حوارات
بقلم |
التحرير الإصلاح |
أولويّات الإصلاح في القرآن الكريم وأثره في التّغيير الآجتماعي |
(7)
السؤال: كيف كانت منهجيتك في العمل دكتور عماد؟
نظرا لطبيعة مضامين هذا البحث استعملت أكثر من منهج، لكنّها متكاملة فيما بينها، ممّا ساعدني على فهم مفهوم الإصلاح في القرآن الكريم، لا سيّما وأنّ أسلوبه في عرض موضوعاته عجيب، والأعجب منه دلالاته الجديدة المتجدّدة الّتي تحتار فيها عقول المتدبّرين.
أ) المنهج التّحليلي:
تمّ السّير فيه ابتداء بجمع الآيات القرآنيّة المتعلّقة بموضوع الإصلاح لفظا ومعنى، وبصفة أدقّ الآيات القرآنيّة الّتي جاءت في مشتقّات مادّة صـ - لـ - ح وعددها مائة وثمانون آية (180) وذلك من خلال الاستعانة بالمعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم لمحمّد فؤاد عبد الباقي. ثمّ حاولت بعد ذلك البحث عن مدلولاتها، ومعانيها من خلال ما طرحته كتب التّفسير القديمة منها، والحديثة مع الوقوف على الدّروس، والعبر الّتي فيها، وعلى الدّلالات ذات البعد الاجتماعي والإنســاني، محلّلا في نفس الوقـــت سيــاقــاتها المختلفة الواردة فيهــا وترابطها بموضوع أولويّات الإصلاح، وبيان العلاقة بينهما بما يتناسب مع التّفسير الموضوعي، مع الاستئناس طبعا ببقيّة المراجع الّتي لها علاقة بالبحث.
إنّه منهج الجمع المتأنّي والدّقيق للمصادر والمراجع ذات العلاقة بموضوع أولويّات الإصلاح، ثمّ تحليلها تحليلا شاملا وترتيبها ودراستها بعمق ومقابلتها لغيرها والتّعليق عليها للوصول إلى استنتاجات وأفكار جديدة.
كما دعّمت تفسير الآيات القرآنيّة بالأحاديث النّبويّة في أغلب الفصول والمباحث ليستفيد منها القارئ.
ب) المنهج الوصفي:
و هو عبــارة عن مجموعة من التّعريفــات الّتي من شأنهــا تحديد حدود المصطلحــات والألفاظ، ومن ثمّ الاعتماد عليها في بناء التّصوّر قبل إصدار الحكم عليها.
ج) المنهج الاستنباطي:
منهج يقوم على التأمّل في أمور جزئيّة ثابتة لاستنتاج أحكام منها، واستخراج مبادئ ووسائل وأساليب إصلاحيّة.
د) المنهج التأريخي الكرونولوجي:
آستعملته في تتبّع مسيرة الخطاب الإصلاحي القديم، والحديث، وأبرز حملته، على أنّي راعيت عدّة أمور عند صياغة البحث وإخراجه، وتتمثّل في:
- كتابة الآيات القرآنيّة بالرّسم العثماني (رواية قالون) وضبط حروفها.
-عزوها في الهامش إلى سورها، وأرقامها في القرآن الكريم.
-عند الاستشهاد بالأحاديث النّبويّة عزوتها إلى مصادرها الأصليّة، مع ذكر تخريجها من الصّحيحين إن ثبت ذلك، وإلاّ من الكتب السّتّة المشهورة.
- التّرجمة للأعلام الواردة أسماؤهم في ثنايا البحث، والّذين تمّ ذكرهم من خلال الاستشهاد بأقوالهم وآرائهم، إلاّ من عمّت شهرته، وذاع صيته.
- ذكر المعلومات كاملة عن المصدر، أو المرجع الّذي ذكر في الحاشية لأوّل ورود له في الهامش اسم المؤلّف، واسم الكتـــاب، وعدد الطّبعة، وسنتهــــا، ومكــانهــا، والجزء، والصّفحة.
-عند نقل المادّة العلميّة بنصّها فإنّي أجعلها بين معقّفين وأشير إلى مصدرها في الهامش، وعند نقلها بالمعنى، أو بالتّصرّف فيها فأنّي أشير إليها في الهامش بقول انظر، وعند التّصرّف في نصّها بالحذف فإنّي أشير إلى المحذوف بوضع ثلاث نقاط متتالية، وهكذا...
