أسماء الله الحسنى

بقلم
الهادي بريك
الحيّ، القيّوم، العظيم، الشّكور، الحفيظ
 الحيّ 
ورد هذا الإسم «الحيّ» في الكتاب العزيز ستّ مرّات، مقترنا في ثلاث منها باسمه «القيّوم». لهذا الإسم خصوصيّة؛ إذ ورد في أعظم آية وهي آية الكرسيّ «اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ»(1)، كما ورد في أوّل آيات الزّهراء الثّانية أي آل عمران «الم ، اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ»(2)، كما ورد في تفسير هذا الإسم في القرآن نفسه قوله «وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ»(3)، ولم يرد إلاّ معرّفا بالألف واللاّم. صفة الحياة معلومة عند النّاس، عدا أنّ حياة اللّه سبحانه ليس ككلّ حياة؛ إذ ليس كمثله شيء في أيّ شيء. فاقترانه بالقيّوميّة لا يعني فحسب أنّه - سبحانه- ليس حيّا لا يموت؛ بل يعني انّه قائم على خلقه حفيظ عليهم، وهو حيّ يحيي الموتى، فهو حيّ اسما وحيّ فعلا؛ ولذلك قال سبحانه مفسّرا هذا الإسم مرّة أخرى في سورة الرّحمان «كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَان، وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ»(4). ومن ذا، لا يكون التوكّل مفيدا إلاّ عليه هو سبحانه. الإنسان يعرف معنى الحياة، لكنّه لا يصل إلى إدراك كنهها وحقيقتها حتّى في نفسه إلاّ شعورا، « وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ، قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا»(5). ومن ذا، فإن المؤمن يؤمن بحياة الحيّ سبحانه ولا يفقه ذلك حقّ الفقه. يخبر الله عباده أنّه - سبحانه- هو وحده الحيّ، حياة لا موت قبلها ولا موت بعدها. في حين أنّ ما يعبدون من دونه أموات لا محالة. ولو كان - سبحانه- ليبقي أحدا حيّا؛ لأبقى صفيه محمدا، أو خليله إبراهيم، أو كليمه موسى، عليهم جميعا صلوات الله وتسليماته.
القيّوم
اسم «القيّوم» على وزن «فعّول» وهو من فعل  «قام يقوم» مجرّدا. فكان اسم الفاعل: قائم. وزيد ليزاد المعنى، فكان: قوّاما وقيّوما. خلعت صفة القوامة على ربّ البيت «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ»(6)، أمّا نسبة إليه -سبحانه-، فإنّما جيء باسم «القيّوم»، وكلاهما من جذر واحد هو « ق ا م» . ومن الفروق بينهما: أنّ القوّام مسؤول، في حين أنّ القيّوم لا يُسأل؛ وأنّ القيّوم أبلغ في وصف أعلى درجات القيام والقوامة والقيّوميّة على الشّيء. القيام على الشّيء هو الإحاطة به، وحفظه، وتدبيره، وتقديره، وربوبيته، والوكالة عنه، وكفالته، وملكه التامّ. منها قوله بصيغة التّجريد «أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ»(7). والقيام يقتضي القوّة والقدرة بالضّرورة، كما وصف الإسلام بأنّه «دينا قيّما، برواية ورش عن نافع»، وأنّ  القرآن فيه «كتب قيّمة».
إنّ العلاقة بين اسمه القيّوم وبين دينه الذي إرتضاه للنّاس من أنّه، دين قيّم وأنّ كلامه قيّم، هي أنّه لفرط قيّوميّته على كلّ شيء بما يحفظه، فإنّ دينه لا يكون إلاّ مثل ذلك قيّوما على غيره من الكلام، ومثله دينه على الدّين. قال في تفسير هذا الاسم في القرآن نفسه «وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ»(8). ومن معاني هذا الجذر إضفاء القيمة والقدر على صاحبه؛ فهو قيّوم في الدّنيا والآخرة على كلّ شيء، لا يفوته شيء، ولا يعجزه شيء، ولا يندّ عنه شيء، ولا يعزب عنه مثقال ذرّة، ولا يقوم شيء إلاّ بإذنه سبحانه.
