مجرّد رأي

بقلم
توفيق الشّابي
حتى لا تنسى النخبة الثقافية هدفها

 -1-

 
دون الدخول في تفاصيل كثيــــرة، لا شـــك أن الهدف الأساسي الذي يجمـــــع المبدعيــــن وهم يمارسون وظيفتهم هو تحقيق المجتمع "الفاضل" في نسخته الأصـــــل. المجتمــــع الـــذي يمثل خلاصــــة كل الأحلام والأمنيــــــات التي جالت وتجول بخاطر المثقف أمس واليوم وغدا. إنها القيم المرجوة كمــــــا هي. ناصعــــة لا يلوثها شــــــيء. للجميــــع ودون استثنـــاء. بلغة الحاضر هي كل تلك الكلمات التي تملأ حياتنا هذه الأيام: الحرية/الاعتراف بالآخر/ الشراكة /العدالة /السلام/ الكرامة/ الثقافة التي تحرر الإنسان وتجعل منه كائنا فاعلا مفيدا لنفسه ولغيره. إلى آخر تلك الأحلام التــــي لا تنقطــــع. المؤكـد أنه لا خلاف داخل النخبة حــــول كل ذلك غير أن مــــا يفرقهـــــم: آلية الوصول/ الطريقة/ الأسلـوب/ المنهــــج والذي من المفـــروض أن يكون من جنس الهدف المنشود خاصة ونحن في حضرة النخبة المبدعة.
 
-2-
 
المتأمل في الخطاب الذي يبدعه المثقفون اليوم وهم يقتحمون عالم السياسة، سوف لن يجد نفسه. ستنتابه الغربة و يسكنه الإحباط. سيتساءل أية علاقة بين هذا الخطاب وما ينشده هــــــؤلاء. إنه لن يجد أي صدى لكل تلك الطموحات التي ملأت الكتب والمجلات و تلك التي شحنت الشعر والروايــــــة والمسرحيــــة واللوحــــة والفلم جمالية وإبداعا. في هذا الخطاب تفاجئنـا لغــــة أخرى هي لغة الحرب المقدسة على الآخر (أفرادا ومجموعات، أفكارا وتصورات) والإدانة لكل ما هـــــو مختلف. خطاب يعكــــس عمــــى مقصــــودا عن رؤية الآخر وصمما عميقا على الإنصات إليه. خطاب لا يعترف إلا بالأنا. لا مكان فيه للموضوعية، لتنسيب الأفكـــــار والتأكيــــــد على المشاركة. الآخر لا يحضر إلا مفعولا فيـــه وبــــــه. إلا عــــدوا يجب محوه.
-3-
 
التـأمل هو فعل قراءة تقود حتما إلى التساؤل والمراجعة رغبة في الارتقاء بالمنتَج وبجماليته. المبدع هو الكائن الأكثر تأملا، بحكم وظيفته غير أنه وهو يقتحم عالم السياسة، ينقلب على نفسه ليصبح أقل تأملا في ما يبدع. يبدو أكثر إصرارا على نفس الخطاب وعلى البقاء داخل نفس الدائرة المغلقة. أسئلة كثيرة يطرحها هذا الخطاب: هل بهذا الأسلوب/ النهج/ اللغة.. نحن بصدد التأسيس للوصول إلى الهدف المنشود. هل يؤسس هذا الخطاب لثقافة تحرر الإنسان فعلا وتجعله مشاركا في عملية البناء هذه. هل يساهم في توسيع دائرة التلقي والانخراط الفعال لتحقيق الهدف الأساسي. إلى أي حد كان هذا الخطاب وفيا لكل تلك القيم التي يدافع عنها المبدع ويعمل من أجلها؟ هل يخلف هذا الواقع أزمة مصداقية المثقف؟ ما هي أخطار هذه الأزمة على صورة المبدع والإبداع وعلى إمكانية الوصول إلى الهدف؟ هذه الأسئلة وغيرها في انتظار إجابة صريحة وهادئة من المبدع.
 
-4-
 
المبدعون هم نخبة النخبة. يتمتعون بمعرفة واطلاع واسعين وقدرة على الاجتهاد والإضافة.  لذلك يُنتظَر منهم الكثير. بهم  يرتقي الوعي الجمعي وتُرشَّد الممارسات وردود الأفعال. معهم تتحول الثقافة إلى عامل فعال من أجل مقاومة الجشع ونزعة التفرد لدى الأفراد والمجموعات. إنهم عامل توازن وتعديل داخل المجتمع خاصة مع وجود مجموعات وقوى أخرى غالبا لها أهداف ومصالح متناقضة. المبدعون هم المثل الأعلى. الكثيرون يتلهفون لقراءتهم والإستماع إليهم. للأخذ عنهم والالتقاء بهم.  لذلك فإن المثقفون مدعوون لأخذ ذلك بعين الاعتبار وهم يقتحمون عالم السياسة حتى لا ينسوا هدفهم المنشود و يساهموا بفعالية في تحقيقه ويكونوا في مستوى انتظارات المتلقي والمجتمع عموما.