إقتصادنا

بقلم
د. المعز العيادي
أهمية تتبع الثروة الحيوانية ومنتجاتها كمشروع وطني لتحقيق الأمن ‏الغدائي ‏
 ‏1.مقد‏‎ ‎مة
إن ظهور العديد من الأمراض الحيوانيّة الوبائيّة عالميّا وبعض الأمراض المشتركة والمنقولة ‏بواسطة اللّحوم والتي تؤثّر سلبا على الإنتاج والصّحة العامّة أبرزت أهمّية التّرقيم الفردي ‏للحيوان منذ منشئه حتّى وصول منتجاته إلى المستهلك، وذلك للتّمكين من تتبّع ‏‎(Traçabilité)‎‏ ‏الحيوان ومنتجاته عند ظهور الأوبئة أو الأمراض المشتركة، وبالتّالي تحديد مصدر المرض ‏وامكانيّة القضاء عليه دون الإضرار بقطاع الإنتاج بشكل عام. لذا فإنّ غياب برامج التّرقيم ‏الحديثة للثّروة الحيوانيّة في الوطن العربي مثل التّرقيم الالكتروني بأنواعه المختلفة (أقراط ‏الكترونيّة، كبسولات سيراميكيّة، شرائح الكترونيّة)‏‎ ‎والتّرقيم الحيوي وعدم توفّر قواعد ‏معلومات للثّروة الحيوانيّة يُصّعِب من إجراء تتبّع الحيوانات ومنتجاتها عند ظهور الأوبئة أو ‏الأمراض المشتركة ممّا يوثّر سلبا على الصّحة العامّة للمجتمع العربي ويُعيق مشاريع إنتاج ‏الثّروة الحيوانيّة. لذا فمن الضّروري تبنّي نظام ترقيم حديث وشامل يمكن من خلاله إنشاء ‏قاعدة للمعلومات الهامّة لتحسين الإنتاج والتّمكين من تعقّب حركة الثّروة الحيوانيّة بين المناطق ‏المختلفة، حيث سيسهل هذا النّظام عمليّة تتبّع الثّروة الحيوانيّة ومنتجاتها ويمنح الثّقة للمستهلك ‏في المنتجات الحيوانيّة المحلّية ويضمن أيضا دخولها للسّوق الدّولي كمنتجات ذات جودة عالية ‏تخضع للمقاييس والشّروط العالميّة.‏
‏2 . تتبّع الثّروة الحيوانيّة‏‎ ‎ومنتجاتها
أوّل ظهور لكلمة «التّتبع» كان عام 1996 بعد ظهور مرض «جنون البقر» وبعض التّسمّمات ‏الغذائيّة كمركّب الدّيوكسين‎(Dioxin) ‎‏ حيث ثبت أهمّية معرفة المصدر الأصلي للمنتج الحيواني ‏لحماية المستهلك. وكذلك طبيعة الأسواق العالميّة للمنتجات الغذائيّة تحتّم المقدرة على التّتبع ‏العكسي للمنتجات الغذائيّة للإنسان والحيوان.‏
ويعرف التّتبع بأنّه إمكانيّة تتبّع المنتجات الحيوانيّة عكسيّا إلى المصدر الأساسي مع الأخذ بعين ‏الاعتبار مختلف خطوات الإنتاج والتّصنيع والتّوزيع. وفي عام 1998 تمّ تعريف التّتبع بناء ‏على نظام التّقييس العالمي ‏ISO9000:2000‎‏ بأنه القدرة على التعرف التاريخي والمكاني ‏للمنتج الغذائي. لذا فنظام التتبع يمكننا من التّعرف على جميع خطوات الإنتاج والتّصنيع من ‏المنتج حتّى نقاط البيع (1). وهذا النّظام يمكّننا أيضا من متابعة واضحة للحيوان وتنقّلاته ‏وطريقة ومكان ذبحه ومنتجاته. ويتمّ التّتبع أفقيّاً في حالة ظهور مرض معيّن على المستهلكين ‏حيث يمكن الرّجوع عكسيّا ومعرفه مكان وتاريخ حدوث المسبب. ويتمّ التّتبع رأسيًا في حالة ‏ظهور مرض على الحيوان وخروجه من مصدره حيث يمكن تتبّع الخطوات والتّنقلات التي ‏تعرض الحيوانات فيها للمسبّب(2).‏
