حوارات

بقلم
التحرير الإصلاح
حوار مع الدكتور ناجي الحجلاوي
 د.ناجي الحجلاوي، أستاذ مساعد بالمعهد العالي للحضارة الإسلامية بجامعة الزيتونة.  ولد سنة ثلاث وستّين تسع مائة وألف في ريف «قطرانة» أحد‎ أرياف مدينة سيدي بوزيد أين‎‏ زاول تعليمه الابتدائي بمدرسة تبعد عن المنزل الذّي قضّى ‏فيه طفولته مسافة ثلاثة كيلومترات يقطعها ذهابا وإيابا على القدمين، وكان الحرّ ‏والقرّ يفعلان به وببقيّة التّلاميذ  ما شاء له أن يفعل، وكانت عائلته دون خطّ الفقر. كان ‏الأب مزارعا بسيطا ثمّ حوذيّا، مسؤولا عن عشرة أشخاص، وكان «ناجي» يتمتّع بالمطالعة وحفظ ‏الدّروس أثناء رعي النّعاج أو خرفان. وكان ذلك دأبه كلّ عطلة ولا سيّما عندما كان يعود ‏من المعهد الثانويّ الذّي انتقل إليه في مدينة سيدي بوزيد- مركز الولاية - على بعد عشرين كيلومترا من البيت. قضّى «ناجي» بهذا المعهد سبع سنوات درس فيها الجذع المشترك ثمّ شعبة الآداب إلى أن نال ‏شهادة الباكالوريا سنةً اثنتين وثمانين. وتحوّل إلى العاصمة حيث درس العربيّة بكلّيّة الآداب. انفتح العقل على الدّرس الحضاري وتتالت الأسئلة وعلى ‏رأسها سؤال شكيب أرسلان: لماذا تخلّف المسلمون وتقدّم غيرهم؟ وفي إطار البحث والدّرس ‏بدأ التّأليف وبدأت الكتابة.‏
(1)
«التّفسير بين النّظر والأثر، الطّبري والجُبّائي أنموذجـــا» هو عنوان أطروحة الدكتوراه في اللّغة والأدب التي قمتم بإنجازها، فما الذي دفعكم إلى اختيار موضوع تفسير القرآن في هذا الوقت؟ ولماذا اخترت الطبري والجبائي بالذّات كنموذجين؟‏
مازال القرآن نصًّا مقدّسا. والقدوس اسم من أسماء الله تعالى ومعنى ذلك الحيـــاة. ‏فالنّصّ القرآنــــي حيّ علـــى مرّ الأزمنـــة يفعل فعله في العقل البشري، يستفزّه ويستثيره. ومن ‏ذلك تنبع الأسئلة وتتولّد الثّقافة. وقد كان همّ «محمّد علي باشا» من البعثات العلميّة إلى فرنسا ‏هو أن يعيــدوا النّظر في فهم القرآن الكريم عندمــا يتسلّح العلماء بالمناهج الحديثة، بالإضافة إلى ‏كونه كتابا يؤثّر في عدد غير قليل من سكّان هذا العالم. وقد استمرّ هذا التّأثير خمسة ‏عشر قرنا ممّا يدعو إلى التّساؤل عمّا يحتويه هذا الكتاب حتّى يدوم هذا الدّوام ويستمرّ ‏تأثيره هذا الاستمرار.‏
‏ ولعلّ من أوجه الإجابة هو أن ينظر المرء إلى كيفيّة فهم القدامى لآيات هذا ‏الكتاب ولمّا توزع القدامى سياسة وفكرا وعقائد، فقد كان أجدر بالدّارس أن يقارن بين ‏علماء هذه الفِرق وكان الاختيار على أهل السّنة ويمثّلهم الطّبري المقتول والمعتزلة ‏ويمثّلهم أبو علي الجبائي المضطهد ولم يكن الفارق الفكري والثّقافي بينهما كبيرا لأنّ ‏أدوات المعرفة الدّينيّة لديهما واحدة.‏
(2)
ما هي الإشكاليّة الرئيسيّة التي قام عليها بحثكم؟ 
إنّ كلّ بحث جاد ومفيد ينطلق من إشكاليّة منها يبدأ وإليها يعود. وإشكاليّة هذه ‏الأطروحة تتمثّل في: هل أنّ المعرفة الدّينيّة النّابعة من القرآن واحدة وعلى وجه موحّد ‏عند الفِرق الإسلاميّة وعندئذ تكون عزف على وتر واحد أم هي متعدّدة ومتنوّعة؟ ‏