العظيم
ورد هذا الاسم «العظيم» ستّ مرّات في الكتاب العزيز. وهو كعادة كلّ الأسماء تقريبا على وزن المبالغة «فعيل» من الفعل المجرّد  «عظم»بضمّ عين الفعل «الظاء» ومضارعها: يعظم. العظمة هي منتهى القوّة، والقدرة، والعلوّ، والهيمنة، والكبر، والشدّة. ولذلك، ارتبط هذا الاسم باسم «العليّ» مرّتين، وختمت به أعظم آية. أي آية الكرسيّ «وَلا يَئُودهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ»(9). ويقول الرّاكع «سبحان ربّي العظيم» تلبية لقوله سبحانه « فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ»(10). توسّط هذا الحرف المفخّم (أي الظّاء) رحم الاسم لينحت هويته. بل إنّه استهلّه بحرف حلقيّ غائر «العين»، ومن  الأذكار المأثورة «سبحان اللّه وبحمده سبحان اللّه العظيم» التي قال عنها عليه السّلام: «كلمتان ثقيلتان في الميزان، خفيفتان على اللّسان، حبيبتان إلى الرحمان». ولم يرد اسم «العظيم» إلاّ معرّفا كذلك بالألف واللاّم، شأن اسميْ الحيّ والقيّوم. وقد نسب اللّه اسم العظمة إلى القرآن الكريم، وإلى الفوز بالجنّة، وإلى فضله وأجره وعرشه، وإلى النبإ العظيم، وقسمه بمواقع النّجوم أنّه قسم عظيم؛ كما خلعه على عذابه، الولوغ في أعراض النّاس بغير حقّ، وعلى الحنث وهو الشّرك، والإثم، والسّحر؛ وأمر بتعظيم شعائره وحرماته. تظلّ عظمة اللّه -سبحانه- ليس مثلها شيء، ومن شاء تنسّم بردها فإنّها تدبّر في الكون، ونظر في الملكوت والخلق والنّفس والتّاريخ والحدث الحاضر.
الشّكور ـ الشّاكر
ورد الاسم بصيغة اسم الفاعل المجرّد «شاكر» واقترن بالعلم، كما ورد بصيغة المبالغة على وزن «فعول»واقترن بالحلم والمغفرة. والشّكر هو الاعتراف بالفضل، وهو ثناء وحمد ورضوان. الأصل أن يكون الإنسان المملوك المرزوق هو الشّاكر الشّكور وليس اللّه سبحانه. ولكنّه تفضّلا منه -سبحانه- وإيلافا لعبده، فإنّه يخبره أنّه شاكر وأنّه شكور، لإيمانه به، واعترافه بوحدانيته، وحمده لفضله، وطاعته له بالغيب. وهي على الوزن المعنويّ لما تردّد في القرآن الكريم مرّات «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ»(11)، إذ إنّ الأصل أن يرضى الرّب عن عبده، لا أن يرضى العبد عن ربّه. ولكن يريد -سبحانه- أن يكون السّبيل بينه وبين عبده معبّدا بالفعل نفسه: شكرانا متبادلا، وتراضيا مثله؛ ذلك يزيد الإنسان سكينة بربّه وطمأنينة إليه، وحبّا له، وفرارا إليه حتّى منه هو نفسه. أخبرنا كذلك أنّ الشّكر للّه سبحانه هو الحكمة، إذ قال «وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ»(12)، أي أنّ رأس الحكمة هي شكران اللّه. كما أخبرنا أنّ الشكر هو نقيض الكفر، فقال «إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا»(13)؛ فمن آمن فقد شكر، ومن كفر فقد جحد. وخلع على خليله إبراهيم عليه السّلام الاسم نفسه، فقال عنه: «شَاكِرًا لأنْعُمِهِ»(14)، فأفدنا أنّ الشّكر يكون على نعمة مسداة، ومن ذا يشكر سبحانه على نعمه ظاهرة وباطنة. بل علّمنا -عليه السّلام -أنّ الشّكر فعل جميل حتّى من الإنسان إلى الإنسان، إذ قال: «لا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لا يَشْكُرُ النَّاسَ»(15): وأمرنا -سبحانه- بالشّكر مرّات بصيغ مختلفة. لكنّه، أخبرنا أنّ الشّكور منّا قليل ، أي كثير الشّكران مبالغة؛ وأخبرنا أنّ خير وضع للإنسان هو الجمع بين الصّبر والشّكر، وتردّد ذلك مرّات بقوله: «لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ»(16) أي أنّ الإنسان لا يقوى على فقه آيات اللّه حتّى يكون صبّارا وشكورا في الآن نفسه؛ ذلك أنّه لا حال للإنسان إلاّ: صابرا على الضرّاء، أو شاكرا في النّعماء. ولا شكّ أنّ إرتباط «اسم الشّكر» بالعلم والحلم والمغفرة مناسب؛ ذلك أنّ الشّكر يقتضي علما بما يصلح الإنسان، وحلما عليه في عثراته، ومغفرة له إذا تاب. كما وعد سبحانه بالزّيادة على الشّكران فقال: « لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ»(17)، فهو شاكر شكور يثيب الشّاكر الشّكور سبحانه.
