رأي للنقاش

بقلم
فاطمة المصمودي
كلام في المساواة بين الرجل والمرأة
 مقدّمة
إنّنا لا ندّعي تفسيرا للقرآن بل هي خواطر يدعّمها ثراء اللّغة العربيّة، وإنّنا كلّما توصّلنا لخاطرة قلنا في نهايتها اللّه جلّ جلاله أعلم، وما اجتهادنا إلاّ اجتهاد بشري يحتمل الخطأ مثلما يحتمل الصّواب وإنّنا لن نطوّع آيات اللّه لصالح أيّ فرد أو أيّ  قضيّة فإن احتملت الآية من الاجتهاد ما أمكن لها احتماله أو كانت على ما هي عليه خالية من الاجتهاد إلى أن تصير إليه أو يحكم اللّه. يقول اللّه عزّ و جلّ : «الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ»(1) في سورة الزّمر الآية 18.
 المساواة بين الرّجل والمرأة 
يقول اللّه سبحانه وتعالى في سورة النّساء: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا»(2) 
ثمّ تأتي الآية «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۚ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا»(3) 
إنّ المساواة بين الرّجل والمرأة في الميراث أقرّها القرآن وهي المساواة الحقيقيّة والصّحيحة. إنّها المساواة التّي تحفظ جميع الحقوق. لكنّ المساواة الّتي يُنادى بها اليوم في المجتمع من طرف ثلّة من المثقفين على اعتبار أنّ القرآن  قد ميّز الرّجل عن المرأة هي في الحقيقة مساواة مُغالِطة وهي في تقديري إهانة للمرأة أوّلا لأنّها تطالبها بالإنفاق مثل الرّجل وهي إهانة للرّجل لأنّها تسحب عنه القوامة التامّة في الإنفاق. 
وتبقى هذه حدود اللّه الّتي أقرّها في كتابه العزيز وإن كان هناك اجتهاد كأن يتنازل الأخ لأخته عن نصيبه  لظروف معيّنة أو تتنازل هي فذلك من باب سماحة الإسلام ورفعة الأخلاق وهو ليس حقّا أو واجبا. 
إنّ الرّجل الّذي يرث الثّلثين تقابله زوجته التي ترث الثلث بينما أخته التي ترث الثّلث يقابلها زوجها الذي يرث الثلثين، أي أننّا سنجد أنّ الأسرة الأولى سيكون لها ثلاثة أثلاث والأسرة الثّانية سيكون لها أيضا  ثلاثة أثلاث، أليست هذه هي المساواة الصّحيحة؟ ولكنّ السّؤال الّذي يطرحه الكثيرون لماذا لم تكن القسمة منذ البداية النّصف للذّكر والنّصف الآخر للأنثى؟ الله سبحانه وتعالى يجيبنا باستعماله لفظ «حظّ» وليس «نصيب» ذلك أنّ الله قد كلف الرّجل بالإنفاق والقوامة، فأن يكون للرّجل مثل حظّ الأنثيين فذلك تكليف وليس تمييز، فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز «حظّ الأنثيين» ولم يقل نصيب                                                                                               الأنثيين وذلك لأنّ لفظ نصيب مرتبط بالحساب وبالتّالي بالإنفاق، لهذا كان استعمال لفظ «حظّ» حتّى ينفي عن المرأة تكليف الإنفاق ويعطيها حظّها بتكريم وتشريف بأن جعل لها حظّا ليست مطالبة بالإنفاق منه إلاّ بإرادتها، فهل بعد هذه المساواة مساواة وهل بعد هذا التّكريم تكريم؟ 
ولنا أن نذكر أيضا مسألة أخرى هامّة وهي أنّ اللّه سبحانه وتعالى أراد أن تكون المساواة على المستوى الأسري وليس على المستوى الفردي، لأنّ الأسرة الإسلاميّة هي النواة الصّلبة للمجتمع وقوامه ولا تستقيم هذه النّواة إلاّ بالرّجل والمرأة على حدّ السّواء ولذلك كانت المساواة بين الذّكر والأنثى في الأرث حاصلة على مستوى هذه النّواة فكانت ثلاثة أثلاث لأسرة الذّكر مقابل ثلاثة أثلاث لأسرة الأنثى وهو ما يدعم هذه النّواة ويقرّ بعدل الإسلام. 
وإنّنا لا نستغرب الجهود المبذولة اليوم لضرب هذه النّواة التّي بها يستقيم المجتمع الإسلامي ولو لم تكن هذه النّواة مهمّة وصلبة لما كانت الأسهم متّجهة إليها لزعزعتها على جميع المستويات. واللّه سبحانه وتعالى قد جعل في البيت الإسلامي سراجا منيرا هو القرآن وسنّة الرّسول محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم فلن يُظلِم بيت حرص أهله على أن يبقى هذا السّراج منيرا. ثمّ تأتي الآية«وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا»(4) فهل بعد هذه الوصيّة وصيّة وهل بعد هذا الوعد وعد؟ وهل بعد هذا التّكريم تكريم؟. الله سبحانه وتعالى يخاطب بهذه الآية الرّجل الذي لم يعد يحتمل زوجته بل يكرهها وكأنه يقول له: «أيّها الرّجل أنت كرهتها وأنا سأجعل فيها خيرا كثيرا» أليس هذا ردّ اعتبار عظيم؟ حتّى عندما تصير المرأة مكروهة من زوجها لم يأمر الله بطلاقها أو بضربها أو بالانتقاص من قدرها بل ياتيها التكريم الربّاني فيجعل فيها خيرا وليس خيرا فقط بل خيرا كثيرا ذلك وعد اللّه
لن يستقيم البتّة مجتمع يحطّ من شأن المرأة ولا يكرمها ويكفي المرأة فخرا أنّ اللّه جعلها من تربّي الرّجل. 
الهوامش
(1) سورة الزمر - الآية 18
(2) سورة الزمر - الآية 18
(3) سورة الزمر - الآية 18
(4) سورة الزمر - الآية 18