ولقد أفضى البحث إلى الوقوف على بعض الفوارق وأبان عن الاتّفاق الكبير فــي اتّباع ‏آليات التّفكيــر. وإذا كان أهل السّنّة يغلّبون الأثر وأهل الاعتزال يغلّبون النّظر فإنّهم يتّفقون ‏في الهيكل العام لأنّهم يتّبعون الآليات ذاتها كعناصر ما سمّي لاحقا بعلوم القـرآن. وإذا ‏ركّز أهل الأثر على إنتاج ثقافة دينيّة اعتقاديّة تركّز على العبادات فإنّ أهل النّظر ‏يركّزون على إنتاج ثقافة دينيّة متقلّبة كالحياة بين جدليّة الافتراض والبُرهان.‏‏
(3)
لكلّ بحث منطلقات ومراجع ، ما هي المراجع الأساسيّة التي اعتمدتموها في بحثكم؟
لكلّ بحث مصادر ومراجع. والمصدران في هذا البحث هما تفسير الطّبري وتفسير أبي ‏علي الجبّائي. وإذا كانت تفاسير المعتزلة قد أُحرقت فإنّ الباحث الفرنسي دانيال جيماريه‏‏ والباحث اللّبناني الخذر محمّد نبها قد رمّما ما أُتلف من هذه التّفاسير. وحول المصادر ‏تؤلّف كتب تسمّى بالمراجع وفائدة المراجع أنّها تفسّر المعاني وتتوسّع في بيانها وإن ‏كانت تعبّر عن آراء أصحابها.
(4)
ما هي أهمّ نتائج البحث؟‏
لكلّ بحث علميّ نتائج يقف عليها الدّارس. وهي تمثّل زبدة المجهود المبذول ‏ودونها يبدو البحث عملا عابثا. ولعلّ من أهمّ ما توصّل إليه هذا البحث هو أنّ سنن ‏التّفكير واحدة من بين الفِرق الإسلاميّة التي طالما كانت تدور في فلك واحد من التّعامل مع ‏اللّغة والقناعة بضروب التّفكير في النّصّ القرآني إضافة إلى قصور هذه المداخل المعتمدة ‏في تفسيره ولذلك لا يجد النّاظر اتّفاقا واحدا بين المفسّرين  في عدد المنسوخات ‏والنّاسخات ولا في نوع المُتشابهات أو المُحكمات. والخاص عند هذا عامّ عند ذاك فجاء ‏الوعي الدّيني هشّا هزيلا والغريب يكمن في الاعتقاد بكونه يمثّل ذروة التّقدّم في المعرفة ‏فكان الجهل بذلك مقدّسا عل حدّ عبارة أوليفيه روا.‏
(5)
ما هي الخطوات القادمة التي تنوون القيام بها لمواصلة بحثكم في الموضوع؟‏ ‏
على الدّارس أن يبحث ويستمرّ في بحثه، ولا يدري أين يقوده البحث، فهي مغامرة العقل ‏والمغامرة سمّيت كذلك لأنّها مجهولة النّتائج وعلى أيّة حال فبعد الأطروحة أصدرتُ ‏كتابيين: الأوّل بعنوان: «المنهج المعتزلي في التّفسير» والكتاب الثّاني «أعطاب المنهج في ‏كتب التّفسير» إلى جانب بعض المقالات التّي نشرت محلّيا وعربيّا ونرجو من الله الصّحّة ‏والتّوفيق لمواصلة البحث عساه يسفر عن ثمرات تأليفيّة أخرى.
(6)
كلمة الختام؟
كلمة الختام الشّكر الجزيل على هذه المقابلة والمحاورة الشّيّقة وأرجو لمجلتكم - مجلّة ‏الجماهير الواعدة بالوعي العميق بقضايا الإنسان - مزيدا من التّألّق والتّفوّق والاستمرار فمشكلة ‏المجلّات لا تكمن في ظهورها ولكنّها تكمن في عمرها الذّي غالبا ما يراد له أن يكون قصيرا. ‏ولكنّ الإعلاميّة قصرت المسافات وكسّرت الحواجز، ومَدّت أواصر العلاقات وجسور ‏التّواصل والتّقارب. وفيما يتعلّق بالوعي الدّيني النّابع من القرآن فهو مسار طويل يتطلّب ‏مجهودا جماعيّا، واختصاصات متضافرة لأنّ نظريّة المعرفة المكنونة في القرآن أشدّ على ‏الفرد من أن يضطلع بالكشف عنها‏.