وجهة نظر

بقلم
يسري بوعوينة
مشاكل النقل العام

 النقل العام هو أحد مقاييس تطور البلدان و تحضرها فإذا أردت أن تعرف بلد ما من الداخل بكل أسراره فما عليك سوى ركوب الحافلة و إمتطاء القطار لأن وسائل النقل العام تمكّنك من مخالطة كل فئات الشعب و من معرفة مدى إحترام الوقت و درجة التحضر و الرفاه التي وصلها البلد.

في تونس، النقل العام هو أحد أهم الأسباب للإصابة بأمراض السكري والأعصاب وضغط الدم للمواطن المسكين المجبر على إستعمال مختلف وسائل النقل العام. لنبدأ مثلا بالنقل الحديدي و لنوجّه تحية حارة إلى الشركة التونسية للسكك الحديدية التي تبذل مجهودا خارقا لتنفّر المواطن من شيء إسمه القطار. اللخبطة والتأخيرات في مواعيد الرحلات صارت بلا عدّ و يمكن أن تصل إلى قرابة الساعتين..إذا قدم القطار في وقته وهذا نادر الحدوث، فإن بطئه يجعلك تصل إلى تونس قادما من سوسة مثلا في ظرف ثلاث ساعات إلا ربع في حين أنه مشيا على الأقدام يمكن أن تصل في ساعتين و نصف...حالة القطارات يرثى لها وحتى القطار الجديد الذي يستعمل لخط تونس – سوسة ضيّق جدا ولا يتوفر على أدنى مقومات الرفاهية علاوة على الضجيج الكبير الذي يتسبب فيه..مؤخرا صار القطار ينطلق وبعض الأبواب تبقى مفتوحة مع ما في هذا التصرّف الخطير من إستهتار بحياة الركاب..الإضرابات صارت تشلّ حركة القطارات وتعطل مصالح المواطنين بطريقة تجاوزت كل الحدود...هذا غيض من فيض عيوب شركة السكك الحديدية (التي فاتها القطار هي أيضا) ولولا أن السكك الحديدية حكر للدولة و لا يوجد لها منافس لأقسم الناس أن لا يركبوا قطارا عموميا(ربما هو في تونس مشتق من القطرة قطرة)...نبقى في ميدان النقل الحديدي وهذه المرة إلى المترو وهي وسيلة النقل الوحيدة التي تتميّز بها مدينة تونس العاصمة على سائر المدن التونسية الأخرى..المترو جميل الشكل وجذاب وسريع وناجع ولكن ليس في تونس لأنه يتحوّل فيها إلى ساحة للعراك والخصام بسبب الإزدحام الشديد (في مترو واحد يتسع إلى 285 شخص تجد كل سكان مدينة بن عروس يريدون الركوب) وكذلك بسبب السرقات والنشل وغيرها من الممارسات اللاأخلاقية...المترو لا يعترف بشيء إسمه الوقت، قد تنتظر ربع ساعة أو نصف ساعة دون أن يهلّ مترو واحد وقد تجد في مناسبة أخرى ثلاثة متروات الواحد تلو الآخر...نزول قليل من الغيث النافع يعطّل هذه «الأفاعي الخضراء» التي تزحف في أرجاء المدينة و يصيبها بالشلل التام...الشيء نفسه نجده تقريبا في الحافلات التي لا تعرف الإنتظام ولا إحترام الوقت..إن حافلة صفراء واحدة يمكن أن تتسع لحي التضامن ولا عزاء لمن ليس له عضلات ولا يتقن نظرية «التدافع الإجتماعي» للصعود للحافلة..ثبت علميا أن سرعة السلحفاة  تفوق سرعة الحافلة وسط العاصمة تونس وطبعا السرعة في إيصال الحريف هي آخر ما يشغل شركة نقل تونس ولا يهم إن قضى المواطن المسكين ساعة كاملة في التنقل في مسافة لا تحتاج لأكثر من 20 دقيقة..الإزدحام وسط الطرقات والإزدحام وسط الحافلة يجعل العديد من الناس يفضلون التاكسيات على الوسائل التقليدية للنقل العام...أولا هناك التاكسي الجماعي وقد جربت شخصيا خط الباساج المرسى حيث قضيت 20 دقيقة للوصول إلى المرسى مقابل ساعة بالـ «تي-جي-آم»..صحيح أن السرعة كانت قوية جعلتني أشك أن «شوماخر» هو من يقود السيارة لكن المهم أن تصل باكرا وأهم من ذلك بكثير فمقعدك محجوز..حفظ الله من يركبون تلك التاكسيات...بالنسبة للتاكسي الفردي فيبقى المواطن تحت رحمة صاحب التاكسي الذي قد يتكرّم عليك و يأخذك إلى المكان الذي ترغب في الوصول إليه وقد يرفض في إنتظار غنيمة أخرى أفضل منك..لقد عانيت الأمرين لآخذ تاكسي من ساحة برشلونة إلى المنار لأن أصحاب التاكسيات الأفاضل لا يريدون المرور بشارع محمد الخامس الذي يعاني في ذلك الوقت أي الثامنة صباحا إزدحاما مروريا رهيبا يفوق ذلك الذي تشهده شوارع بيكين..ماذا بقي من وسائل النقل العام؟ هل نركب الطائرات لننتقل من باردو إلى الكرم أو من ساحة برشلونة إلى منوبة.. ؟ هل نمشي على الأقدام حفاظا على رشاقتنا... في الأخير المشي رياضة؟ الحلّ الأقرب ربما يبقى إقتناء سيارة. صحيح أنها ستستنزف ميزانية العائلة وتفرغ الرصيد البنكي وتجعلك حريفا وفيا «لأطباء الميكانيكا» وأنها ليست حلا ناجعا لربح الوقت خاصة مع الإزدحام المروري الكثيف إضافة إلى إرتفاع أسعار البنزين، وهي أمور كلها تزهدك في السيارة، ولكن على مساوئها تبقى أرحم بكثير من النقل العام وجرّب بنفسك سيدي وزير النقل إن لم تصدقني..