ويتركّز تتبّع منتجات اللّحم على ركيزتين أساسيتين وهما(3) : التّرقيم الحيواني (التّقليدي ‏والالكتروني) واستعمال التّقنية الحيويّة الوراثيّة ‏‎(DNA)‎‏ للتّعريف بمصدر المنتج بعد ذبح ‏الحيوان. حيث يتمّ في برامج التّتبع أخذ عيّنة من دم الحيوان على كرت ورقي خاصّ مسجّل ‏عليه الرّقم الخاصّ بالحيوان والمرتبط بترقيمه الالكتروني بالكبسولات أو بالأقراط ، وعند ‏ظهور أيّ مشكلة مرضيّة أو تسمّم في المنتج (اللّحم) يتمّ أخذ عيّنة نسيجيّة من اللّحم وعزل ‏المادّة الوراثيّة وفي نفس الوقت تعزل المادّة الوراثيّة من دم الحيوان المأخوذ بالكرت الورقي ‏حيث تستخدم واسمات ‏‎(Markers)‎‏ جينيّة من 12-30 واسمه يتمّ من خلالها مقارنة تطابق ‏العينتين وبالتّالي يتمّ التّأكد 99.99 % من مصدر العيّنة. وتصل تكلفة التّتبع للعينة الواحدة في ‏اسبانيا من  10‏‎ ‎إلى 30 يورو(2). أمّا في كندا فتصل تكلفة التّتبع للعيّنة إلى 14 دولار كندي ‏‏(4). ‏
فهل هناك إمكانيّة تطبيق برنامج وطني لتتبّع منتجات اللّحوم الحمراء في الوطن العربي بصفة ‏عامّة وفي تونس بصفة خاصّة‎ ‎؟ ‏
ففي تونس يرتكز قطاع تربية الماشية أساسا على الأغنام (3.7 مليون وحدة أنثى) ‏والأبقار(402 ألف وحدة أنثى) والماعز(561 ألف وحدة أنثى) والجِمال (80 ألف وحدة أنثى) ‏حسب إحصائيّات ديوان تربية الماشية وتوفير المرعى (5). وقد قدّر إنتاج الحليب بـ 1376 ‏مليون لتر وبلغ إنتاج اللّحوم الحمراء 125 ألف طن في سنة 2017. حيث تمّ ترقيم بالأقراط ‏البلاستيكيّة لحوالي 102000 رأس بقر أي بمعدل 25,2‏‎ ‎‏% من مجموع عدد الأبقار الوطنيّة ‏وهو عدد ضعيف جدّا بالمقارنة مع العديد من البلدان الإفريقيّة والأوروبّية. ففي دراسة حديثة ‏‏(6) حول إمكانيّة تطبيق نظام تتبّع منتجات اللّحوم الحمراء بمنطقة الشّمال الغربي التّونسي من ‏خلال تقييم برنامج ترقيم الحيوانات المزرعيّة بالأقراط البلاستيكيّة. حيث أظهرت النّتائج التي ‏تمّ الحصول عليها أنّ ترقيم الحيوانات بالأقراط البلاستيكيّة لا يزال محدودا للغاية في منطقة ‏الشّمال الغربي (29 % من الأبقار و3 % من المجترّات الصّغرى مرقّمة) ممّا يعيق إمكانيّة ‏تطبيق برنامج لتتبّع الثّروة الحيوانيّة ومنتجاتها في تونس. كما أوضحت كذلك النتائج أنّ هناك ‏‏30‏‎ ‎‏% فقط من الحيوانات المذبوحة بالمسالخ البلديّة في أربعة ولايات الشّمال الغربي وهي ‏مرقّمة بالأقراط البلاستيكيّة من مجموع الحيوانات المذبوحة في سنة  2017. وهذا يعيق تعقّب ‏منتجات اللّحوم الحمراء عند ظهور أيّ مشكلة مرضيّة أو تسمّم ممّا يؤثّر سلبا على صحّة ‏المستهلك التّونسي. ‏
‏3 . أهمّية التّتبع في مراقبة الجودة:‏
‏ يُعدّ ترقيم الحيوان أحد أهمّ متطلّبات نظام الجودة حيث تتطلّب فعاليّة وجودة نظم التّتبع ‏شفافيّة ودقّة في تعقّب المنتج ومراقبة تنقّل الحيوانات خاصّة بعد تفشّي الأمراض التي تؤثّر ‏على المستهلك. ولكي يكون التّتبع قابلا للتّطبيق في تونس مثلا يجب أن تتضافر جهود جميع ‏أطراف خطوط الإنتاج المختلفة، وذلك بتغيير طريقة العمل وتكوين هيكل خاصّ في كلّ وزارة ‏معنيّة يتحكّم ويتابع خطوات التّتبع. لذا يلزم وضع قانون ينظّم خطوات التّتبع ويلزم كلّ ‏الأطراف المتداخلة بخطوات هذا النّظام بحيث يكفل هذا النّظام تحسين خواص المنتج التّجارية ‏والصّحيّة بما يرضي متطلّبات المستهلك. وتتلخّص خطوات هذا النّظام في ما يلي:‏
أولا: وجود ضوابط للمنتج (الاشتراطات الواجب توفّرها في المنتج من قبل هيئة المواصفات ‏والمقاييس)‏
ثانيا: تفعيل مراقبة الجودة للمنتج عن طريق رصد دوري لنقاط البيع بمراقبين متخصّصين. ‏
