء الفشل المتكرّر في تعديل موازيــــن القـــــوى والتأثيــــر الايجابـــي في المشهد، الذي لن يتم تجاوزه، بغير مراجعة جريئة  للخطاب الاجتماعي والثقافي وللتمشي السياسي المعتمدين، ولصيغ بلورة الخيارات الصائبة وبناء القرارات الديمقراطية الجامعة، من أجل بناء الحزب الذي يكون قريبا من مشاغــــــل النـــــاس ومعبــــرا عن تطلعاتهم وفي نفس الوقت قادرا على رفع تحدّي البناء الديمقراطي في المجتمع والدولة وقبل ذلك البنـــــــاء الديمقراطــــي في الحزب ذاته.
وبغير رفع هذا التحدي  سيستمرّ خلط الأوراق السياسية، وجرّ المشهد إلى الاستقطاب الأيديولوجي والاصطفاف السياسي، الذي تضيع فيه مشاغل الناس ومعاناتهم. وبالتوازي تضيق فيه الخيارات عمّن يرفضون هذا الاستقطاب، فتزداد حيرة المواطنين، وتزداد نسبة عزوفهم عن الانخراط في الأحزاب أو حتّى مجرد متابعة حوارات السياسيين وتبيّن مقارباتهم المختلفة.  
فهل تتجمع أيادي الصادقين فـــــي رفع بنـــــاء هذا الحــــزب خلال الأسابيع القادمة؟ وهل ينجح القائمون عليه في جعله وازنا وفاعلا بحقّ؟