بهدوء

بقلم
سعيد السلماني
هل القيادة ذكر أم أنثى؟
 تمهيد
 إنّ موضوع القيادة من المواضيع المهمّة في القرن الواحد والعشرين لكون المجتمعات الإنسانيّة اليوم أصبحت أكثر تنظيما من ذي قبل، وتتجلّى هذه الأهمّية في مجالات متعدّدة، فالقيادة ضروريّة في كافّة مجالات الحياة المختلفة، وكلّما ازداد عدد النّاس ألحّت الضّرورة على وجود قائد قادر على تولّي أمور هؤلاء النّاس بأعدادهم الكبيرة هذه، فالأمر ليس سهلاً، ويحتاج إلى مواصفاتٍ عالية ومتميّزة لا تتوافر عند النّاس كلّهم؛ كالقدرة على التّفكير العقلاني وطرح أفكار نيّرة ومبدعة خدمة للصّالح العام، بالإضافة إلى القدرة على إيجاد الحلول الإبداعيّة لكافّة المشاكل التي قد تعترض طريقه، عدا عن الأمانة، والصّدق، والإخلاص في العمل، وغيرها من الصّفات الأخرى الهامّة والتي إن توفّرت في شخص معيّن أطلق عليه لقب القائد. 
سنحاول معالجة الموضوع من خلال ثلاثة إشكالات تعترض سبيل كلّ باحث في القيادة ومفهوماتها، هل القيادة فطريّة أم مكتسبة؟ وهل هناك ارتباط بين القيادة والجنس ذكر/ أنثى؟ ولماذا الرّموز النّسائيّة القياديّة عبر التّاريخ قليلات؟  أهو مشكل في النّساء أم في الرّجال؟
1 ـ تعريف القيادة وأنواعها:
ما هي القيادة؟
 اختلف العلماء في تعريف القيادة على أكثر من 200 تعريف، الاّ أنّي سأقتصر على تعريف واحد للدّكتور طارق السويدان إذ يقول «القيادة هي القدرة على تحريك النّاس نحو الهدف». يتبيّن من خلال هذا التّعريف أنّ القيادة «قدرة»، وهنا يبرز إشكال أوّل وهو هل القيادة فطريّة أم مكتسبة؟
اختلف العلماء المسلمون وغيرهم حول هذا، منهم من يقول بالاكتساب وآخر بالفطرة، فأحد أبرز علماء القيادة «بيتر دريكر» يقول «القيادة تسطيع أن تتعلّمها ويجب أن تتعلمها». أمّا « بينز» رئيس مركز إعداد القادة في جامعة جنوب كاليفورنيا ومؤلف لعدّة كتب منها «حول القيادة» وهو أكثر من درس موضوع القيادة بعمق يقول «القيادة شخصّية وحكمة وهذان أمران لا يمكن تعلّمهما».
 إذن هل يمكن أن نتعلّم القيادة؟ خلاصة القول في ذلك؛ لو أخذنا بعض الصّفات مثل الكرم والبخل نجد بأنّ هناك بعض النّاس كرماء بالفطرة مثل «حاتم الطّائي» وآخرون بخلاء بالفطرة مثل «أبو سفيان» هذا الأخير كانت زوجته تسرق منه حتّى تطعم أولادها. هذا ما دفع الدّكتور «طارق السويدان»  الى القول:  أنّ معظم النّاس هم في الوسط إذ نجد منهم 2 % كرماء ومثلهم بخلاء بالفطرة، أما 96 % فهم حسب البيئة والتّربية التي يتلقونها. وهذا يسري على صفة الذّكاء، فهناك أناس أذكياء بالفطرة ذكاء غير عادي ومنهم أغبياء بالفطرة. ومعظم النّاس في الوسط، ولهذا أثبتت الدّراسات أنّ الذّكاء وراثي وتؤكّد أنّه يتبع الأمّ أكثر من الأب.
