الكلمة الحرّة

بقلم
هادي القلسي
الشعب يريد الحريّة

 تعرضت في العدد الفارط من هذه المجلّة إلى كيفية إدارة إرادة الشعب التي عبّر عنها  أيام الانتفاضة المباركة حيث استبق الجميع ونادي بأعلى صوته ”الشعب يريد الحرية، الشعب يريد الكرامة، الشعب يريد الشغل والشعب يريد العدالة“.

وفي هذا العدد سأحاول التطرق بالتحليل المختصر إلى الجزء الأول من الشعار المتعلق بالحريّة ”الشعب يريد الحرية“.
عانى الشعب التونسي ويلات القمع والظلم والاستبداد فسلبت منه الحرية في جميع الأحوال. عاش أبكما أصما بلا بصيرة، فغلب على أمره ومنع حتى من تفعيل إرادته في الخلق والإبداع فاعتاد وتعود على الصمت والسكوت والقبول بالأمر الواقع فان فكر وفتح فاه ناله بطش الجلاد ويودع بالسجون فخاف الشعب ونزع عن نفسه كلمة الحرية خشية الحاكم الذي استبق قمعه حتى النوايا.
سلبت إرادة الشعب فوجد نفسه كالبيدق في رقعة الشطرنج تتلاعب به أيدي أصحاب الكراسي فترمي به أينما أرادت ومتى شاءت لإبراز عضلات التفوق من  اجل حماية تنفيذ الحيل الشيطانية المرعبة . 
واليوم تحطّم القيد واسترجع الشعب الإرادة دون خوف وبعد مرور سنة ونصف تقريبا من هروب المخلوع لسائل أن يتساءل :"هل استعملت الحرية كما يجب ؟ وهل الحرية مطلقة او مقيدة؟ والى أي مدى تساهم في  البناء وإصلاح ما فسد؟ .
اعتقد ان هذا المكسب الثوري تم استغلاله بطرق عدة ولغايات كثيرة الشيء الذي استوجب الوقوف على سلبيات وايجابيات هذا التعامل. فلقد زين هذا الشعار اللافتات والرايات والساحات وبكل وسيلة استأنسها التونسي وانطلق التفعيل على الأرض  كل حسب مفهومه وغاياته ومصالحه.
فمن التونسيين من اعتقد  أن الحرية مطلقة فراح يتطاول على الغير بقطع الطرق والتخريب والحرق وإتلاف الوثائق والتعدي على أملاك الغير وفرض تحقيق الطلبات وان كانت شرعيّة بالتهديد والقوة. وتعمد آخرون منع مسؤولي الدولة من القيام بوظائفهم وطردهم أو إحتجازهم في العديد من المناسبات ومن ثمّ هز الاستقرار والتعدي عليهم بالعنف و وصلت الحرية عند البعض إلى التطاول على هويّة الشعب ودينه فتمّ التعدي على المقدسات الدينية وذلك بالاعتداء على أماكن العبادة والتهديد بالقتل برسوم وتعاليق ومقالات تتنافى والقيم السمحة للدين ، فكان أن استُغِلّت الحرية في التعدي على الأخلاق الحميدة لفظا وكتابة ورسما وصورة وبطرق تتنافى وعاداتنا وتقاليدنا الى أن بلغت الدعوة إلى فرض عادات وتقاليد أجنبية تتنافى وما عايشه المجتمع التونسي ومن أبشعها الشذوذ الجنسي والحرية المطلقة .  كما اعتبر البعض  أن مكسب الحريّة يسمح له ببالقصاص دون اللجوء إلى القضاء وبالتعدي على راية الوطن وتغييرها براية أخرى. 
 غير أن جزءا كبيرا من التونسيين اتبعوا مبدأ الحرية المقيدة وتصرفوا بكل حكمة ودراية وإرادة طبقا لمبادئ منطقية وجب إتباعها حتى نبني ولا نهدم وحتى نفيد ولا نضرّ. فالحرية عند هؤلاء هي حق  لكنها تستوجب آداب السلوك في الفعل والتعبير واحترام الغير وان كان مخالفا او حتى مخطئا مهما كان لونه ودينه وانتماؤه اذ وجب ضبط النفس وعدم اللجوء الى التصرفات  المشينة والمشار إليها سابقا.
 فالحرية إذا، هي فعل وتفاعل إرادي بكل الوسائل المتاحة دون المساس بحرية وكرامة الآخرين خاصة عندنا نحن الشعب التونسي الذي فقد هذا الحق نتيجة قمع واستبداد واضطهاد وظلم دام أكثر من عقدين وهو اعرف العارفين بأهمية هذه الإرادة وما لها من انعكاس على مستقبل تونس بصفة عامّة ومستقبل أبناءنا وأحفادنا بصفة خاصّة . وكل ما أخشاه ان تكون ”الحرية“ سالبة وسلبية في زمن نعيش فيه نسمات الإرادة دون إكراه ولا توجيه ولا مناشدة ولا ممانعة .
الجميع متفق على ان تونس جمهورية حرة مستقلة دينها الإسلام ولغتها العربية، انتفض شعبها على نظام مستبد طالبا الحرية. فعلى هذا الشعب المناضل ، كل من موقعه، احترام هذه المبادئ الأساسية  والقيام بحملات وطنية لتوضيح المفهوم الصحيح للحرية في تونس الحرية والتي يجب أن تتقيد  بالفصل الأول من الدستور المنتظر .فتونس للجميع ولها قيمها وتقاليدها وعاداتها العريقة  منذ القدم فهي في حاجة الى حرية تونسية تحمي التونسي من كل أشكال التمييز والمس من الكرامة الفردية فهي بالتالي ”حرية مقيدة بالقيم او لا تكون“. 
واختم فأقول  أن الحرية  هي اتخاذ قرار او القيام بفعل دون إكراه وتفعيله بوسائل وطرق عديدة. غير ان هذه الحرية تنهي عند بداية المس بحرية الآخرين انطلاقا من الفرد ومرورا بالعائلة فالمدينة فالوطن . والإنسان يولد حرا بالفطرة ووالديه ومدرسته ومجتمعه ودولته تكسبه المبادئ الجميلة النافعة البناءة المفيدة فهي التي تحدد وتقيد حريته التي لن تكون بطبيعة الحال مطلقة ابدا .
نحن شعب واع منظّم مثقف ، نقدر ان نفرض إرادة حريتنا التونسية الإسلامية العربية لتبقى تونس حرة ابد الدهر. 
تحيا تونس يحيا شعبها الذي أعطى شرارة إرادة الشعوب للحرية.