تأملات

بقلم
محمد الصالح ضاوي
المسرح في القرآن: التأصيل والمفهوم
 هناك فرق بين أن نبحث عن علاقة المسرح بالقرآن، باعتبارهما وحدتين منفصلتين، تقوم بينهما علاقة ما، وتناسب ما، وبين أن نبحث عن المسرح في القرآن، باعتباره حاضنا له، ومعلنا عن إحدى مفاهيمه وتجلياته. ونحن نسير وفق هذه المقاربة الثانية، التي تعني، أن القرآن منتج للمسرح، ومولّد له، وله أبوّة شرعية له.
ولا شكّ، أنه لا بدّ من المرور عبر البدايات: اللغة، فنكتشف معنى المسرح، وعلاقته بالفضاء الخاصّ به... ثمّ نمرّ إلى عرض مسرحيّ في القرآن، بكلّ خصائصه الدرامية، لنكتشف النسبة بين اللغوي والاصطلاحي، ثمّ نعرّج على مدى انتشار اللغة المسرحية الدرامية في أدبيات التفسير الإسلامية، وعلاقة ذلك بنشوء المسرح.
المجال اللغوي لمصطلح: المسرح
خلافا لما يظنه القارئ، عرف العرب مصطلح «المسرح» وجمعها: المسارح، منذ القديم، واستخدموها في الأشعار ووردت في المرويات الحديثية بصيغ واشتقاقات مختلفة(1)، ولكنها لا تعني مفهومنا المعاصر: الدراما.
ففي لسان العرب (2): يقال سرحت الماشية أي أخرجتها بالغداة إلى المرعى. وسرح المال نفسه: إذا رعى بالغداة إلى الضحى. والمسارح: جمع مسرح، وهو الموضع الذي تسرح إليه الماشية بالغداة للرعي. والسرح والسارح والسارحة سواء: الماشية... أو: الإبل والغنم... وأكثر مجال المصطلح: الفلاحة والرعي والطبيعة عموما... فالسرح: ضرب من الشّجر. وَقَالَ قوم: بل كل شَجَرَة طَوِيلَة سرحة. والسرحان: الذِّئْب. وَأهل الْحجاز يسمون الْأسد سرحانا. وسرحت العَبْد إِذا أَعتَقته، لُغَة يَمَانِية (3). والسرائح والسرح: نعال الإبل، وقيل: سيور نعالها. والسريحة من الأرض: الطريقة الظاهرة المستوية في الأرض ضيقة. وسرح: ماء لبني عجلان. والمسرحان: خشبتان تشدان في عنق الثور الذي يحرث به (4). 
ولكن للمصطلح معاني أخرى، مثل: التسهيل والإرسال والتطليق، والتوفيق(5). وهي معان يمكن إيجاد مناسبة بينها وبين مجال الطبيعة والرعي. وفي النحو: نستعمل اللفظة للدلالة على مفعولين: أحدهما مسرح...، والآخر مقيد... (6) .والجدير بالذكر، أن أغلب الأنبياء مارسوا الرعي قبل النبوّة، في إطار إعداد رباني لمهام الدعوة، ورسكلة أو تربص لما هم مقدمون عليه من مشاق وابتلاءات. 
[عن حكمة رعي الغنم: قال الحافظ في الفتح: قال العلماء: الحكمة في إلهام الأنبياء من رعي الغنم قبل النبوة، أنه جعل لهم التمرن برعيها على ما يكلفونه من القيام بأمر أمتهم، ولأن في مخالطتها ما يحصل لهم الحلم والشفقة، لأنهم إذا صبروا على رعيها، وجمعها بعد تفرقها في المرعى، ونقلها من مسرح إلى مسرح، ودفع عدوها من سبع وغيره كالسارق، وعلموا اختلاف طباعها وشدة تفرقها مع ضعفها، واحتياجها إلى المعاهدة، ألفوا من ذلك الصبر على الأمة، وعرفوا اختلاف طباعها، وتفاوت عقولها، فجبروا كسرها، ورفقوا بضعيفها، وأحسنوا التعاهد لها، فيكون تحملهم لمشقة ذلك أسهل مما لو كلفوا القيام بذلك من أول وهلة، لما يحصل لهم من التدريج على ذلك برعي الغنم، وخصت الغنم بذلك لكونها أضعف من غيرها، ولأن تفرقها أكثر من تفرق الإبل البقر، وبالإمكان ضبط الإبل والبقر بالربط دونها في العادة المألوفة، ومع أكثرية تفرقها فهي أسرع انقياداً من غيرها، وفي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لذلك بعد أن علم أنه أكرم الخلق على الله ما كان عليه من عظيم التواضع لربه والتصريح بمننه عليه وعلى إخوانه الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر الأنبياء.] (7) .
المسرح في القرآن
في القرآن الكريم مسرحيتان مكتملتا الشروط الدرامية، بالمفهوم المعاصر، الأولى: قصّة الغراب الذي بعثه الله ليقوم بعرض درامي واقعي مأساوي، ليعلم ابن آدم طقس الدفن. قال تعالى في سورة المائدة: [وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31)].
فكانت هذه القصّة أول عرض فرجوي واقعي درامي أبطاله حيوانات، عرض على ابن آدم،إثر قتل قابيل لهابيل، بعنوان غارق في المأساوية والتراجيديا: الموت... الجنازة... الندم...
الثانية:  مسرحية الملائكة الذين تسوروا محراب النبيّ داود، بعنوان: خصام. قال تعالى في سورة ص: [وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24)].