 إذن، 2 % عندهم ذكاء أكثر من العادي. 2 % عندهم ذكاء أقل من المتوسّط و96 % هم في الوسط.
 نفس الشيء في القيادة، 2 % هم قادة بالفطرة، فهؤلاء لا يمكن الاّ أن يكونوا قادة، مثل خالد بن الوليد وعمر بن العاص. و2 % لا يصلحون للقيادة ولو أرادوا ذلك ولا يمكنهم أن يتعلّموها. و96 % هم في الوسط حسب البيئة والتّربية.
ثمّ إنّ القائد له اتباع يحرّكهم. يقول «بلانك» أحد علماء القيادة: «إنّ القانون الأول من القيادة أن يكون للقائد أتباع وليس كلّ الأتباع، فمن السّهل أن تشتري ظهور النّاس ولكن من الصّعب أن تشتري قلوب النّاس، وهناك فرق كبير بين الأتباع والمعجبين والحلفاء». 
ثمّ إنّ القيادة هي تحريك النّاس نحو الهدف وهذا الأخير ليس بالضّرورة أن يكون جيّدا ما دام النّاس مستعدّون لتتّبعك فأنت قائد،  كيفما كان هذا الهدف. يتّبع النّاس خوفا أو رهبا أو حمقا أو استخفافا بالعقول. ليس كلّ القادة جيّدين لكنّهم قادة، «فرعون»مثلا .
بعض أنواع القيادات:
-1القيادة الدّيموقراطيّة: تتميّز بالمشاركة والثّقة المتبادلة وكلّ فرد فيها يشعر بالمسؤوليّة في جوّ من الاحترام المتبادل.
-2 القيادة الدّيكتاتوريّة: تتميّز بالاستبداد والتّسلّطيّة وتحديد النّشاطات والقرارات من طرف واحد وإعطاء الأوامر وغياب الثّقة بين القائد وأعضاء الجماعة.
-3القيادة الفوضويّة: تتميّز بالحرّية المطلقة، إذ يكون القائد فيها محايدا ولا يتدخّل الاّ نادرا وهي أقلّ من الدّيموقراطيّة وأحسن من الدّيكتاتوريّة.
علامات القائد: 
من أهم علامات القائد: (ا) الذّكاء و(ب) المبادرة و(ج) الشّجاعة أو الجرأة و(د) التّوازن و(ه) البيئة القياديّة
ينطلق السويدان من مسلّمة أساسيّة وهي أنّ القيادة مكتسبة ويمكن تعلّمها وأول فرصة لصنع القادة هي السّنين السّبع الأولى من حياة الطّفل، فكلّ أصول الأخلاق وأصول الشّخصية تتشكّل في هذه السّنين وما بعدها هو تنمية وتفصيل. إنّ هذه السّنين أحسن فترة لصنع القادة.
انطلاقا من هذه المسلّمة نفهم لماذا تنبني الرّسوم المتحرّكة الغربيّة على الجنس والعنف والسّحر، فقد أثبتت بعض الدّراسات أن 52 % من مشاهد الجنس و34 % من مشاهد العنف في التليفزيون هي في تلك الفترة.
وخلاصة القول أنّ القيادة تٌقتل بالإهمال والقمع والتّدليع الزّائد عن المطلوب وتنمّى بتنمية العلامات الخمس السّابق ذكرها.
الصفات الخمس للقائد النموذجي:
في دراسة تفصيليّة قام بها «kouses and posner» لمدّة 25 عاما شملت مليون ونصف شخص في القارّات السّت جزء منها شمل الشّرق الأوسط، وهي من أندر الدّراسات في هذا الموضوع نظرا لأهمّيتها، ونشرت في 6 كتب. وتمّ التّركيز فيها على 5 صفات للقائد النّموذجي وتمّت مراجعة هذه الصّفات على مدى سنين طويلة ولم تتغيّر، وأسفرت عن نفس النّتائج. وقبل الحديث عن الصّفات الخمس تساءل الباحثان عن الصّفة الأهمّ التي يتطلّع إليها النّاس في القائد، فكانت الإجابة كالتالي:
(أ) المصداقيّة والآمانة، (ب) الرؤية، (ج) الالهام، (د) الكفاءة و(ه) الذّكاء.
