كلمات

بقلم
عبدالنّبي العوني
من رحم المعانات يولد وطن كالشهد

 هذا هو شعبنا ،تسلمه بورقيبة من الاستعمار،بعد جهاد اختلف فيه الأحياء والأموات.ووظفه لصناعة مخيلة جمعية ،اقتربت كثيرا من الرموز الأسطورية الإغريقية. حاول أن ينقل الشعب ،وبكل ما أوتي من ذكاء، وحس براغماتي ،ودهاء سياسي، وخطب موغلة  حد النخاع، في النرجسية والوصف الذاتي،والانزياح بها على الحالة الشعبية(يعتبر نفسه المخلص لها من دونيتها)، إلى مربعه الفكري ونموذج دولته الحديثة،ذات  الجسد الذي ينمو في إطار وتربة مشرقية و تاريخ  ذي مرجعيات حضارية وعقل  هواه وقبلته سياق فلكلوري متغرب . وكان الإنسان، ولحداثته، وجب عليه الالتحام قسرا، عضويا و حضاريا ،بالغالب فيما بعد الولع به ، وبمجرد دراسة قيم ومرتكزات هذا النموذج.

لهذا حاول الفكر الذي استبطنه بورقيبة،  مرة بعد مرة، لجذب هذا الكيان  إلى المربع الذي يريده . ولم ييأس حتى في لحظات  الوهن الجسدي والخرف العقلي ، الذي أحاط به أواخر أيامه .ولم ينتج لنا إلا كيانا  ممسوخا، و مشوها، بعقل منبهر بما وراء البحر، وجسد معفر بالتراب، ومشقق إلى الحد الأقصى للألم. وأنتج لنا هذا النموذج عبئا وكلكلا على الذاكرة، وبحثا عن استقرار ولو وهمي، لأنه  لم يقدم للشعب إلا الأحلام(الاستقلال ، الاعتماد علي الذات ،العمل مع الإفطار في رمضان ،الدولة المدنية الحديثة التي تحترم حق الإنسان في الحياة بكرامة )،ورئاسة مدى الحياة، لإكمال المسيرة المظفرة، وحاشية من أسوا البطانات ،تلهث وراء الامتيازات، والتوريث، وتختزل وطنا بأكمله في صنم. وأصبحت الدولة فردا والفرد هو الكل .و في الثواني الأخيرة لهذا النموذج، أنجب  لنا من مؤخرته، قاذورة من أسوا ما حبلت به دولة ما بعد الحداثة ، وأعطتنا نبتا خبيثا، هو خليط من رداءة العنصر، ومكر المخابرات، وانتهازية اللصوص، وقسوة المستبد .ولأنه ليس له عقل، فقد استند على آلة بوليسية  قمعية ،ووضع الشعب كله في زنازينه ، ومارس عليه أبشع أنواع الهتك والظلم والاستبداد. و بالتحامه بالفساد ألقيمي و الأخلاقي، أهدى الشعب، دولة نوفمبرية ،هي نموذج للدول الصاعدة (كما يراها التي تحقق التنمية المستدامة و العدالة الاجتماعية تحت ظلال عهره  و عهر أهل  بيته و قوالب  مخدراته ) التي  امتصت كل مدخرات هذا الشعب، و لم تترك له إلا الحنجرة، و هي التي أرعبته و أخرجته مذعورا من حجراته عاريا إلا من سوءاته.
هذا هو الشعب... الذي يسعى لبناء وطن، من أنقاض الخراب، و من بقايا الروح ،و من إيمان بالوصول للمقصود، بما هو متوفر عنده و موجود.         
وطن برائحة مسك و مذاق شهد .....