التحليل السياسي

بقلم
الهادي الغيلوفي
هل اقتربت ساعة الحسم في سورية رغم تخاذل المجتمع الدولي. ؟

 تحاول العديد من أبواق النظام السوري المنتهية صلاحيته منذ أزيد من سنة تفسير المجازر التي تحدث في سوريا، بأنها تحدث دائما عشية جلسات مجلس الأمن، وهذا يعني أن الجماعات الإرهابية تبادر  » طلبا لرضا الله! « إلى ارتكاب مجزرة بحق الأبرياء من أجل استجلاب التدخل الدولي.

 
لا يدري هؤلاء ، وربما لا يريدون  أن يدروا، أن المقاتلين الذين ينظوون تحت لواء الجيش الحر للدفاع عن الشعب السوري لا يتابعون أخبار مجلس الأمن ولا يعنيهم أبداً اجتمع أم لم يجتمع، ولا يعولون على قراراته، في اعتقادنا ان لا قيمة بالطبع لهذا الهراء الذي يبثه هؤلاء ، لكن الكلام يجر بعضه بعضا. ولن تصل السفاهة بالطبع حد القول إن قادة الجيش السوري الحر وعناصره سيتواطؤون على ارتكاب المجزرة بحق أهلهم من أجل استجلاب التدخل الدولي. هذا بفرض أن مجزرة ستفعل ذلك، الأمر الذي لا يبدو صحيحا بالطبع، بدليل أن خريطة المواقف لا تزال على حالها منذ شهور طويلة، وقبل ارتكاب أية مجزرة من العيار الثقيل الذي صرنا نتابعه منذ شهور قليلة.
والحال أن مسلسل المجازر لا يحتاج إلى كثير من الذكاء لتفسيره، إذ إن توالي الانشقاقات داخل الجيش لم يترك فيه من العناصر العاملة ضد الثورة سوى جحافل من المجرمين الحاقدين، إلى جانب مجموعات من الحثالة الذين يسمون شبيحة، وهؤلاء لا يُستغرب منهم -  في ظل التعبئة التي يتعرضون لها- ارتكاب أية مجزرة ضد الناس العزل المتهمين بالمشاركة في الثورة أو تأييدها وتوفير حاضنة شعبية لها.
 
معلوم قبل ذلك أن الكتائب التي تتصدى للثورة بشكل مباشر، وتقتحم المدن والقرى والبلدات قد تم انتقاؤها من العناصر الطائفية  المرتبط وجودها بوجود النظام كي لا تتردد في ارتكاب أشد أنواع العنف ضد الأبرياء وضد الثوار في آن، وهو ما تم كما تقول مصادر عديدة بمقترح إيراني بعد الشهور الأولى للثورة، والكتائب المذكورة يشرف عليها ماهر الأسد شخصيا.
 
نعود إلى القول إن المجازر المتوالية لم تغير كثيرا في خريطة المواقف الدولية. وحين يجري تخصيص الجمعة الأخيرة لإسقاط كوفي عنان، » عميل روسيا وإيران «كما يقول الشعار الذي رفعه الناشطون، فهو تعبير عن اليأس من التحرك الدولي لوقف الحرب التي يشنها بشار الأسد ضد شعبه.
 
ولو توخينا الدقة، فإن الشعار المذكور لا يعكس الحقيقة كاملة، وإن عبر عن مشاعر السوريين وعموم العرب، إذ إن من الصعب القول إن كوفي عنان يعبر عن مواقف شخصية، أو ينحاز لمواقف روسيا وإيران على وجه التحديد، بقدر ما هو عنوان لحالة دولية وعربية ؛ حالة لا تريد الوصول بسوريا إلى مربع الحسم الثوري، وهي تعمل كل ما في وسعها من أجل تجنب ذلك الحسم.
 
هم جميعا ، متفقون على إيجاد حل سياسي في سوريا، ليس خشية استمرار نزيف الدم السوري كما يزعمون، بل خشية سقوط النظام بين يدي مجموعات تصعب السيطرة عليها، وهو كما يعلم الجميع الهاجس الإسرائيلي التقليدي الذي يميل لرحيل الأسد والإبقاء على النظام، بخاصة مؤسسته الأمنية والعسكري التي تعامل معها طوال عقود ويعرفها وتعرفه وفق نظرية » شيطان تعرفه خير من آخر لا تعرفه.« مع الإشارة إلى مطلب إطالة أمد الحرب من أجل تدمير البلد وإشغاله بنفسه لعقود.
 
من هنا يمكن القول إن الحل الوحيد المتاح أمام الشعب السوري وقواه المعارضة هو تصعيد العمل الشعبي وزيادة الضغط العسكري الذي يدفع المزيد من العناصر العسكرية للانشقاق، وقد يشجع سياسيين على فعل ذلك كما حصل مع نواف الفارس، سفير النظام في العراق.
 