 هذا ولم يقتصر الباحثان على العامّة فقط فقد قاما بدراسة سألوا فيها المختصّين فأجاب 1500 مدير عن أهمّ صفات القائد  فأعطوا 225 صفة أهمّها على الإطلاق «المصداقيّة». إذن ماهي الصّفات الخمس للقائد النّموذجي؟ 
هناك خمس صفات سلوكيّة يمارسها القائد تنبني عليها عشر ممارسات:
(1) كن نموذجا وينبني على هذه الصفة أمران: أن يكون لديه قيم واضحة وأن يكون قدوة في ممارسة هذه القيم.
(2) الرؤية الواضحة وتنبني على هذه الصّفة أمران: القدرة على تخيّل المستقبل والمشاركة.
(3) أن يتحدى الواقع، فمن المواقف التي عليها شبه إجماع أنّ القائد يستطيع أن يعمل في الغموض، بمعنى أنّه يبحث عن الفرص في وقت المخاطر وينبني على هذا عنصران: البحث عن الفرص والمخاطرة والمغامرة.
(4) مكّن الآخرين، بمعنى أن تركّز على نقاط القوّة لديك وأن تبحث عن المساندة في نقاط الضّعف عندك وذلك من خلال إحاطة نفسك بقادة ليكملوا نقصك فالمثل يقول: «إذا كنت دائما توافق رئيسك فأحدكما لا حاجة به». فالقائد الفعّال هو الذي يمكّن الآخرين فيما لا يعلم. وتنبني على هذه الصّفة ممارستان: تنمية التّعاون وإعطاء الصّلاحيات.
يقول الدكتور «السويدان» في هذا الصدّد: «لدينا في العالم العربي ظاهرة أصبحت مستفحلة وهو عندما يتقلّد شخص ما منصبا معيّنا سواء أكان ذلك منصبا عاليّا جدّا أو في المجتمع المدني أو غير ذلك فإنّه يصبح مملكته الخاصّة، في حين أنّ هناك قانونا إداريّا عامّا يقول: « لا يجب أن يستمرّ شخص ما في العمل أكثر من 8 سنوات» وذلك لأسباب نذكر منها:
ـ حتّى إذا استطاع العطاء في هذه السّنوات استفاد منه مكان آخر
ـ وإذا لم يستطع العطاء في هذه الثّماني سنوات فمن الأفضل تغييره.
 ـ ثم حتى لا تصير هذه المناصب ممالك.
(5) شجّع القلوب ولهذه الصّفة أيضا عنصران: كافئ المساهمات الفردية واحتفل بالنّجاحات الجماعيّة
(2) هل هناك ارتباط بين القيادة والجنس؟
أثبت علم الإدارة الحديث بأن ليس هناك ارتباط بين القيادة والعلم أو السّن أو التّقوى وعدمها، سُئل الإمام أحمد يوما أنقاتل مع القوي الفاجر أم مع التّقي الضّعيف؟ فقال: «قاتلوا مع القويّ الفاجر لأنّ فجره لنفسه وقوّته للنّاس...». كما أنّه لا يوجد ارتباط بين القيادة والجنس، كما يؤكّد على ذلك الدّكتور السّويدان ويسترسل في  توضيح هذه الإشكالية بالقول: إنّ المرأة في العالم كلّه مظلومة وليس في العالم المتخلّف فقط ففي أمريكا أُنجزت إحصائيّة عن الرّواتب فوجدوا أنّ رواتب النّساء في المتوسط العام هو 71 % من رواتب الرّجال،  وذكرت الدّراسة  بأنّ نسبة النّساء اللواتــي وصلــن الى المراتــب العليــا هي أقــلّ مــن 1 % وذكرت أيضــا أنّ من مجموع 550 جائــزة «نوبـــل» الممنوحــة منذ عام 1898 حتى عــام 2000 لم تحصل النّســاء سوى على 11 جائزة منها.
