رسالة الجزائر

بقلم
غزالي بلعيد
إشكالية التحول الديمقراطي في دول المغرب العربي

 

 

التحول الديمقراطي: بمعنى أن يتم الانتقال نحو الليبرالية السياسية من خلال عملية تدريجية تفضي في النهاية إلى إقامة نظام ديمقراطي، ويمكن الإشارة إلى أن معظم الدول المغاربية اتخذت إجراءات دستورية وقانونية لأنها الارضية التي تقوم عليها الممارسة الديمقراطية، وكذلك من اجل  تعزيز عملية التحول الليبيرالي-الديمقراطي الذي يبنى على الاسس التالية ومنها:وجود دستور ملائم يلبّي حاجيات الديمقراطية الناشئة، ومبدأ سيادة القانون لأنه يمثل مؤشر وسقف الديمقراطية، وضمان حق تكوين الأحزاب السياسية وعدم شخصنة السلطة وحرية الانضمام للأحزاب السياسية وحرية مساهمة الأحزاب في تشكيل الوعي السياسي للمواطنين وإجراء انتخابات على أساس تعددي. بالإضافة إلى إعطاء الأحزاب فرص متساوية لعرض برامجها من خلال وسائل الإعلام المختلفة و اتاحة الفرصة للمرأة لدخول المعترك السياسي، وفي هذا نذكر على سبيل المثال ما جاء في التعديل  الاخير للدستور الجزائري الحالي حيث اشترطت على القوائم الانتخابية نسبة معينة  من النساء(1).غيــر أن الاشكاليــة تتمثل في مدى احقية ونجاح هذا التحول الديمقراطي.

 

 شروط التحول الديمقراطي

 

إذا كان التحول الديمقراطي في دول المغرب العربي  قد أصبح أحد التحديات الرئيسية التي تواجههـــــا الدولـــة، فإن إمكانية نجاح هذا التحول، متوقف  على مجموعة من الشروط ومنها:

 

الشرط الاقتصادي

 

 بمعنى ضرورة وجود قاعدة اقتصادية/صناعية،حتى يمكن الحديث عن الظاهرة الديمقراطية في المجتمعات المغاربية. وينبغي التركيز في هذا الشأن على ضرورة وأهمية العلاقات المتداخلة والمشتركة بين المجالات الاقتصادية والتعددية السياسية لتجارب الديمقراطية، فالمساواة على سبيل المثال، ليست فقط بين الجماعــــات الإثنيـــة أو الطائفية، ولكن أيضا فيمـــا بين الطبقات الاجتماعية، كما أن التكاليف السياسية للفشــل الاقتصـــادي تكون كبيرة، وقد  تؤدي إلى انهيار أنظمة سياسية بكاملها .

وبالتالي فإن الدرس الحقيقي الذي يجب أن تستفيد منه تجربة التحول الديمقراطي في دول المغرب العربي، يعدّ أحد الشروط الأساسية لاتجاهها، وهو أن النظام السياسي، لا يقاس  بالتوسع في وضع المبادئ المستخلصة عن الديمقراطية أو التطبيق لنماذج مؤسسية مستوردة من الخارج، وإنما الأمر يتعلق بالدرجة الأساسية، بحرص النظام السياسي على تمثيله لمصالح الجماعات المختلفة بداخله، والقدرة على إحداث التوازن بين المطالب والمصادر والتطوير لحياة الجماهيرعلى أسس المساواة والعدالة الاجتماعية والتوزيعية.

 

الشرط الاجتماعي

 

ويتمثل في ضرورة الحد من الولاءات التحتية،)قبلية،اثنيه،...الخ( لصالح الولاء الوطني، والهدف المبدئي في هذا السياق لاندماج جميع الجماعات المهمّشة)قبلية،اثنيه،دينية...الخ( داخل نظام الدولة ، وفي إطار ما يمكن تسميته بالديمقراطية الاجتماعية .

إن من الأسباب الرئيسيــــة التي يمكن أن تؤثر بشكــــل مباشـــر على أي مساعي أو جهود تبذل بصدد محاولة إحداث تحول ديمقراطي فعال في  دول المغرب العربي، يتمثل في التفسّح الاجتماعي والمجتمعي وعدم الاقصاء لأي تيار سياسي حتى وان  كان يبدو للنظام انه غير شرعي(2) بالإضافة الى أزمة المشاركة السياسية(3) والمواطنة.

 

الشرط الأيديولوجي

 

بمعنى وجـــــود إجمـــــاع وطنـــي على الأيديولوجية الرأسماليـــة وعلى المفاهيم الأيديولوجية بهدف انتهاج آداب السلوك الديمقراطي السليم. وينبغي في هذا الشأن، أن تكون القيادات داخـــل الدولـــة في مقدمة المطبقين لآداب ذلك السلوك وهــــو الأمــــر الذي يمكن أن يساعد المجتمع على الالتزام بقواعد السلوك العام والتطبيق المتنامي للمواثيق والقوانين.