- قمت بشرح الألفاظ الّتي تحتاج إلى شرح، أو بيان، وقد اعتمدت في شرحها على الكتب المختصّة، وعلى المعاجم.
- اجتهدت في عزو المادّة العلميّة المنقولة إلى أكثر من مصدر، ومرجع إثراء لها، مع الحرص على جمعها من مصادرها الأصليّة للمتقدّمين، دون الغفلة عمّا كتبه المتأخّرون، والمعاصرون في كلّ ماله علاقة بموضوع البحث.
- وضع خاتمة تبرز أهمّ النّقاط المطروحة في البحث، وملخّص يشتمل أهمّ النّتائج المتوصّل إليها.
- وضع فهرسة علميّة تشمل الآيات القرآنيّة والأحاديث النّبويّة والآثار والأعلام والمصادر والمراجع المعتمدة والموضوعات.
(8)
السؤال: أي خطة اتبعتها دكتور عماد للإجابة عن الإشكالية المطروحة؟
تحقيقــا للأهداف الّتي رسمتها والأسباب الّتي دعتني إلى اختيار الموضوع، وسعيا منّي لأن يكون بحثي شاملا، وملمّا بجزئيات الموضوع، ومحاولة للإجابة عن كلّ الإشكاليّات المطروحة فيه، وانطلاقا من المنهجيّة الّتي اتبعتها في كتابته فقد قسّمت بحثي على النّحو التّالي:
• المدخل العامّ: تناولت فيه مسألة الإصلاح بين التّأصيل الشّرعي، والواقع العملي.
• المقدّمة: فيها تمّ عرض موضوع البحث، وأهميّته، وأسباب اختياره، وتحديد اشكاليّته، وعناصرها، وفيها وقع ذكر الدّراسات السّابقة، والأهداف الّتي سعيت إلى تحقيقها من وراء هذا البحث انطلاقا من منهجيّة اعتمدتها في هذا الغرض، دون أن أنسى الصّعوبات الّتي اعترضتني أثناء البحث، والّتي سعيت إلى تجاوزها، وختاما خطّة البحث.
أمّا هيكلة البحث فهي تتكوّن من بابين، وأربعة فصول، واثني عشر مبحثا.
الباب الأوّل بعنوان: الرّؤية القرآنيّة للإصلاح.
الفصل الأوّل: حقيقة الإصلاح في القرآن الكريم.
المبحث الأوّل: تعريف الإصلاح.
المبحث الثّاني: الإصلاح في المفهوم القرآني.
المبحث الثّالث: أحكام متعلّقة بالإصلاح في القرآن الكريم.
الفصل الثّاني: أولويّات الإصلاح في القرآن الكريم.
المبحث الأوّل: الإصلاح الفردي.
المبحث الثّاني: الإصلاح الدّيني.
المبحث الثّالث: الإصلاح الاجتماعي.
الباب الثّاني بعنوان: منهج القرآن الكريم في الإصلاح.
الفصل الأوّل: أساليب القرآن الكريم في الإصلاح.
المبحث الأوّل: أسلوب الحوار.
المبحث الثّانـــي: أسلــوب الأمــر بالمعـــروف والنّهـــي عن المنكر.
المبحث الثّالث: أسلوب التّدرّج.
الفصل الثّاني: نظرة القرآن الكريم للمصلحين، ودورهم في عمليّة الإصلاح.
المبحث الأوّل: مقوّمــات نجــاح المصلــح فــي عمليّــة الإصلاح.
المبحث الثّاني: الإصلاح في دعوات الأنبياء والرّســل.
المبحث الثّالث: الإصلاح مسؤوليّة جماعيّة.
الخاتمة: اشتملت على أهمّ ما توصّلت إليــه مــن نتائـج في عمليّة البحث.
الفهارس: خاصّة بالآيات القرآنية، وبالأحاديث النّبويّة، وبالآثار، وبالأبيات الشّعريّة، وبالأعلام، وبالمصادر، والمراجع العربيّة والأجنبيّة، وبالموضوعات.