هناك في علم الإدارة ما يسمّى «بالسّقف الزّجاجي» فنادرا ما تكسّره المرأة والمحرومين بشكل عامّ. هل هناك فرق بين المرأة القياديّة والرّجل القيادي؟  ليس هناك فرق إلاّ في بعض المسائل، بل المرأة أقدر في التّسيير نظرا لمميّزاتها القياديّة نذكر من بينها:
ـ الرّجل القيادي يعمل بدرجات متفاوتة من الجهد وبدون انقطاع، بينما المرأة القياديّة تعمل بدرجة واحدة من الجهد تتخلّلها فترات راحة قصيرة تجدّد نشاطها وتعود وهذا أفضل قياديّا.
ـ الرّجل القيادي يرتبط بعمله بشكل كبير بينما المرأة القياديّة توازن في عملها وهذا أفضل قياديّا.
ـ الرجل القيادي يميل الى السّرعة في اتخاذ القرار، بينما المرأة القياديّة تميل الى البطء في ذلك وهذا أفضل قياديّا.
ـ الرّجل القيادي يحبّ أن يشاور قليلا ثمّ يتّخذ القرار بينما المرأة القياديّة تشاور كثيرا قبل اتخاذ القرار وهذا أفضل قياديّا.
(3) لماذا الرّموز النّسائية قليلة عبر التّاريخ؟ أهي مشكلة في النساء أم في الرّجال؟
 هذا الامر يرجع لعدة عوامل،أهمها:
- عوامل اجتماعية أي أنّ العقل الجمعي ترسخ في لا شعوره بأنّ الذكر هو مالك هذا الكون، حتّى أصبح العالم رجولي بامتياز.
-عوامل دينيّة أي عدم الفهم الصّحيح للدّين.
- عوامل ذاتيّة إذ يرجع الى عدم فهم المرأة لدورها في المجتمع. بمعنى آخر أنّها فٌهِّمت دورها وقبلت به.
- عوامل ثقافية وهذا راجع الى كتابة التّاريخ فكتابته ذكوريّة وهذا أمر طبيعي أن يتحيّز الذّكر للرّموز الرّجولية ويترك الرّموز النّسائية.
ثمّ إنّ المرأة انشغلت بأمور المنزل والتّربية... كما أنّها أيضا انشغلت بتوافه الأمور، ونسيت أنّها الحصن الحصين في تقدّم الحضارات، بحيث «لا يمكن لحضارة أن تبنى من طرف شخص يقفز على رجل واحدة».
على سبيل الختم
إنّ القيادة مسؤوليّة الجميع وبالإمكان تعلّمها، لذا وجب على الأسرة والمدرسة والمجتمع تعليمها للنشء أنثى/ذكر، حتّى نستعجل نهضة الأمّة. وحتّى تكون قائدا نموذجيّا عليك:
 (1) أن تفهم نفسك لتقود الآخرين (2) التّركيز على نقاط القوّة لديك والبحث عن المساندة في نقاط الضّعف، (3) جرّب وأخطِئ وتعلّم من أخطائك، (4) أحِط نفسك بقادة تكن قائدا فعّالا، (5) الرّحمة وصدق الاهتمام هما حقيقة القيادة و(6) الإيمان والقيم هما أساس القيادة.
المراجع المعتمدة
(1) د. طارق السويدان، صناعة القائد .
(2) د حامد ع السلام زهران، علم النفس الاجتماعي
(3) محا ضرة د. طارق السويدان، القيادة والنجاح (youtube.com)