شخصيات الإصلاح

بقلم
التحرير الإصلاح
الدكتور حسن حنفي مفكر يبحث عن إجابة لسؤال النهضة
 ضيفنا في هذا الركن «أخواني شيوعي» حسب تصنيف وزارة الدّاخليّة المصريّة. إنّه المفكّر والمؤلّف والكاتب وعالم الفلسفة المصري الدكتور حسن حنفي. هو أحد أبرز المفكّرين العرب المعاصرين، صاحب مشروع «التراث والتجديد» وأحد منظري تيار اليسار الإسلامي أو ما يسمّى بالإسلاميين التقدّميين، له تكوين فلسفي ثريّ جمع بين التراث القديم والمذاهب الفلسفيّة الحديثة والمعاصرة ويعتمد في بحوثه بشكل أساسي على مناهج التأويل والظاهرتية.
ولد حنفي في 13 فيفري 1935م بمدينة القاهرة لأسرة تعود أصولها إلى بني سويف، وكان يهوى الموسيقى والرّسم طفلاً، قبل أن يبرز ميله إلى الفكر والفلسفة. قضّى حنفي طفولته بالقاهرة وتعلّم بالكتّاب ثمّ بالمدرسة الابتدائيّة فالثانويّة ثم التحق بجامعة القاهرة لدراسة الفلسفة في فترة تُعدّ بداية التحوّل الأكبر في تاريخ مصر السياسي بين 1952 و1956. تحصّل عام 1956 على ليسانس الآداب في الفلسفة ثمّ سافر إلى فرنسا في نفس العام على نفقته الخاصّة للدّراسات العليا، حيث حصل على الماجستير ثم على درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة السوربون وذلك برسالتين للدكتوراه قضّى في إعدادهما عشر سنوات(1956-1966)، وقد قام بترجمتهما إلى العربية ونشرهما في عام 2006 م تحت عنوان: «تأويل الظاهريات» و«ظاهريات التأويل»،.
ابتداء من عام 1967 عمل مدرسا بكلية الآداب جامعة القاهرة. في ‏الفترة من عام 1971 إلى عام 1975 عمل في جامعة تمبل بالولايات ‏المتحدة، ثم عاد لجامعة القاهرة في الفترة من عام 1976 إلى عام 1981، ‏وانضم خلالها إلى حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي، وهو الحزب ‏اليساري المعروف. في سبتمبر عام 1981 فصل من الجامعة مع من فصلوا ‏من أساتذة الجامعات الذين عارضوا معاهدة السلام مع اسرائيل، ولكنه عاد ‏إلى التدريس في أفريل عام 1982. عمل حنفي بجامعة محمد بن عبد الله ‏بفاس لمدة عامين (1982-1984)، ثم انتقل بعدها للعمل بجامعة طوكيو ‏باليابان في الفترة بين (1984-1987)، كما عمل مستشارا لبرامج البحث ‏العلمي لجامعة الأمم المتّحدة في طوكيو أيضا. عاد إلى القاهرة عام ‏‏1987، حيث أشرف مع آخرين على إعادة تأسيس «الجمعيّة الفلسفيّة ‏المصريّة» عام 1989 وشغل منصب السّكرتير العام للجمعيّة منذ ذلك التّاريخ.‏ 
يعتبر حسن حنفي من مؤسّسي ما عرف بـ «اليسار الإسلامي»، إذ أصدر عام 1981 مجلّة تحمل اسم «اليسار الإسلامي» وفيها بيّن المقصود منه وأهمّ مبادئه وأفكاره... كما يعتبر مشروع «التراث والتجديد» القاعدة الفكريّة لهذا التيّار.
يعتبر حسن حنفي أن اليسار الإسلامي هو النقد الذاتي للحركة الإسلاميّة وهو التّيار المعارض والمصحح داخل هذه الحركة الإسلامية، كما أنه يجب إحياء الجوانب الثّورية في الدّين وتأويل كل حدث على أنه ثورة، إذ يقول: «ومهمة اليسار الإسلامي الكشف عن العناصر الثورية في الدين أو تأويل الدين على أنه ثورة، فالدين في ذاته ثورة وكان الأنبياء ثواراً مصلحين ومجددين فقد مثل إبراهيم ثورة العقل ضد التقاليد وثورة التوحيد ضد التجسيم، ومثل موسى ثورة التحرر ضد الطغيان, وكان محمد ثورة الفقراء والعبيد والمضهدين ضد الأغنياء وسادة قريش وطغاتها من أجل إقامة مجتمع حرية وإخاء ومساواة، ويؤرخ القرآن للنبوة على أنها ضد المفاسد الإجتماعية والخلقية (..) وقد ذخر التاريخ الإسلامي بالثورات الدينية والإجتماعية والسياسية مثل ثورة القرامطة وثورة الزنج في تاريخنا القديم والحركات الإصلاحية كالسنوسية وثورة الجزائر وعمر المختار» 
ترجع جذور مشروع «التراث والتجديد» عند حنفي إلى مرحلة ‏الدراسة لدرجة الدكتوراة في باريس.‏ حيث اختار حنفي «علم الأصول» موضوعا ‏للدكتوراه في باريس عام 1956، وكان متأثرا بفكر الإخوان المسلمين حيث كان يقرأ لأبي الأعلى ‏المودودي «منهاج الانقلاب الإسلامي» وسيد قطب «خصائص التصور ‏الإسلامي ومقوماته»‏ ثم ونتيجة للحوار والتلاقح مع ‏أساتذته الغربيين أي بين فكرتين متباعدتين، أحدهما إسلاميّة، تعبر ‏عن وجود منهاج عام إسلامي، والأخرى غربيّة تعبر عن أدوات منهجية ‏حداثية، طرح التساؤل عن كيفيّة التحول إلى الحداثة ‏‏ «الفكرية»، مع الحفاظ في نفس الوقت على جوهر الفكر العربي ‏الإسلامي. وهذه الفكرة طرحت في فكر النهضة بصور متعددة أبرزها ‏قضية الأصالة والمعاصرة. وكانت الاستجابة في المرحلة الأولى لفكر ‏النهضة العربيّة (أي منذ الثلث الأول للقرن التاسع عشر الميلادي إلى ‏عام 1976 تقريبا) في الأغلب سطحيّة فيما سمّي في الكتابات المتأخّرة ‏بالتّوفيقية. ويرى حنفي أنه من الممكن إيجاد حلّ أكثر عمقا من خلال ‏مشروعه.