(9)
السؤال: أخيرا دكتور عماد هل لك أن تبرز لنا ما توصلت إليه من نتائج بعد إتمام هذا البحث؟
من خلال فترة البحث التّي قضيتها مع هذا الموضوع أجمّع شوارده، وألــمّ أطرافه وأستخرج أصوله وفروعه، وأحرّر معانيه وأفكاره، وأرتّب فصوله ومباحثه، استخرجت مجموعة من النّتائج الخاصّة والعامّة التّي لها صلة مباشرة بالإشكاليّات المطروحة في مادّة البحث، فأودعت الخاصّة منها كلاّ في فصلها، وتركت العامّة إلى الخاتمة، وذلك من خلال النّقاط التّالية:
- الإصلاح ليس كلمة عابرة أو حركة عشوائية أو منتجا يتم، وإنّما هو مسألة كبرى لها أحكامها وقواعدها وشروطها ومقاصدها ووسائلها، بما يجعلها عمليّة ممنهجة ومنضبطة ومحكومة بقواعد وأسس مستمّدة من أصول القرآن الكريم.
- الإصلاح سنّة من سنن اللّه تعالى في الكون، وفي كلّ شيء في الوجود.
- ورد الإصلاح في القرآن الكريم من باب أنّ لكلّ داء دواء، فكان وقائيّا فيما يتعلّق بالأسرة ومشاكلها، قبل سقوط البنيان ودماره، كلّ ذلك حتّى يبقى للأسرة قداستها وعظمتها في نفوسنا، ولما قد يحصل من خلافات، ونزاعات بين المتباينين، تحقّيقا للوحدة، والتّماسك الاجتماعيين. كما كان علاجيّا لما قد يطرأ في حياة الإنسان من فساد، سواء كانت منها المعنويّة أو الماديّة حيث يطهّر النفوس ممّا علق بها من أمراض مختلفة ويزكيّها ويصلح البيئة ممّا لحق بها من الضّرر والفساد.
- جاء الإصلاح مرّة نسبة إلى فعل البشر من باب تحمّل المسؤوليّة، والأمانة، وأداء الرّسالة المنوطة به، كما ورد أيضا نسبة إلى اللّه تشريفا وتكريما. ولعلّ في ذلك إشارة إلى وجوب واقتضاء الإنسان محاكاة خالقة، وأن يكون له نصيب من صفاته سبحانه وتعالى وهو ما يعرف بالإصلاح التّكويني الذّي خصّ به اللّه تعالى السّماوات والأرض والإنسان وبعثة الرّسل عليهم السلام.
- إذا شرّعنا الإصلاح نكون قد خطونا خطوة الألف ميل، وإذا تحدّثنا عن وجوبه فلا نكون قد قمنا بشيء سوى أنّنا أثقلنا كاهلنا بالمسؤوليّة الدّينيّة والإنسانية، لأنّ الإصلاح قبل كلّ شيء مخاطرة تحتاج لكثير من المؤهّلات ولكثير من التّضحية والاستعداد. وهما أمران يفتقدهما الكثير من دعاة الإصلاح في عصرنا الحاضر، فليخرج مفكرونا ومصلحونا ومثقّفونا من طاووسيتهم التّي يمنّون بها على الآخرين، وعليه صار الإصلاح عمليّة قيصريّة بامتياز.
- لا تكفي إرادة الإصلاح، وتضحيات المصلحين، بل لابّد من مناخ للإصلاح، لأنّه في الحقيقة عبارة عن مشروع يفترض أن يعي الواقع ليكون واقعيّا، ولا يقع في أوهام النّخبة وأحلام الثّقافة. بل أكثر من ذلك فيه يتمكّن المصلح من حسن تنزيل تعاليم النّبوّة، والتّعرّف على وسائل إحداث التّفاعل بين الأفكار والأشخاص، والأشياء، ومن ثمّ تحريك آليات الإصلاح، وهذا لا يكون إلاّ بالفقه الاجتماعي أي بالتّحقّق في القوانين الّتي تحكم الاجتماع والعمران.
- الإصلاح ثمرة للإيمان، والعمل الصّالح، وهو شرط في قبول توبة المذنب، كما أنّ التّقوى، والعفو، والبرّ كلّها مقوّمات تسبق القيام به.
- إنّ للإصلاح في القرآن الكريم أبعادا مقاصديّة خاصّة ما يتعلّق منها بالكلّيات الخمس: الدّين والنّفس والعقل والنّسل والمال، هذه الأخيرة الّتي تزيد من قيمته، وتدعو إلى تفعيله في الواقع الإنساني بصفة عامّة، والعربي، والإسلامي بصفة خاصّة.
