باختصار شديد

بقلم
محمد بن نصر
من جموح العقل
 لا أدري إن كان الإنسان شقيّا أم سعيدا بقدرته الجبلية غير المحدودة على إثارة الأسئلة وقدرته الكسبية المحدودة على الجواب عنها وإن كنت أعتقد أنّ القدرة على الإجابة قدرة متّسعة أفقيّا ونامية بشكل مطرد بحكم التّراكم العلمي، ولكن تبقى محدودة مقارنة بالقدرة على طرح الأسئلة.
ولعلّ ذلك يعطينا بعضا من الإجابة عن الفرق بين القراءة باسم الله والقراءة مع الله، إقرأ باسم ربك...وإقرأ وربك الأكرم...حتّى وإن قال النّحويّون أنّ الواو هنا ليست واو معيّة. في كلّ الأحوال هناك نوعان من القراءة، قراءة باسمه وقراءة بمعيّته وفي تقديري والله أعلم، الأولى تتعلّق بالغيب والثّانية تتعلّق بالوجود أو بالتّعبير القرآني بعالم الشّهادة، الأولى معطاة من الله والثّانية كسبية من نتاج الجهد البشري ولذلك عندما تعلّق الأمر بالغيبيّات قال تعالى «وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا » وقال أُوتِيتُم بالضّمة ولم يقل آتيتم بالفتحة، فالفعل لم يُبنَ للمجهول كما يقال ولكن لم يذكر فاعله. خلاصّة الكلام في هذه النّقطة أنّ علمنا بالغيب يبقى مقصورا على ما أعطانا الله منه وعلّمنا بالوجود العينيّ كسبيّ ومطرد الزّيادة ولكن من المحال أن نلمّ بكل أسرار الوجود. 
جالت بخاطري كلّ هذه الأمور وأنا أفكر في الأهوال التي يعيشها المستضعفون في كلّ مكان وإن كان الذّهن مشغولا بما يحدث في سوريّا واليمن وتساءلت : المستضعفون تأتيهم النّيران من فوق رؤوسهم ومن تحت أرجلهم ومن كلّ جانب، لا حول لهم ولا قوّة، ينتظرون الدّمار والخراب من بشر ماتت ضمائرهم. أليس بمقدور الله أن يأخذ الطّغاة أخذ عزيز مقتدر؟ ألهذا الحدّ يبدو الإله محايدا؟ إلى متى يظلّ ينظر إلى هذه المعركة غير المتكافئة؟ تساءل النّبي وأصحابه: «متى نصر الله» ولم يتعرضوا إلى عشر ما تعرّض له مستضعفو اليوم في السّجون وتحت الحصار؟ أشكال من التّعذيب والتّقتيل تفوق الخيال. واستمر العقل يسأل ويلح في السّؤال حتّى قرأ «وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ». معاذ الله أن يكون الله غافلا ولكن الإنسان لقصور علمه يسقط الإنساني على الإلهي فيتساءل عن الحياد الإلهي وينسى أن الله بكل شئ محيط