تمتمات
بقلم |
رفيق الشاهد |
حالة وعي |
هل صحيح أنّ الشّعب العربي يمرّ اليوم بحالة وعي حقيقيّة، أم أنّه لا يبدو إلاّ حالما وسرعان ما تزول النّشوة وتعود حليمة لعادتها القديمة؟ السّؤال يبدو بسيطا ولكنّه في الحقيقة معقّد ويتعقّد أكثر كلّما تذكّرت طرفا آخر يهتم بالمسألة ويمكنه أن يتأثّر منها أو يؤثّر فيها. ورغم ذلك تمرّ البلاد العربيّة بتجربة نادرة قلبت المفاهيم القديمة وقد لا يأتي منها إلاّ خير باعتبار أنّ شعبنا خسر كثيرا وباستمرار وفي كلّ الحالات لا يمكنه أن يخسر أكثر من ذلك، إلاّ إذا ما استمر الحال على ما هو عليه، فعندها لا غالب ولا مغلوب وتستنزف كل القوات شيئا فشيئا تنفيذا لمخطّط أحد المهتمين الواقعيين الذين لا يحلمون فقط بل يعيشون حلمهم في اليقظة المستمرة.
لتونس صورتان لوعي جماعي، صورة الحاضر التي تعكس انكسار الرّؤى على رصيف الدّولة، فتتلاطم أمواج الإنعتاق وتعلو متعانقة، فلا أفهم عناق حبّ وود أم عناق حقد وضغينة ثم تنخفض في كلّ مرّة وتنزلق إلى السّطح فلا يبقى من أثرها إلاّ الزبد ويظلّ رصيفنا هادئا يهدهد صفحة الماء ويحتويها كما كان يفعل منذ أن وضعت أسسه.
أمّا الثّانية فهي صورة المستقبل التي تقرأ على وجوه أبنائها. تونس اليوم تعيش عودتها المدرسيّة والعودة البرلمانيّة وأخرى قضائيّة بعد أن أجرت امتحاناتها السّنوية والامتحانات الفرعيّة المستمرّة في انتظار امتحانات آخر المشوار عاصفة جديدة تحرّك الأمواج من جديد لعلّها تدفع بكاسراتها إلى رصيف آخر جديد.
على خطى ذلك الفتى وتلك البنت اللّذان يتطلعان كل صباح إلى ما وراء الأفق بحثا عن صورة لم يلفاها إلا على شاشة التلفاز وفي المجلات، أما الكتب المدرسية فقد أصبحت هي أيضا من الواقع المشحون بالأسى والمرارة. انطلقت تونس بقلب ينبض بالأمل والخوف، ممزق بين شيع ترفع شعارات الكرامة ورفعة النفس وأخرى ترمي بتحذيرات من استعمار جديد قادم من وراء البحر وشُيع أخرى ما فتئت تمجد الماضي الذي مضى وولى.
يقول ابن سيناء: «الزّمن ينسي الأوجاع ويطفئ نار الثأر ويريح من شدّة الغضب ويكتم أنفاس الحقد. فاجعل الماضي كأنّه لم يكن البتّة».
إنّني أخاف أن تفتح أبواب الماضي على مصراعيها فيغرقنا التّيار الجارف للتّاريخ بالمآسي والأوجاع والظّلم والظّلمات التي بين دفتيه. ألا فلا تفتحوا هذه الأبواب واتركوها في المتاحف حتّى نقرأ منها الصّفحات الزّاهية فقط ولا يصيبنا منها إلاّ ذكرى الانتصارات التي لن تمسح آثار الدّمار. كتاب التّاريخ ورقاته شفافة تتناظر الكلمات على صفحتي كل ورقة.
ماذا أعِدّ لهؤلاء لبدء يوم طويل مع معلّم يحمل الهموم خلف هذه الأبواب؟ المهمّ بقاعة الفصل سبورة حشرت بكلّ تفاصيل الدّرس السّابق، فتداخلت حتّى قد لا يفهمها إلاّ عزّام قارئ الطّلاسم والأحجية. المعلّم النّبيه يقرأ جيّدا ويحلّ ألغاز سبّورته فيلمسحها ويشرع في الدّرس الجديد.
|