- إنّ ما ورد من إصلاح في القصص القرآني خاصّة قصص الأنبياء، والرّسل عليهم السّلام، يشكّل مختبرات بشريّة خالدة، مجرّدة عن حدود الزّمان والمكان. كما يشكّل منجماً لاغتراف الثّقافة الإصلاحيّة الاجتماعية، فالأنبياء عليهم السّلام قادة الأمّة الإنسانيّة جمعاء في الإصلاح، ويبقى منهجهم المعلم، والمرجع الّذي ينبغي أن يعود إليه كلّ من أراد امتطاء صهوة الإصلاح.
- إنّ غياب فقه الأولويّات والقفز عليه في العمليّة الإصلاحيّة يوقع في التّخبّط كما يعرّض الجميع إلى هدر الجهود وتناقضها والتّي قد تصل إلى حدّ ضياعها، وواقع المجتمعات العربيّة الإسلاميّة خير شاهد على ذلك.
- ما أصاب البشريّة من فساد في الحياة عموماً سببه الابتعاد عن منهج اللّه تعالى القويم في الإصلاح، وعدم تطبيقه في الواقع، وأنّ مهمّة النّهوض بالمجتمع هي مهمّة تقع على عاتق كلّ فرد فيما كانت الحاجّة فيه إلى عمل فردي، ومهمّة جماعيّة فيما كان الأمر فيه يحتاج إلى تضافر جهود، وقوى المجتمع. فمن الأخطاء الشّائعة إلقاء التّبعة على حاكم، أو هيئة أو مجموعة، بل لابدّ من تضافر الجهود، وكلّ القوى، وتعاون كلّ الجهات لتحقيق الأهداف المرجوّة، ولابدّ من تكاتف الجميع، ووقوفهم صفاًّ واحداً، وسدّاً منيعاً ضدّ كلّ ما يخلّ بالمجتمع، وينال من قيمه النّبيلة، وأخلاقه القويمة، وعاداته الجميلة. فهذه دعوة للجميع لحماية السّفينة التّي نتشارك فيها جميعاً، وأن لا نترك السّفيه يخرق جدارهـا، فيغرق، ونغرق معه، وليكن كلّ منّا على قدر المسؤوليّة فلا نكتفي بالحوقلة، والاسترجاع، بل يجب أن نضع أمام أعيننا التّوجيه النّبويّ: «لتأمرنّ بالمعروف وتنهون عن المنكر أو ليوشك اللّه أن يبعث عليكم عقابا منه»(رواه الترمذي) .
- الإصلاح، والدّعوة إليه ضمانة من ضمانات نزول الرّحمة بأهل الأرض، ولعدم نزول العقوبة بهم.
- يساعد الإصلاح الإنسان على أن يجد مفاهيمه الإنسانيّة التّي تساعده على تطوير مجتمعه تطوّراً شاملاً حيث يسوده الأمن و الاستقرار والسّعادة.
- الإصلاح هو الطّريق القويم الّذي يمكّن الإنسان من سعادة الحياة، والأمل في العيش، وهو الّذي يعطيه القوّة على مصارعة عقبات الدّهر.
-الإصلاح من شأنه أن يسـاهم في بناء مجتمع متجــانس تسوده الأخوّة، والمحبّة، ويشيّده التّكافل المتين.
- الأولويّات التّي جاء بها القرآن الكريم لتنظيم العلاقات الإنسانيّة اشتملت على خيري الدّنيا والأخرّة، وعلى ما يحقّق السّعادتين، وليس هناك شكّ في أنّها عماد الإصلاح عموماً.
- الإصلاح أقدر من أيّ عملٍ وضعي مهما كانت قيمته على تحقيق تماسك المجتمع، وعلى جعل المسلمين أكثر احتراما للالتزامات الاجتماعية المختلفة.
- ما سنّه القرآن الكريم من أولويّات الإصلاح لا يتعارض مع أيّ شريعة، ولا مع أيّ دعوة بل بالعكس يتّفق معها في إرادة تحقيق السّلام، والخير في الأرض، وهو صالح لكلّ زمان ومكان لا سيّما في هذا العصر. فيا حبّذا لو اهتدت إليه الإنسانيّة، لأنّه يمثّل حقيقة إطار يتسّع للبشر عامّة، و يكفل حقوقهم، بعيداً عن الصّراعات والاختلافات.