وقضية «التراث والتجديد» هي أيضا قضية إعادة الاحتمالات في المسائل ‏المطروحة، وإعادة الاختيار طبقا لحاجات العصر، فلم يعد الدّفاع عن ‏التّوحيد بالطريقة القديمة مفيدا ولا مطلوبا، فكلنا موحدون منزهون، ولكن ‏الدفاع عن التوحيد بأتي عن طريق ربطه بالأرض، وهي أزمتنا ‏المعاصرة. (التراث والتجديد –ص 21)‏
يدلّل حنفي على وجهة نظره بضرورة أن يكون التّحول إلى الحداثة ‏في الفكر (أي نحو المناهج الحديثة) معتمدا على أسس نظريّة من داخل ‏الذات (أي التّراث) من أجل تجنب التّوفيقية السّطحيّة.
وإذا كان الدافع نحو المشروع هو تجاوز الفكر التوفيقي والأداة هي المناهج ‏الحديثة فإنّ الهدف هو التّوصل إلى بدائل «نظريّة» جديدة تكون مؤسّسة ‏في التراث ولكنها في نفس الوقت تعطينا مساحة أوسع أو إمكانيّات أكبر ‏للتّحول نحو الحداثة.
وبشكل أكثر تحديدا تظهر الغاية التي اختارها حنفي والتي يرى ‏أنّها تحقّق الهدف المنشود (تجاوز التّوفيقية من خلال التجديد «النظري» من الداخل)، وهي تحويل العلوم القائمة على الوحي (القرآن ‏الكريم والسنة النبوية) إلى علم (أو منظومة مترابطة من العلوم) ‏بالمعنى الحديث المرتكز على العقل والتجربة.
تحقيق هذا الهدف الطموح يتطلب ما يلي: أولا، تحديد الإطار النظري ‏المختار من التراث للعمل عليه. ثانيا، تحديد المناهج المختارة من فكر ‏الحداثة التي سيتم الاعتماد عليها. ثالثا، استخدام كليهما لمعالجة قضايا ‏التراث «المهمّة» التي لها أثر كبير على فكرنا وسلوكنا المعاصر. وكان الفكر الاعتزالي هو الإطار النظري المختار، كما كانت ‏مناهج الظاهراتية والتأويل هي المناهج المختارة.أمّا موضوعات التجديد، فهي بالطبيعة موضوعات ‏علوم التراث. ولكي تتحدد طبيعة وحدود عملية التجديد (أي التحول نحو ‏الحداثة) يلزم وجود تصور «ذاتي» (أي عربي/إسلامي) لمفهوم الحداثة، ‏وهذا يتطلب طرح فكر الحداثة «الغربية» كموضوع. وأخيرا يلزم تطبيق ‏هذه التصورات التراثية/الحداثية في نفس الوقت على قضايا الواقع. في ظل ‏هذه المتطلبات يظهر المخطط العام لمشروع «التراث والتجديد» بشكل ‏طبيعي. ‏
يحمل مشروع «التراث والتجديد» هموم الإنسان فكرا وواقعا ووطنا في العالم العربي المعاصر، وهو يقاوم لإبداء الموقف الحضاري من التراث العربي الإسلامي ومن التراث الغربي ومن الواقع بأبعاده الاجتماعية والسياسية والأخلاقية والثقافية والفكرية والفلسفية، ويعكس هذا الصراع والاجتهاد حاجة الإنسان المعاصر في عالمنا العربي والإسلامي إلى نظرية تفسّر الواقع، وهو اجتهاد يتمّ بصورة لا تخلو من الانسجام والنسقية بين الجبهات التي فتحها المشروع، وهو شرط التخلّص من التّخلف الفكري والاجتماعي، الانسجام بين العقل والتراث والواقع والآخر. 
وللدكتور حسن حنفي كتابات كثيرة  حيث نشر أكثر من 58 كتابا نذكر منها: «نماذج من الفلسفة المسيحيّة في العصر الوسيط» (1968)، «في فكرنا المعاصر» (1976)، «التراث والتجديد» (4 مجلدات) (1980)، «اليسار الإسلامي» (1981)، «مقدمة في علم الاستغراب» (1988)، «من العقيدة إلى الثورة» (1988)، «الدين والثورة في مصر» (1989)، «من النقل إلى الإبداع» (9 مجلدات) (2000-2002)، «من النص إلى الواقع» (2003-2004)، «من الفناء إلى البقاء» (2009)، «من النقل إلى العقل» (2010).
كما ترجم عدداً من الكتب أبرزها‎: «نماذج من الفلسفة المسيحية» (الإسكندرية 1968)، «‎رسالة في اللاهوت والسياسة ـ اسبينوزا» (القاهرة 1973)، «‎تربية الجنس البشري ـ لسنج» (القاهرة 1977) و«‎تعالي الأنا موجود ـ سارتر» (القاهرة 1977).
وله العديد من المقالات في المجلات والمواقع العربيّة والدوليّة.‏