شخصيات الإصلاح

بقلم
التحرير الإصلاح
الريسوني.. «شيخ المقاصد»
 يلقّبه البعض بـ «شيخ المقاصد»، والبعض الآخر بـ «الفقيه المعارض». هو عالم من علماء المغرب الشقيق المعروفين باجتهاداتهم التي تهدف إلى تقديم إجابات عصرية عن تحدّيات الواقع. له مواقف صريحة من قضايا الأمّة، ودفاعه المستمر عن القضيّة الفلسطينيّة وحقّ الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره واسترجاع أرضه المغتصبة. إنّه العالم المغربي « أحمد عبدالسّلام الرّيسوني» الرئيس الجديد للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين 
ولد الريسوني بقرية أولاد سلطان بإقليم العرائش، بشمال المغرب سنة 1953م . تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي بمدينة القصر الكبير، وحصل فيها على شهادة الباكلوريا في الآداب العصرية ثمّ التحق بالجامعة لسنة واحدة  بكلية الحقوق (شعبة العلوم القانونية)، وسنة أخرى بكلية الآداب والعلوم الإنسانية (شعبة الفلسفة) ثمّ كلية الشريعة بجامعة القرويين بفاس،إلى أن تحصّل على الإجازة العليا سنة 1978م ثمّ واصل دراساته العليا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية (جامعة محمد الخامس) بالرباط، فحصل منها على شهادة الدراسات الجامعية العليا سنة 1986م ودبلوم الدراسات العليا (ماجستير) في مقاصد الشريعة سنة 1989م ودكتوراه الدولة في أصول الفقه سنة 1992م.
تميّز عمله العلمي الجامعي بالتنوع والثراء حيث درّس أصول الفقه ومقاصد الشريعة منذ سنة 1986 وأشرف على أكثر من مائة أطروحة دكتوراه ورسالة ماجستير في مختلف الجامعات المغربية وهو عضو سابق بمجلس الأمناء والمجلس العلمي لجامعة مكة المكرمة المفتوحة وعضو مجلس أمناء الجامعة العالمية للتجديد بتركيا. كما أشرف على العديد من الدورات العلمية المنهجية للباحثين في العلوم الشرعية، في عدد من الدول.
لم يكن الشيخ أحمد الريسوني عالم سلطان أو أكاديميّ ينحصر بحثه وتفكيره داخل المخبر بين كتب القدامى وأقوال السلف الصّالح وإنّما كان مفكّرا ميدانيّا يتفاعل مع واقعه ويفكّر في اتّجاه البحث عن حلول لمشاغل واقع المسلمين في الشرق والغرب. تولّى الرّيسوني مناصب دعوية هامّة، من بينها رئاسة رابطة المستقبل الإسلامي منذ عام 1994 إلى غاية أوت 1996 تاريخ اندماجها مع حركة «الإصلاح والتجديد»، وتشكيل حركة «التّوحيد والإصلاح»، التي تمثل حسب العديد من الملاحظين الذّراع الدّعويّة لـ «حزب العدالة والتّنمية». وقد شغل الريسوني  منصب رئيس لهذه الحركة لمدّة سبع سنوات (1996−2003). كما انتخب أول رئيس لرابطة علماء أهل السّنة، ثم رئيسا لـ «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين»، في 7 نوفمبر 2018، وهو أحد أعضائه المؤسّسين.
للريسوني تجربة معتبرة في ميدان الصحافة، إذ تولى منصب المدير المسؤول لصحيفة «التجديد» (مغربية)، بين 2000 و2004، وأشرف على تحولها من أسبوعية إلى يومية، كما كان عضوًا في هيئة التحرير بمجلة «إسلامية المعرفة». وقد أعدّ الشيخ الريسوني وقدّم عددا من البرامج والحلقات التلفزيونية، وحلَّ ضيفا في قنوات فضائية عربيّة عديدة.
ألف الدكتور أحمد الريسوني قرابة ثلاثين كتابا، منها كتب تعدُّ مرجعا مهما للطلبة والباحثين في علم المقاصد، أبرزها: «نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي» الذي ترجم إلى 4 لغات (الإنجليزية والفارسية والأوردية والبوسنية). ومنها: «نظرية التقريب والتغليب وتطبيقاتها في العلوم الإسلامية»،و«من أعلام الفكر المقاصدي»، و«مدخل إلى مقاصد الشريعة»، و«الفكر المقاصدي قواعده وفوائده». وله إصدارات في الفكر الإسلامي، من بينها: «الشورى في معركة البناء»، و«الأمّة هي الأصل».
وهو معروف بجرأته في تناول قضايا خلافيّة ومسائل يتجنّب كثيرون الخوض فيها، مثل تقديس المذاهب الدّينية، وعلاقة العلم بالدّين والكفر بالتّقدم، والحرّية السّياسية والثّورة على الحكّام. فضلا عن تصوّراته في مسائل حسّاسة، مثل حكم الإفطار العلني في شهر رمضان، إذ يعتبر أن الصيام مسألة دينية وعبادة باطنية محضة والغناء والموسيقى إذ يرى  أنّ الفنّ ضروريّ للحياة وحتميّة وجوديّة ويجيز تجسيد الصّحابة والخلفاء الرّاشدين في الأعمال السّينمائية، معتبرا أن ذلك لا يعارض النّصوص الشرعية أو يخالف مقاصدها.
ويعتبر الريسوني من المؤيدين لثورات «الربيع العربي»، حيث انتقد بشدّة الأنظمة الحاكمة ودافع عن حقّ الشّعوب في المطالبة بالحرّية والكرامة، داعيا إلى إجراء إصلاحات سياسيّة حقيقيّة وقد ألّف في ذلك كتاب «فقه الثورة، مراجعات في الفقه السّياسي الإسلامي». ويرى الرّيسوني أن ثورات الربيع العربي «شهدت انتكاسة»، وأهم مظاهرها الانقلاب العسكري الذي وقع في مصر سنة 2013 وأطاح بالرئيس محمد مرسي.واعتبر أن هذا الانقلاب ليس فقط انقلابا على مرسي وعلى جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها، بل هو «انقلاب على الشرعية والديمقراطية والشّعب، وعلى كلّ الربيع العربي وشعاراته، وانطلقت آلة القتل والقمع بشكل غير مسبوق». كما يرى أن «ظاهرة العنف التي تشهدها المنطقة العربية هي ردّ فعل على عنف الثورة المضادّة الذي تعرّضت له ثورات الربيع العربي».
ومن بين خصال الدكتور أحمد الريسوني دفاعه المستميت عن اللغة العربية إذ يرى «اللغة العربية هي مفتاح الدين الإسلامي ووعاء تراث الأمّة العربيّة، وهي ضامن هويتها واستقلاليتها، وهي وسيلة وحدتها ونهضتها» كما يعتبر أنّ قضية اللّغة العربيّة ليست فقط ثقافيّة وأدبيّة، بل هي مسألة سياسيّة وإستراتيجيّة بامتياز. ودعا إلى الاهتمام بها والعمل على قطع الطريق أمام المحاولات المتكررة من عدّة أطراف داخليّة وخارجيّة لتقزيمها والتقليل من أهمّيتها منتقدا في حواراته ومقالاته العديدة وجود عدد لا يحصى من الحركات والمنظمات والمبادرات والتبرعات للدفاع عن الإسلام ونبي الإسلام، وعن القرآن والسنة، وعن القضايا الإسلامية والقومية، في حين لا يهتم أحد بموضوع اللّغة العربيّة.