وجملة القول فإنّ هذا المنهج الّذي رسمه القرآن الكريم في الإصلاح يتميّز بسعيه إلى تحقيق السّعادة للبشر، فهو لم يصدر عن طبقة، ولا فرد، بل صدر عن اللّه تعالى، ولم يقم على تجارب قاصرة، أو شعارات خلاّبة بل قام على أولويّات ومبادئ وقيم صادقة تطابق حقائق الأشياء، وتتّفق مع سنن الحياة، وسيظلّ هذا المنهج بعدالته، وإنسانيّته واتساع آفاقه أمل البشريّة كلّها في تحقيق الطّمأنينة، والاستقرار.
هذا ورغم ما بذلته من جهد وما صرفته من وقت، فإنّي أعترف بالعجز، والتّقصير. وحسبي أنّي عقدت العزم واستنفدت الوسع، وواصلت كلال اللّيل بالنّهار سعياً في خدمة كتاب اللّه تعالى العظيم، والاهتداء بسنّة المصطفى الأمين سيّد المرسلين، وخير الصّالحين، والسّير في ركاب العلماء العاملين، والاقتداء بالدّعاة الصّالحين.
(10)
السؤال: كلمة الختام ؟
أرجو أن أكون قد قدّمت شيئاً جديداً نافعاً، وأرجو أن يكون هذا البحث قد حقّق شيئا من الأهداف المطلوبة منه، ولا أدّعي في عملي الكمال بل هو عمل بشري سمته النّقصان ومعرّض للخطأ والزّلل في كلّ فكرةٍ، وفي كلّ عبارةٍ يخطّها كلّ طالب علم ما زال يحتاج إلى كثير من النّصح، والتّبصّر بعيوبه. ولعلمي أيضاً بأنّ هذا العمل ما هو إلاّ بداية البداية وقد قيل « ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه»، فإن أصبت بعض ما إليه قصدت، فذلك بفضل اللّه وتوفيقه، وإن تكن الأخرى فلست أوّل عاثر غير أنّني أتلمّس دليل الهداية، وأتحرّاه، وإنّي رأيت أنّه لا يكتب إنسان كتاباً إلاّ قال في غده لو غيّر هذا لكان أحسن، ولو زيد كذا لكان يستحسن، ولو قدّم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل، وهذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النّقص على جملة البشر.
وفي الأخير أودّ أن أشير إلى أنّه ينبغي على كلّ واحدٍ منّا أن يعتبر نفسه على ثغرة من ثغور الإصلاح سواء في التّربية أو في العقيدة أو في الاقتصاد أو في العلاقات الاجتماعية أو في أيّ مجال آخر ابتداء بالأسرة مروراً بالمدرسة وصولاً إلى المجتمع والحياة، فرسالة الإصلاح قائمة مع الجميع وبالجميع وللجميع. والفساد لا يستأذن الدّخول إلى الأنفس أو البيوت أو المجتمعات، يسرى فينا سريان الدّم في العروق، لهذا فإنّ التّصدّي له يحتاج منّا ابتداء إلى إرادة وعزم ثمّ علم فعمل حتّى نحصد ثماره ونشهد آثاره من سعادةٍ في الدّنيا والآخرة.
و اللّه أسأل أن أكون قد وفّقت في إثارة جانب من جوانب الإصلاح، هذا الموضوع الواسع، والهامّ، والثّري، والّذي يبقى مجاله مفتوحاً للدّراسة والبحث. حيث أنّه لا ينحصر في القضايا الّتي تناولتها في الأطروحة، بل هو يشمل إلى جانب ذلك عديد القضايا، والجوانب الأخرى الّتي من شأنها أن تكون قبلة للدّارسين والباحثين، وأذكر على سبيل المثال لا الحصر البحث في الإصلاح التربوي والإصلاح السّيــاسي والإصلاح العسكري كما يجب التّنبيه إلى ضرورة تأصيل عمليّة الإصلاح مقاصديّا، ممّا يتوافق مع تطويره وتجديده.
كما أسأله تعالى السّداد في السّعي، وأن يتقبّله في الصّالحات الباقيات، وأن يجعله في ميزان الحسنات. |