شخصيات الإصلاح

بقلم
التحرير الإصلاح
روجيه دوباكييه
 وُلِد «روجر دو باسكوييه» في سويسرا عام 1917، ورغم نشأته في عائلة بروتستانتية، فقد تأثّر بالفلسفة الوجودية، وأصبح يرى أن الأديان معتقدات خرافية لا قيمة لها.
اشتغل في الصحافة وزار العديد من البلدان، أهمّها السّويد أين عمل خلال أكثر من خمس سنوات، منذ نهاية الحرب العالميّة الثّانية، كمراسل لإحدى الصّحف. اكتشف روجر، نتيجة احتكاكه بالنّاس، سواء في سويسرا أو في السويد، أنّهم لا يشعرون بالسّعادة على الرّغم من توفّر وسائل الرّاحة المادّية والمتعة؛ وعندما سافر إلى بعض الدول الإسلاميّة في المشرق، وجد النّاس يبدون أكثر سعادة من الغربيين رغم قلّة اليد والفقر المدقع الذي يعيشون فيه.
هذا التناقض بين حياة الغربيين وحياة المسلمين جعل «روجر» يراجع قناعاته الوجوديّة والانطلاق في دراسة الدّيانات الشّرقيّة ، فبدأ بالدّيانة الهندوسيّة فلم تقنعه. ثم اتجه إلى دراسة الإسلام، فاكتشف أن هذا الدين لا يعارض الدّيانات السّماويّة الأخرى ، بل يحتويها جميعاً. ولقد تأثر بما كتبه الفيلسوف المعاصر«رينيه جينون» أو «عبد الواحد يحيى» (1886-1951). واكتشف أن الإسلام يعطي معنى للحياة، على عكس الحضارة الغربيّة التي هي مادّية بالكامل ولا تؤمن إلاّ بالعالم السّفلي. 
اعتنق «روجر دو باسكوييه» الإسلام واتخذ لنفسه اسم «سيد عبد الكريم» بعد فترة طويلة من التمعّن والتّمحيص. وفي هذا يقول: «لقد رأيت أن تعاليم الإسلام تملأ النّفس بالطّمأنينة، بينما الحضارة المادّية، على العكس من ذلك، تسبّب الكآبة. والأوروبيّون لا يفهمون ما هو الإسلام حقًا، لأنّهم لا يستطيعون الخروج من نموذجهم المادّي» ويضيف متحدّثا عن كتابات «رينيه جينون»: «إنّ كتاباته وأعماله قد جلبت العديد من القراء إلى الإسلام ، وهذا بلا شكّ يرجع إلى حقيقة أنّه سبقهم في هذا التّقدم [...] وبفضل إسلامهم، استعادوا الثّقة في دينهم الأصلي، ولا سيّما المسيحيّة ولكن أيضًا في اليهوديّة أو البوذيّة». ويقول أيضا : «لقد تأثرت بالقرآن الكريم كثيرا عندما بدأت أدرسه، وتعلمت وحفظت بعض آياته، وقد استوقفتني كثيراً الآية الكريمة في سورة آل عمران: «وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ»، وقوله تعالى في سورة البقرة: «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ، قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ»،
بعد إعلان إسلامه، أصبح «روجر دو باسكوييه» من المدافعين البارزين عن الإسلام، وكتب العديد من المقالات لإبراز حقيقة هذا الدّين، في الصّحيفة السّويسريّة «جورنال دي جنيف» وفي جريدة «لوزان». حاول «روجر» في كتبه العديدة أن يُظهر للقراء الغربيين ما يجري في العالم الإسلامي، وأن يثبت لهم أنّ الإسلام يمكن أن يقدّم حلولًا لمشاكل كثيرة وصل النّاس معها إلى طريق مسدود. كتب في مقال له بعنوان «رحلة متواضعة لغربيّ في الإسلام»: «من بين الأمور الواضحة، حقيقة أنّ جميع الأديان تعرف في الوقت الحاضر، بدرجات متفاوتة، أزمات وانهيارا، والإسلام ليس استثناءً، ولكن رغم التّطرف غير المبرّر والذّنوب المرتكبة باسمه، فإنّ هذا الدّين يختلف اختلافًا كبيرًا عن الظاهر، فهو لا يزال مصدرًا لا ينضب للإيمان والتّفاني. الإسلام لديه القدرة على جعل الغربيين يبحثون عمّا هو ضروري وما هو فريد، وهو شيء لا يمكنهم العثور عليه في حضارتهم». 