ملامح الانتصار كثيرة، أهمها اتساع الرقعة الجغرافية التي فقد النظام سيطرته عليها، وزيادة الانشقاقات، إلى جانب إصرار الشعب السوري وعزيمته التي لا تلين، وحين يصعِّد النظام من آلة العنف والمجازر وسياسة الأرض المحروقة كما فعل بقصفه لمناطق زراعية قريبة من العاصمة يوم الخميس الماضي، حين يفعل ذلك فهو إنما يعبر عن يأسه وشعوره بقرب الهزيمة، وهي قريبة بإذن الله.
 
وهناك العديد من المؤشرات التي تقول بان هناك استعدادات يقوم بها الجيش الحر لبدء معركة دمشق ، لا سيما أن معركة العاصمة- التي يجب أن تكون الأخيرة والحاسمة- تتطلب استعدادات وحسابات خاصة، وهذا مما أدى إلى تأخير المعركة، التي بمجرد أن تبدأ، ستحسم في فترة قصيرة لا تتجاوز الأسابيع المعدودة.
ويرى احد قادة الجيش السوري الحر انه » بات بإمكاننا اتخاذ القرار في الوقت المناسب، بعدما بات الجيش الحر يتبع سياسة الاستيلاء على مستودعات الأسلحة التابعة للنظام، إضافة إلى تلك الموجودة على الحواجز«.
ولكن لا احد يعلم  أماكن وجود »الجيش الحر« بالتحديد في دمشق، ولكن وجوده واضح من خلال العمليات التي يقوم بها، في دمشق أو في ريفها، وهناك عدد من هذه العلميات نفذت في أماكن عدة من العاصمة، ليست ببعيدة عن القصر الجمهوري.
 
ويري بعض الخبراء العسكريين ان أهمية وصول المعركة إلى دمشق وبالتالي إلى القصر الجمهوري المعروف بتحصيناته، والذي لا يحسم المعركة، بل المهم هو الاستيلاء على القطع العسكرية المحيطة به، ولا سيما الفرقة الرابعة وقوات القصر الجمهوري، ومن المؤكد أن » بدء المعركة في دمشق سينعكس إيجابا على وتيرة الانشقاقات، ولا سيما في صفوف القيادات عندما يتأكد الجميع أن النظام بات في نهايته«.
وتشير بعض المصادر الموثوقة  أن » النظام السوري كان قد أصدر تعميما، واعتبر فيه كل الضباط السنّة خلايا نائمة وأمر بتصفيتهم، وذلك بعد اعتقاله أكثر من 3000 ضابط «.
 
من جهته، اعتبر عضو الأمانة العامة في المجلس الوطني السوري بشار الحراكي أن » معركة دمشق الحاسمة أصبحت قريبة، وأن الاستعداد لها ليس جديدا« .
وأشار الحراكي الى أن » قدرات الجيش الحر لم تكن تسمح له ببدء معركة دمشق، أما اليوم وبعد التطور في عملياته التي استهدفت مواقع في العاصمة واستيلائه على أسلحة، أصبح من الممكن القول إن الجيش الحر بات مستعدا لهذه المعركة «.
ويرى الحراكي أن » الأمور بدأت تقترب من النهاية، والحسم لن ينتظر أن تفي الدول بوعودها لتسليح الجيش الحر، بعدما أصبح الأخير جاهزا لخوض معركته «، مضيفا أن » قوات النظام المنتشرة في كل المناطق السورية أصبحت منهكة ومشتتة، وحتى تلك التي تحيط بالقصر الجمهوري تم استخدامها في العمليات التي تنفذ خارج العاصمة، إضافة إلى نسبة الانشقاقات المتزايدة التي تفوق تلك التي يعلن عنها، ومن بينها قطع عسكرية بكاملها وضباط برتب عالية « .
وتشير آخر المعلومات الواردة من جنوب سوريا إلى فرار العشرات من الضباط إلى الأردن وهو مؤشر آخر عن حالة الرعب التي تنتاب الضباط خوفا علي حياتهم وعدم شعورهم بالأمان وعدم رغبتهم في القتال في معركة خاسرة في صفوف جيش يحارب شعبه .
 
لقد كنا من أوائل الذين توقعوا هذا السيناريو فهذا النظام لا يمكن إن ينهار إلا إذا تحلل من الداخل وكان الشعب السوري الذي ابهر العالم بصموده عبارة عن مساجين ينحتون في جدار السجن الكبير المحصن بأياديهم التي لم تتعب ولم تكل وهي تعمل ليلا نهارا لإحداث ثغرات في هذا الجدار لتنقض علي السجان وتتخلص منه فلا شك إن هذه اللحظة أصبحت قريبة افليس الصبح بقريب يرونه بعيدا ونراه قريب.