تمتمات

بقلم
رفيق الشاهد
لا يمثلني أحد
 ( ... بَدْءُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ الرَّبِّ، وَمَعْرِفَةُ الْقُدُّوسِ فَهْمٌ... إنْ كنْتَ حَكِيما فأنْتَ حكيمً لنَفْسِكَ ، وَإنْ اسْتهْزَأتَ فأنْتَ وحْدَكَ تتَحمَّلُ...) من سفر الأمثال الأصحاح التاسع.
اليوم أجدني كهلا، وأعتقد أنّني أصبحت راشدا بما يكفي لتكون لي خياراتي وشهواتي ونزواتي في إطار الحقوق والواجبات. اليوم، وبعد أن سلكت طريق الفهم، أصبحت أدرك معنى للحرّية وحدود حرّيتي التي أعيها وأقف عندها. 
هكذا أريد أن يراني من حولي وكلّ من اعتلى عرش السّلطة. أريدني شخصا ذا قيمة وله شأن ولا يمكن لأحد أن يقرّر عن لساني ولا عن أفكاري طالما لم أفوّض له ذلك. «أريدني شخصا ما» أصبحت غايتي أطلبها ببساطة يلمسها كلّ من لبّى نداء الحكمة، فأكل من طعامها وشرب من خمرها التي مزجتها.
هل من السّهل أن تصنع «شخصا ما» أو «شخصا اعتباريّا»؟ والجواب قد يبدو في ظاهره أسهل من أن تنجب طفلا باعتبار أنّ القطط كذلك قادرة على الإنجاب، فتصنع قططا مثلها. ولكن أن تصنع من الطّفل شخصا رجلا كان أو امرأة، أمر لا يختلف فيه عاقل والمسألة غاية في الصّعوبة دون ضمان النّتيجة التي قد تختلف باختلاف الأشخاص ونشأتهم في البيئة التي فرضت عليهم. ولولا هذا الاختلاف لكان النّاس من حولنا نُسخا مطابقة تماما للذّات الأولى. 
أنا «شخص ما» أختلف عنك وأختلف عن الجميع من قبْلِ ومن بعْدِ ولا أريد أن أشبه أحدا. هكذا نشأت، وهكذا أريد أن ينشأ نسلي إن قدِّر أن يكون لي نسل.
رحم اللّه آباءنا وأمّهاتنا، لم يعرفوا يوما مللا ولا كللا حتّى قضوا وهم يبنون أجساما ويحمونها من كلّ علّة، ويذكون عقولا يبغونها سليمة تشعّ من ذواتنا علما وحكمة. ومن لا يدرك ثمن وتكلفة نشأة «شخص ما» ما عليه إلاّ أن يقرأ ذلك في عيني والدته، كم من دمعا ذرفت، وكم من ليالٍ سهدت. أمّا مِنْ كتاب والدك، فقد يتطلّب منك أن تغوص في أعماقه أكثر؛ لتكتشف تصدّعات قلبه بعدد انكساراته. وإن كنت محظوظا تجد في ثناياه بعض الزّوايا المنيرة، فلو اقتربت منها أكثر ستقرأ على عنوانها إحدى نجاحاتك.  
من أجل هذا أراني مدينا لأسلافي الذين من أعمار أنقصت أطرافها دفعوا عنّي غاليا ثمن نشأتي. وأستحقّ اليوم إكراما لهم، أن لا أحد يصدّني ولا أحد يمنعني أن أصدح بصوتي حتّى لا يعلو عليه أي صوت إلاّ ما رضيت لنفسي. لم يثبت لي من القيم إلّا ما نبت بين شقوق الأرض. لقد كفرت بديمقراطيّة لا معنى لها سوى مصعد إلى السلطة. أي معنى لديمقراطية تذهب بصوتي بعيدا فلا تتجاوز أفقها ولا يعود رجع صداها إلا استبدادا ؟ أي معنى لحرية في حدّها أصبح مكبلا بشباكها؟ 
رجاءً، لا تسكتوا صوتي الذي يعبر عن ذاتي التي دفع ثمنها أمي وأبي وماتا لأكون «شخصا ما». أنا لا يمثّلني أحد سوى من انتخبت وإن كان والدي نفسه.