الافتتاحية

بقلم
التحرير الإصلاح
افتتاحية العدد 147
 ليس من باب الصدفة أن يُخصّص في هذا العدد الجديد من مجلّة الإصلاح عدد من المقالات حول الساحة السياسيّة التونسيّة لما أصابها من زلزال من جرّاء الانتخابات الرئاسيّة والنتائج التي أفرزتها، زلزال سيعصف بمنظومة سياسيّة بأكملهاوسيكون له تأثير كبير على مستقبل البلاد والعباد ليس في تونس فحسب بل المنطقة العربيّة برمّتها. فحاول المهندس فيصل العش من خلال  مقال عنوانه «انتصار مرشّح الشّباب... هل هي بداية التّغيير ؟» النظر  إلى هذا الزّلزال من زاوية مشاركة الشّباب ومدى مساهمته في حدوثه. وتحدّث عن عودة  هذه الفئة المجتمعيّة إلى السّاحة السياسيّة بعد أن غيّرت أسلوب تعبيرها عن غضبها وسخطها فانقلب من المقاطعة إلى المشاركة  الأمر الذي أدّى إلى انتصار مرشّحها الأستاذ قيس سعيّد بالمرتبة الأولى وترشّحه إلى الدّور الثاني والحاسم ليختم مقاله بتساؤل جدير بالبحث والتنقيب « هل يعتبر انتصار مرشّح الشّباب... بداية التّغيير ؟ وهل باستطاعته مساعدة هؤلاء الشّباب على تحقيق رغبتهم الشّديدة في التّغيير أم سيكتشف الجميع أن الفوارق شاسعة بين الحلم والواقع»؟.  وكتب المستشار لطفي الدهواثي في ركنه المعتاد  «قبل الوداع» عن الموضوع نفسه معتبرا أنّ نتيجة الانتخابات كانت صادمة و لكنّها كانت كذلك معيارا يمكن بواسطته تقييم الجهد الذي بذل من طرف النّخب والأحزاب والدولة ومؤسّساتها للإحاطة بالفقراء والمهمّشين وغيرهم من ذوي الحاجة من النّاس، ليستخلص في الأخير إلى أنّ النتيجة لا تخرج عن أمرين إمّا صدمة أو غباء، فيقول: «إن كان هذا الجهد كافيا فهي الصّدمة وإن كان دون المأمول أو ضعيفا أو غائبا فلا وجود للذمّة وإنّما هو الغباء».
وفي مقال عنونه : «انخرام الأخلاق وانهيار الأحزاب في تونس « يتحفنا الدكتور عزالدين عناية بأسلوبه الرائع بحديث عن الممارسة السياسيّة في تونس التي خرجت على حدّ تعبيره من طور عقيم قبل الثّورة إلى آخر سقيم بعد الثّورة، ‏وإن رُوعيت في العمليّة الأخيرة مقتضيات الدّيمقراطية الشّكليّة. ويرى أنّ الطبقة السياسيّة التونسيّة تتقاسم خللا فاضحا يتمثّل في ‏تزعزع الصّلة الوثيقة لديها بين السّياسة والأخلاق، بين الفعل السّياسي والرّصيد القِيَمي. حتّى ‏بدت العمليّة السّياسيّة شريدة، لافتقادها ذلك الرّأسمال المعنوي، ولا تمتّ إلى الوعي الجمعي ‏بصلة. وينبع هذا «الخواء الخلقي» المستشري حسب الدكتور عناية من أمرين:‏ الأول متولّد من هشاشة «الثّقافة السّياسية» لدى كثير من «السّاسة الجدد»، والثاني بنيوي، بما أنّ  الأمر في جانب منه مورَّث من حقبة سياسيّة مضطربة باتت فيها العملية السّياسية مسكونةً بالرّعب والخوف والتّوجس.
ولأنّ الأزمات السّياسيّة لها تداعيات سلبيّة كبيرة على الاقتصاد، تساءل الباحث نجم الدين غربال عن مستقبل العملة التونسيّة ومدى قدرتها على الصمود واسترجاع أنفاسها مؤكّدا أنّ «انقاذ الدّينار التونسي من الانهيار يمرّ حتما عبر خلق مناخ من الاستقرار والثّقة والعمل والتّعاون مع مقاومة الفساد ووضع سياسات تخدم استراتيجية وطنية ‏للنّمو والتّنمية».
وفي العدد مقالات أخرى لا تقلّ أهمّية متنوعة تتوزع بين الفكر والأدب والتاريخ مع قصائد شعريّة ورسوم كاريكاتوريّة نتمنّى أن تنال رضاء القراء الأعزّاء وتشبع تعطّشهم إلى ما هو مفيد وبنّاء.
قراءة ممتعة ...