كتب هذا المفكر كتابا عام 1979 بعنوان «صحوة الإسلام» تمت ترجمته إلى ثلاث لغات وطبع تسع عشرة مرّة، حاول من خلاله نشر الإسلام في أوروبا، ودعا المسلمين إلى تحمّل مسؤولياتهم بالمساعدة في هذا المشروع من خلال نشر كتب تتناول الإسلام بمختلف اللّغات الأوروبيّة، خاصة وأنّ وسائل وفرص شرح الإسلام للأوروبيّين بسيطة. يقول روجر دو باسكير في كتابه هذا: «لا يمكن للإسلام اليوم سوى جذب انتباه الأفراد الذين يدركون وجود واقع أعلى من عالمنا الزائل، حقيقة خالدة لديها القدرة على إيصال الفرد. إنّ اكتشاف الشّخص للإسلام بهذه الطّريقة دليل على أنّه لا يزال من الممكن اختبار هذا الواقع، على المستويين الشّخصي والجماعي، بطريقة كاملة».
 يرى «روجر دو باسكوييه» أنّ الشّعائر الإسلاميّة من صلاة وحجّ وغيرها، تتميّز بالإيمان والخضوع للّه، ويجب الانضباط في ممارستها؛ وأكد أن هذه الطّقوس هي وسيلة للتّناغم مع الطبيعة، بما لديها من ارتباط واضح بالإيقاعات الطّبيعيّة العظيمة وخاصّة مع حركة الشّمس التي تحدّد ساعات الصّلاة اليوميّة مثلا. وينطبق الشّيء نفسه على القمر الذي تعتبر حركته أساس التّقويم الإسلامي. كما تذكّر رمزيّة هذه الطّقوس الإنسان بأنّه يحتلّ مكانة مركزيّة في هذا العالم، لأنّ اللّه تعالى جعله نائبًا له في الأرض ، أي أنّ الإنسان يتناغم مع الطّبيعة ومع كلّ المخلوقات التي تحيط به.
وفي كتابه «إزاحة الستار عن الإسلام Unveiling Islam» الذي أصدره سنة 1990 وطبع 15 مرّة، ركّز «روجر دو باسكوييه» على فكرة أنّ  الإسلام -من بين أديان العالم كلّها- لا ينجو فحسب، بل يزدهر. ولم يتعامل في هذا الكتاب فقط مع قضايا السّاعة، مثل «الأصوليّة» ووضع المرأة المسلمة، ولكنّه قدّم لمحة عامّة عن القرآن والنّبي والتّاريخ الإسلامي وطبيعة الفنّ والأدب الإسلامي.
يعارض «روجر دو باسكوييه» بشدّة المسلمين الذين يتخذون  من الإسلام قوميّة أو أيديولوجيّة، ويعبّر عن ذلك بقوله: «أنا أختلف مع بعض الأشخاص الذين ينظرون إلى الإسلام باعتباره قوميّة _وهذا اعتقاد خاطىء لدى كثير من المسلمين ... إنّهم يعتبرون الإسلام أيديولوجيّة وهو خطأ ... إنّما الإسلام طريق إلى اللّه، وأفضل طريقة للوصول إلى معرفة اللّه والتّصالح والوئام بين الخالق والخلق».
وعن رأيه في النّقد الموَجَّه للإسلام بأنّه دين تخلّف لا يقود إلى التّقدّم، قال ساخراً:«الحمد للّه أنّ الإسلام ليس متقدّماً بمعنى التّقدّم الذي يعيشون فيه ويقودهم إلى الهاوية.. والحمد للّه أنّ الإسلام لم يتّجه إلى هذا التّقدّم المادّي الذي يقصدونه ... ولو كان كذلك لما أثار انتباهي ولا انتباه هؤلاء المفكرين الذين وجدوا فيه الخير والسّعادة للبشريّة، أمثال «رجاء غارودى» وغيره..