 

 أبعاد التحول الديمقراطي في المغرب العربي

 

تتسم عملية التحول الديمقراطي في  العديد من الأبعاد التي يمكن التركيز عليها ومنها:

 

البعد الوطني

 

 تتم عمليات التحول الديمقراطي من خلال دور وفعل النخب السياسية التي يقع على عاتقها بالدرجة الأساسية الالتزام والمسؤولية عن حسن مسيرة تلك العملية،وعلى اعتبار أنه توجد في جميع المجتمعات العديد من بنى السلطة والقوة تعمل على تقييد سلوك الأفراد والنخب في المجتمع، وتشل تفكريهم وتوحّد بنى السلطة والقوة بصورة مستقلة عن الفرد لتقيد  نشاطاته وتتيح له بعض الفرص. في حين  أن الفرد جزء من تلك البنى الموروثة (4)من الماضي يساهم مع الآخرين في استمرار هذه العملية.

 

البعد السلوكي

 

الذي ينظر إلى الديمقراطية باعتبارها  غاية في حد ذاتها او ليست وسيلة، تشتمل في نفس الوقت على معاني الحرية والمساواة والعدالة وسيادة قيم التسامح والتعايش والتفاوض. ويفترض ذلك، نشر وتعزيز ثقافة الديمقراطية في المجتمع، وكذلك باعتبارها عملية تنافسية. وفي هذا الشأن، تبرز العديد من الاعتبارات  منها أن تاريخ الديمقراطية مليء بالصراعات، وأن تحقيق المكاسب الديمقراطية للجماهير، لايمكن أن يتمّ بقرار فوقي لأن هذا الأمر يتطلب نضالا متواصلا.

كما ان تزايد المطالب الشعبية المنادية باحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية وبإضفاء الطابع الديمقراطي على المؤسسات السياسية، والاتجاه نحو الأخذ بنظم التعددية الحزبية، يتطلب ضمانات للتحول الصحيح لإحداث التغيير الديمقراطي، لأن مسيرة التحول لم تنته بعد.

 

البعد الدولي

 

يتمثل في محاولة الدول الأوروبية والأمريكية في أن تسود عملية التحول الديمقراطي في الدول المغاربية،  وفي سبيل ذلك فإنها تتبنى العديد من السياسات كسياسة الترهيب ، بفرض العزلة السياسية لبعض الدول وإصدار تقارير سلبية مفتعلة مثل وضعية حقوق الانســــان الى غيرهــــا، وسياسة الترغيب التي تتمثل في زيادة الاعانات الخارجية وتعزيز التعاون العسكري وزيادة حجم التجارة والاستثمارات، بالإضافة إلى أدوات الدبلوماسية التقليدية واستعمال وسائل التأييد المزيفة في المناسبات الانتخابية والبناء المؤسساتي  حسب  المصلحة.

ما يمكن استنتاجه، أن عمليّة التحوّل الديمقراطي في بعض الدول المغاربية والعربية، لم تجني ثمارها في حينها، وإنما تتطلب وقت كاف . وهذا ما حدث في تونس التي مازالت في طريق  الاصلاح والتحول، وكذلك الجزائر  وليبيا . ولهذا ينبغي ان تتضمن  عملية التحول الديمقراطي السبل التالية كوجوب أن يتم تسوية الصراعات السياسية عادة عبر أسلوب تنافسي سلمي، وأن تكون الانتخابات الحرة ذات المضمون التعددي، الأداة الديمقراطية الكفيلة بتحقيق التوازن السياسي والاستقرار في الدولة. وأن لا تكون مرحلة التحول الديمقراطي والمرحلة الانتقالية فجائية. فقد ينتج عنها نتائج  سلبية، مثل ما حدث في الجزائر سنة 1988 عندما اجتاحت الجزائر رياح التغيير السياسي الذي شهدته معظم دول العالم فانتقلت فجأة من دستــــور برنامــــج  يتضمن الاشتراكيــــة الـــى دستور قانون وهو دستور 1989 (5). وبالتالي فإن عملية التحول الديمقراطــــي لا تكون وليدة ضغوطات دوليــــة مفروضـــة ولا تكـــون  نتيجة احتجاجات داخليـــة واضطراريــــة ساخطـــة على النظام القائـــم، وإنما تكون عملية مهيأ لها، واستوعبها الشعب ورضي بها.

 

الهوامش

 

(1) المادة 31 مكرر من الدستور الجزائري 1996)الحالي(

(2) إسماعيــــــل قيـــــرة وأخـــرون، مستقبـــــــــل الديمقراطيــة في الجزائر، بيــــروت مركــــــز دراســــات الوحــــدة العربيـــة، سنة 2002،ص98.

(3) نور الديــــن زمــــام، القوى السياسيــــة والتنميــــة ،دراسة في سوسيولوجيـــا العالم الثالث-الجزائر-دارالكتاب العربي،2003،ص280.

 صبحي قنصوه، التحولات الديمقراطية في أفريقيا: الأسبـــاب،الأبعــــاد،احتمـــالات المستقبــــل، الموسوعـــة الإفريقية ) معهد البحوث والدراسات الإفريقية مايو 1997(، ص115،116.

(5) موسى بودهان،الدساتير الجزائرية 1963،1976،1989،1996،مع تعديل نوفمبر 2008.كليك للنشر،الجزائر،2008.ص2.