رأي للنقاش

بقلم
عبدالحق الحوتة
نقطة نظام! ودعوة إلى التعقل والتفكر قبل إصدار تهمة الإرهاب! ‏
 إنّ قتل الأبرياء محرّم دينيّا ومُدان قانونيّا وحقوقيّا بكلّ لغات الكون. والإرهاب جريمة بشعة لا تشفي كلّ عبارات الإدانة الغليل بشأنها بل ‏تستوجب أقسى العقوبات في الإسلام كما قال تعالى في سورة المائدة: «إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ»(1) وأي إفساد أكبر من ترويع الآمنين وقتل أنفس بريئة اعتبرها القرآن قتلا للنّاس ‏جميعا باعتبار وقعها على إحساس العباد وأمن البلاد كما ورد في قوله تعالى:«مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا»(2) هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ هذا الفعل الإجرامي الشّنيع لا يمتّ إلى ثقافة المسلمين حقّا وقيمهم وتعايشهم وحسن ‏معاملتهم للآخر كما يشهد بذلك تاريخهم الطويل واعترافات القاصي قبل الدّاني.  لكن لماذا كل ما ارتكب شخص مجرم ويعاني من كلّ مظاهر التخلف ‏النفسي والاجتماعي والحضاري ــ كما يعبر عن ذلك وجه وشكل الإرهابيين ــ وينتمي إلى المسلمين (وليس إلى الإسلام حقا) فعلا إجراميّا إلاّ واتهم الإسلام والمسلمون كلّهم بالإرهاب والتّطرف؟  ألا يدلّ ذلك على نيّة مبيتة لاستغلال ظواهر إنسانيّة شاذّة عابرة ‏للإيديولوجيات للنّيل من الآخر؟ وعلى حاجة في نفوس هؤلاء المتشدّقين بثقافة الاختلاف وقيم التّسامح والتّعايش؟ ألا نعتبر بناء على ‏استعمال نفس المنطق والتّحليل والاستنتاج اعتبار كلّ الدّيانات والإيديولوجيّات والفلسفات و.. متطرفة وإرهابيّة؛ لأنّ بعض من ينتمي ‏إليها ارتكب فعلا إجراميا ما؟ فكم من يهودي وصهيونيّ ومسيحي وعلماني وبوذي ولاديني... ارتكب فعلا إجراميا ما في حقّ المسلمين ‏أوفي حقّ الإنسان بغض النّظر عن انتمائه؟ وكم من إنسان قتل بأمريكا وفرنسا وهولندا وألمانيا..؟ لماذا لم تتّهم المسيحيّة والمسيحيّون أو ‏اليهوديّة واليهوديّون أو العلمانيّة والعلمانيّون أو أيّ أيدولوجيّة ما بالإرهاب والتّطرف؟ وكم من إنسان قتل ويقتل يوميا بالسّلاح الغربي ‏الحقوقي والمتنور...في فلسطين والعراق واليمن وسوريا وإفريقيا...والقائمة طويلة؟! من المسؤول عن قتل هؤلاء؟ أم أنّ بعض القتلى من ‏النّاس بشر وبعضهم حشرات لا قيمة لها بناء على الانتماء الأيديولوجي واللّغة والجنسيّة والبلد.؟ لماذا عندما يرتكب أمريكي أو أوروبي ‏فعلا إجراميّا بشعا يقولون عنه أنّه حدث معزول صادر عن شخص مضطرب نفسيّا ومختلّ عقليّا ولا يتعلق بكلّ الشّعب والأمّة التي ينتمي ‏إليها؟ لماذا كلّ هذه الازدواجية والكيل بمكاييل في التّعامل مع النّاس أحياء وأمواتا؟ 
ثم لماذا لم يتّفق العالم بعد على تعريف محدّد ودقيق ‏للإرهاب قانونيّا وحقوقيّا وتركه حمّالا لمعاني يستخدمه كلّ من يريد تصفية حساباته مع الآخر المعارض له؛ لتحقيق مصالح وأهداف سياسيّة ‏واقتصاديّة وعسكريّة معينة؟ والأمثلة على ذلك كثيرة. 
ثم أين صوت بعض الجمعيّات الحقوقيّة وبعض السّياسيين والقضاة والمحامين ‏والإعلاميّين...الذين صدعوا رؤوسنا بمطالبتهم بإلغاء عقوبة الإعدام لأنّها قاسية؟ ما نوع العقوبة التي يقترحونها في حقّ هؤلاء المجرمين: هل هو الحبس ‏فقط؟ أم الإعدام كما تنصّ على ذلك شريعة الإسلام وتنادي بذلك أغلبيّة الشّعوب الآن؟ هل موقفهم نابع من قناعة قانونيّة وحقوقيّة أم ‏على توجّه ما؟ لنعرف رأيهم وموقفهم للحقيقة والتّاريخ فقط. 
هذه مجرد تساؤلات لا أريد من خلالها أجوبة بقدر ما ألفت بها النّظر إلى ‏ضرورة إعمال العقل في تحليل وفهم ما يقع من حولنا وفي عالمنا من أحداث وظواهر للكشف عن أسبابها الحقيقيّة وسبل معالجتها ومنها ‏ظاهرة العنف والإرهاب بعيدا عن تبادل الاتهامات المجانيّة وإصدار الأحكام المؤدلجة الجاهزة أو الغوغائيّة، والتّوصل إلى احترام كرامة ‏الإنسان أيّا كان وبناء ثقافة الاعتراف بالآخر والحوار وقبول الاختلاف وتحقيق التّسامح والتّعايش المشترك  في سلام وأمان كما ينادي ‏بذلك القرآن من خلال قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ ...»(3) 
الهوامش
(1) سورة البقرة  - الآية 33
(2) سورة المائدة  - الآية 32
(3) سورة الحجرات  - الآية 13