الحفيظ ـ الحافظ
الحفظ هو: الرّعاية، والكلأ، والإحاطة، والصّون. ولا يكون إلاّ عن قوّة، وعلم، وخبرة، وعظمة، وقدرة. قال عن نفسه سبحانه أنّه على شيء حفيظ. هكذا، بكلّ إطلاق، كما أنه على كلّ شيء قدير. كما أخبر قائلا «اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ»(18)، أي عن أولئك الذين اتخذوا من دونه أولياء. قال إنّه حفيظ عليهم، وليس لهم، مع أنّه حفيظ على كلّ شيء. ما سحرني شيء في الحياة عدا دقّة هذا النظم العجيب الباهر؛ ورد اسم «الحفيظ» إذن كالعادة بصيغة المبالغة، وورد كذلك مركّبا فقال: « فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا»(19). كما أخبر عن ذلك باسم الفاعل بصيغة الجمع: « إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ»(20). وإنّه يحفظ السّماء بالرّجوم والشّهاب من تسمّع الشّياطين، وكذلك حفظ السّماوات والأرض؛ وأخبرنا أنّه يحفظ العباد بالملائكة: «إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ»(21)، و« يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ»(22)، ويتوفاهم بهم كذلك «وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً»(23)؛ وأسبغ صفة الحفظ على كتابه «كتاب حفيظ» وهو كذلك ـ أي الكتاب ـ محفوظ، وهي صفة تخلع على الكتاب المحفوظ في السماء، وعلى القرآن الكريم الذي بين أيدينا. ومن أشدّ ما يلفت النظر أنه -سبحانه- نفى صفة الحفظ على نبيّه محمد -عليه السلام -مرّات لا تكاد تعدّ «وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا»(24)؛ وذلك، ليظلّ الناس يعبدون الله ربهم الحقّ، ويؤمنون بمحمد عليه السلام نبيّا ورسولا ومبلّغا عنه؛ فلا هو وكيل، ولا حفيظ، ولا جبّار، ولا مسيطر. وأمر -سبحانه- بحفظ أشياء تحفظ كرامة الإنسان من مثل الفروج والأيمان والصلاة وحدود الله. وأخبر يوسف عن نفسه عليه السلام أنه حفيظ عليم بين يدي الملك ليولّيه حفظ الماليّة العامّة.
التسمّي بهذه الأسماء من لدن الإنسان
ليس هناك ما يمنع الإنسان من التسمّي بأيّ من هذه الأسماء آنفة الذكر. لاسيما إذا تجرّدت من التعريف ونكّرت؛ وإن كان الأولى دوما أن يتسمّى الإنسان بعبد الحيّ لا الحيّ، وبعبد العظيم لا العظيم، وبعبد القيّوم لا القيّوم، وبعبد الشاكر والشكور لا الشاكر والشكور، وبعبد الحفيظ والحافظ لا الحفيظ والحافظ، ذلك من باب الأدب العالي فحسب. وإلاّ، فإنّ الله سمّى عبده شكورا وشاكرا وقوّاما. لتظلّ بعض الأسماء النادرة جدّا خاصّة به هو وحده -سبحانه- من مثل : الله، الرّحمان،المتكبّر، الأحد،. والأولى من التسمّي بذلك رسما هو تمثّلها في الحياة قيما هادية.
الهوامش
(1) سورة البقرة - الآية 255 
(2) سورة آل عمران - الآيتان 1و2 
(3) سورة الفرقان - الآية 58
(4) سورة الرحمان -  الآيتان 26 و27
(5) سورة الإسراء - الآية 85
(6) سورة النساء - الآية 34
(7) سورة الرعد - الآية 33
(8) سورة طه - الآية 111 
(9) سورة البقرة - الآية 255
(10) سورة الحاقة - الآية 52
(11) سورة التوبة -  الآية 100
(12) سورة لقمان - الآية 12
(13) سورة الانسان - الآية 3
(14) سورة النحل - الآية 124
(15) رواه أحمد وأبو داود والبخاري
(16) سورة لقمان -  الآية 31
(17) سورة ابراهيم - الآية 7
(18) سورة الشورى - الآية 6
(19) سورة يوسف - الآية 64
(20) سورة الحجر - الآية 9
(21) سورة الطارق - الآية 4
(22) سورة الرعد - الآية 11
(23) سورة الأنعام - الآية 61
(24) سورة الأنعام - الآية 107