ثالثا: التّتبع للحيوان والمنتج في جميع خطوات الإنتاج وذلك باستخدام نظم ترقيم ومتابعة فعّالة ‏وحديثة.‏
رابعا: إمكانيّة التّصرف عند ظهور الأزمات وذلك بناء على سهولة البحث عن المعلومات ‏وتتبّع مصدرها.‏
‏4 . أهمية التّتبع كمشروع وطني:‏
يلعب التّتبع دورا هامّا في نظام الإنتاج الوطني حيث يتمّ من خلاله تفعيل عدّة جوانب أهمها:‏
أ- الأمن الصحي:‏
التّتبع يُمكن من التّخلّص من المنتجات الحيوانيّة غير الصّالحة للاستهلاك بسرعة ‏ودقّة.‏
تجنّب الاضطراب في قطاع الإنتاج عند وقوع مشكلة وذلك لإمكانيّة تتبّعها والسّيطرة ‏عليها.‏
ب- الجودة:‏
معرفة أسباب رفض المنتج‎.‎‏ ‏
تحقيق متطلبات وشروط الجودة للمنتج‎.‎
الحصول على أفضل طرق الإنتاج‎.‎
حصر أصول المنتج‎.‎
جـ- الدّعم اللّوجستي: ‏
يحسن كفاءة التّصرف وإدارة المخزون من المنتج
يمكن من تتبّع نقل وتوزيع المنتج مباشرة وبدقّة
معرفة طرق التّوزيع المختلفة المتوازية.‏
د- الشّؤون القانونيّة:‏
احترام الأنظمة
يساعد في التّعرف على المسؤوليّات
يساعد في القضاء على غشّ المنتج
هـ- التّسويق:‏
حماية العلامة التّجارية للمنتج
تحسين خدمة العملاء
إضافة قيمة إلى المنتج (ميزة تنافسية)‏
‏5 . الخلاصة :‏
يعتبر ترقيم الحيوانات الزّراعية الرّكيزة الأساسيّة لأيّ نظام تتبع للمنتجات الحيوانية. لذا فإنّ ‏تطبيق الطّرق الحديثة للتّرقيم الحيواني مثل التّرقيم الالكتروني بأنواعه المختلفة والعمل على ‏توفير قواعد معلومات للثّروة الحيوانيّة سوف يسهل مستقبلا من إجراء تعقّب للحيوانات ‏ومنتجاتها عند ظهور الأوبئة أو الأمراض المشتركة، ممّا سيكون له أثر إيجابي على جودة ‏المنتج والصّحة العامّة للمجتمع وهذا النّظام سيمنح الثّقة للمستهلك في المنتجات الحيوانيّة ‏المحلّية ويضمن منافستها للمنتجات العالميّة.‏
الهوامش :‏
‎(1)‎ San Cristobal-Gaudy, M., Renard, G., Amigues, Y., Boscher, M.Y., Leveziel, ‎H. and Bibe, B. 2000. Traçabilité individuelle des viands bovines a l´aide de ‎marqueurs génétiques. INRA Prod. Anim., 13(4): 269- 279.‎
‎(2)‎ Caja, G., Ghirardi J.J., Hernandez-Jover M., Bocquier F., 2006. Utilisation des ‎bolus électroniques pour la traçabilité des ruminants : état de la technique, ‎mise en place et évaluation en ovins et bovins. Rencontres Recherches ‎Ruminants 13 : 163- 166.‎
‎(3)‎ Arana, A., Soret, B., Lasa, I. and Alfonso, L. 2002. Meat Traceability using ‎DNA markers: Application to the beef industry. Meat Science, 61: 367- 373.‎
(4)‎ AAFC., 2007. Agriculture and Agri-Food Canada. Cost of Traceability in ‎Canada: Developing a Measurement Model. AAFC, Ottawa, Canada. pp:1-‎‎40‎‏.‏
‎(5)‎ Office de l’élevage et des pâturages. 2017. www.oep.nat.tn ‎
‎(6)‎ ‏ ‏Ayadi Moez, Ghouzayel Embarek, Abdallah Touati, Abdelaziz Souli. 2017. ‎Evaluation du système d’identification des animaux d’élevage dans le Nord-‎Ouest de la Tunisie. 2eme Rencontre de, Le Lait: Vecteur de Développement, ‎‎10- 12 Mai, Rabat, Maroc. ‎pp. 46