كلمة وكفى

بقلم
فتحي الزغل
التّطبيع يتسلّل من هناك...

 نحن نستذكر كلّ سنة في مثل هذه الأيّام ما أصبحنا  نُطلق عليه مقاومة التّطبيع مع الكيان الإسرائيلـــــي الغاصب. و تهبّ دائمـــا في مثل هذه الأيّام من كلّ سنة القــــوى والفعاليّــــات الغيــــورة على قضيـــــّتنا الأمّ - القضيّة الفلسطينيّة - فترى نشاطها الفاضح للمطبّعين  و لكشف مظاهـــــر التطبيع منحسرا في النّدوات والاجتماعات لقلّة ذات يدها، ولعدم اهتمام أغلب مؤسساتنا الإعلاميّة بهكذا موضوع، أو لأقل لتجاهلها  إيّاه لأنّ... "المجراب تاكلو مناكبو".

لكنّي أصبحت ألمحُ سلوكا و تسمياتٍ  تُحيل حتما إلى بداية التّطبيع في إعلامنا وفي نقاشاتنا و في أثرنا المكتـــوب و حتّى في خطاباتنا المحسوبة على رفض التّطبيع، وأقصد تماما تسمية الكيان الصهيوني عند تعرّض أغلب النّاس له ، والمصيبة  أنّ منهم المثقفون. فيسمّونه بكلمة "إسرائيل" و ذلك خطر دلالي كبير في نظري. لأنّ استعــمال هذه الكلمة بتلك الطّريقة المفردة هي انتـــــــــصار لجهود التّطبيع ولمحاولات الدّخول  التّدريجي في الوعي الاجتماعي للشّعوب العربيّة من خلال التّسلّل إلى اللغة المستعملة الدّارجة اليوميّة والأكاديمية، وفي ما بين هاتين الدّرجتين من الاستخدام بين مستعمليها.
و لأفسّر أكثر، فذلك المصـــــطلح لم يكن يُطلق أبدا على ذلك الكيان منذ اغتصابه لأرضنا إلى العقود الأخيرة في السّتّــــينات والّسبعينات والثّمانينات، إذ كانت التّسمية دائما "الكيان الاسرائيليّ" . أمّا اليوم، فبعضُنا لا يجد حرجا في نزع كلمة كيان (المتداولة قبلا) وتسمية الصّهاينة بما يُحبّون. الصّهاينة الذين وصلوا مُبتغاهم بتصرّف أولائك الجهلة عن قصد أو عن غير قصدٍ، عندما صار من اغتصبوهم  يلقّبونهم باسم اختاروه هم لأنفسهم، دون ذكر كلمة "كيان" ... لأنّ لفظ "كيان" هو موقف بحدّ ذاته بما يحيل استعماله إلى عدم الاعتراف بما حقّـــــــقته قوّة السّلاح، ومن وراء ذاك الاستعمال التصميمُ على تحرير الأرض المغتصبة ولو بعد أجيالٍ. أمّا تلك التّسمية فهي اعتراف بواقــــــــعٍ فُرض علينا لضعفنا و لجهلنا، تسلّل إلينا بعد إعداده في بيوتٍ مغلقة.
وأتذكر هنا جيّدا ما قاله لي عجوز أمريكي شاءت الصّدف أن أقابله وكان من مناصري القضيّة العربيّة ، إذ سألني: كيف تريدون تحرير فلسطين و أنتم مختلفون على صفة من يحتلّها؟
لذا فإنّي أدعــــو إلى الحذر كل الحذر من كلّ الأشكال والتّصرفات والتّعاليق التي يتسلّل التّطبيع منها.
دون علم القائم عليها أو مصدرها، خاصّ في الخطابات الإعلاميّة والسياسيّة والثقافيّة. لأنّ الرّفض في هذه القضيّة المصيريّة المحوريّة الضاربة جذورها في أمّتنا العربيّة الإسلاميّة،  كلٌّ لا يتجزّأ، خاصة إذا كان الرّفض انتصارٌ لحقٍّ لا يزول ولا يبلى ما بقي من يطلبه و لو ...حثيثا.