الكلمة الحرّة

بقلم
هادي القلسي
إدارة إرادة الشعب: الشعب يريد العدالة

 خلال شهر تقريبا من 17 ديسمبر 2010 إلى 14 جانفي 2011 قرر الشعب التونسي فرض إرادته المسلوبة فهز أركان العالم بشعارات زينت كل وسائل التواصل وخلدها التاريخ.

 تطرقت في الأعداد السابقة إلى كيفية إدارة هذه الإرادة حسب رأيي ثم حاولت قراءة عنوانها فبعد الشعب يريد الحرية والشعب يريد الكرامة سأحاول اليوم النظر في الإرادة الثالثة الشعب يريد العدالة.
أثارت كلمة العدالة جدلا كبيرا في ظرف صعب تمر به البلاد من تسيب في الحرية وحاجة للكرامة بكل الطرق والوسائل. فتميزت الفترة الأخيرة بانفلات عام في كل المجالات وحاولت الحكومة الأولى بدهاء سياسي ، ظاهره وطني وباطنه تملق وتهرب من المسؤولية، فآثرت عدم الخوض في تحقيق إرادة الشعب كما أرادها الشعب وعملت على إصدار مراسيم من غير تحديد وسائل وكيفية تفعيلها وأولها مرسوم العفو التشريعي العام . فمنذ 19 فيفري 2011  والى يومنا هذا، لم يتم تفعيل هذا المرسوم وتتالت المراسيم الترقيعية لإرضاء فئة على أخرى كلمرسوم عدد 106 الذي غير المسار القضائي المتعلق بالتعذيب . ولم تتمكن الحكومة الحالية من أخذ زمام المبادرة، فتكررت العراقيل ونشطت المعارضة وبقي الشعب يعاني غياب العدالة المفقودة ويعيش ويلات  ما عاناه من  استبداد  حزب واحد حكم أكثر من خمس عقود  منذ الاستقلال إلى يوم غير بعيد . فقد عايش فساد العدالة في جميع المجالات من  تدحرج أخلاقي وتفاوت اجتماعي وتمييز مقنن في  توزيع الخيرات والمنافع وإرساء محاكم غير مستقلة تقضي ظلما دعما للحاكم  الغير العادل . بنيت  هذه العدالة  على منع حريات الفكر والتعبير والصحافة والعمل والتنقل والاختيار الحق في الكرامة والعيش السليم. ووصل الحاكم غير العادل إلى قتل الإرادة الفردية والوطنية. ورغم المحاولات المبذولة من طرف بعض التونسيين والعديد من الجهات الدولية والهيئات الحقوقية العالمية ، داخل الوطن وخارجه،  للفت نظر النظام  حتّى يصلح منظومة عدالته ، إلا أن دار لقمان بقيت على حالها و تفاقمت الأوضاع نحو الأسوأ وانسدت الآفاق بالنسبة للشعب التونسي . وضاعفت غيبوبة هرم السلطة والطغيان  درجات الإحباط وأفقد الفرد  الأمل في العيش كغيره خاصة إن لم ينخرط ضمن توجه منهجية النفاق والكذب والمناشدة وقبول لعبة السلب والاستبداد . وكل من حاول إصلاح العدالة ناله القمع والتنكيل والتعذيب والسجن والمضايقة البوليسية، والمدهش أننا اصحبنا يوميا نعايش  الظالمين في كل مكان تقريبا أينما وجدت  سلطة،.  من العمدة إلى الشُعَبِ الدستورية ولجان التنسيق ومؤسسات الحزب الحاكم ومراكز الأمن والديوانية والإدارات عمومية حتى خيّل إلينا  أن ما تقوم به السلطة هو قمة العدل والاستقامة وبالتالي تغير مفهوم العدالة من محاربة الظلم إلى الانصياع لإرادة صاحب السلطة بكل أصنافها ومراتبها وتصنيفها .
جاء يوم 14 جانفي 2011 فصاح الشعب ” الشعب يريد العدالة“ واعتقد أن التغيير قادم غير أن ذلك لم يحصل ولن يتم في اقرب الآجال فقد أتحفنا من انتخبه الشعب بوعود سخية في مجال العدالة لكنّه لم يف بوعوده. ومن بين هذه الوعود، العدالة الانتقالية والتي من خلالها تتم المحاسبة والمساءلة والمحاكمة واسترداد الحقوق كالعمل والكرامة والتعويض عما فات من جبر للأضرار . وبعد أكثر من سنة ونصف تقريبا لم يُحسم بعد أمرها ولم يتم بعث الهيئة المكلفة ولم يصدر قانون خاص بها .
ولأننا لم نحدد مقاييس هذه الفترة الهامة المؤثرة من تاريخنا فقد  أمضينا وقتا طويلا  نجادل ونناقش ونحلل حكايات الماضي عن أخلاقيات النظام الفاسد وظلمه  فتغلّبت المصلحة الفردية على المصلحة الوطنية و انتهى بنا المطاف إلى أن كل فئة ترشق الأخرى بشتى التهم ..بل و كل فرد ينعت الأخر بالمتخلف الرجعي الخائن، وأصبحنا بذلك نعاني الانقسام والتشتت.
هدمنا كل شيء متوهمين أننا سنبني كل شيء ..فلا بنينا ولا أصلحنا، أسأنا لأنفسنا كثيرا و لم نتصالح مع أنفسنا. اعتمدنا الترهيب والاحتجاج والإضراب وضرب الاقتصاد وقطع الطرق والحرق والتخريب ...... وتناسينا مفهوم العدالة وبقينا في حرية مطلقة بكرامة مفقودة، فلا عدل ولا عدالة وكل يغني على ليلاه. وأخشى ما أخشىاه أن نبقى على هذه الحال ضياع وخوف من المستقبل.
نرجو أن يستفيق الجميع ويشعر كل طرف بمسؤوليته تجاه هذا الوطن ويعمل الجميع على ادارة هذه الارادة ” الشعب يريد العدالة“ كل من موقعه بحسن تدبير وحسن تصرف وحسن تسيير ونظرة مستقبلية نزيهة وصادقة بعيدة كل البعد على الفوضى والتصرف المشين.