فهذه مسرحية أبطالها ملائكة عرضت في المحراب أمام النبيّ داود عليه السلام، فيها محاكاة لواقعة خصام بين أخوين. وتعتبر أول مسرحية من هذا النوع في القرآن.
وقد استمدّ الشيخ الطاهر بن عاشور، من هذه الآيات، مشروعية التمثيل والمسرح، فقال: [وفي هذا دليل شرعي على جواز وضع القصص التمثيلية التي يقصد منها التربية والموعظة، ولا يتحمل واضعها جرحة الكذب، خلافا للذين نبزوا الحريري بالكذب في وضع «المقامات»، كما أشار هو إليه في ديباجتها. وفيها دليل شرعي لجواز تمثيل تلك القصص بالأجسام والذوات إذا لم تخالف الشريعة، ومنه تمثيل الروايات والقصص في ديار التمثيل، فإن ما يجري في شرع من قبلنا يصلح دليلا لنا في شرعنا، إذا حكاه القرآن أو سنة النبيء صلى الله عليه وسلم، ولم يرد في شرعنا ما ينسخه.] (8) .
خصائص المسرح النبوي
لقد تعمدنا نسبة المسرحيات التي قدمنا آياتها سابقا، إلى النبوّة، باعتبار أن القرآن نقلها إلينا، وحفظها لنا، لتكرار عرضها خياليا، كلّما كررنا التلاوة. ولهذه المسرحيات خصائص منها:
أولا: أنها ارتبطت بالبيئة الطبيعية، بيئة الرعي، من خلال القرابين التي قربها ابنا آدم، وهي قرابين فلاحية. أو من خلال موضوع الخصومة التمثيلية، التي عرضها الملائكة الكرام، وهي خصومة بخصوص النعاج، وهي مفردة فلاحية أيضا. وهذه البيئة المسرحية تتناسب مع البيئة اللغوية لمصطلح: مسرح. فكأن القرآن، من خلال عرضه لهذين المثالين، يؤكد، على أن المسرح النبوي أصيل، أصالة اللغة العربية، يرتدي حلتها، ويرتفع إلى مقامها، ويجني ثمارها. أضف إلى ذلك، تأكيد السياق القرآني على التصاق المسرح لغويا وعرفانيا، بالطبيعة... الرحم الأم للإنسان...
ثانيا: ارتبطت المسرحيتان السالفتا الذكر بطقوس العبادة والمحراب. ففي المثال الأول، كانت مسرحية الغراب إثر فشل الرهان على قبول طقس القربان من أحد أبناء آدم عليه السلام. وفي المثال الثاني، كان المعبد ركحا للمسرحية الملائكية.
ونستشف من خلال هذه الملاحظة، أن المسرح في القرآن، هو دراما دينية بالأساس، خلافا للاعتقاد السائد بين المسلمين اليوم، بأن المسرح ولد مشركا.
ولعلنا بالرجوع إلى التاريخ القديم للإنسان وحضارته، نجد أن أولى العروض المسرحية كانت دينية، بالأساس، في المعبد والمحراب. فمصر الفرعونية [أنجبت منذ الألف الثانية قبل الميلاد ظاهرة المسرحية الدينية المحجَّبة التي كانت تعرض داخل المعابد المقدسة فقط، ولا يسمح بمشاهدتها إلا للكهنة، ويؤدي أدوارَها الكهنةُ أنفسهم. كما أنجبت المواكب المسرحية الهائلة التي كانت تمثل انتصار الإله حوروس (الخير) على أخيه سيث (الشر). ويمتد الموكب على مسافة 25كم براً ونهراً ـ في النيل وعلى ضفتيه ـ من مدينة ممفيس إلى ميناء أبيدوس. وهذه الظاهرة تشبه احتفالات العرس الإلهي المقدس التي كانت تقام في قصر الملك البابلي على نهر دجلة منذ الألف الثانية قبل الميلاد.] (9) .
وقد ورثت كل الحضارات الشرقية هذا الأصل الديني للمسرح، وطورته حسب نصيبها من الإرث، وحسب ما انحرفت به من مفاهيم الوحي إلى خيالات الأسطورة، فازدهرت الدراما الإغريقية بين صراعات للآلهة يعاد محاكاتها بلغة شعرية راقية مقدسة، تحاكي الوحي في بلاغته. وتطوّرت الدراما البوذية الصامتة [ففي نحو القرن الرابع عشر، أضاف الكهنة البوذيون أناشيد جوقية إلى التمثيل الطقوسي الصامت، ثم أضافوا إلى ذلك شخصيات فردية، ودبروا حبكة للمسرحية بحيث تفسح المجال أمام هذه الشخصيات فتفعل الأفعال كما تقول الكلام، ومن ثم ولدت المسرحية] (10) .
ثالثا: إذا كان العرض الواقعي أمام ابن آدم، يمثل عرضا صامتا حسيا واقعيا، يناسب طفولة الإنسان المعرفية، فإنّ العرض المسرحي الملائكي يمثل البعد الخيالي البرزخي العقلي النفسي. ولا ريب، أن البعد المعرفي التجريدي الروحي يمثله القرآن المحمّدي، من خلال قدرته على استعراض الحدث التاريخي والمستقبلي في أبهى تصوير فني بليغ، تتجلى منه شبكة من الرموز والمفاتيح لحضرات روحية عالية. وهو ما سيكتشفه الجرجاني، من خلال النظم في القرآن. فهذه مستويات ثلاثة للدراما النبوية: حسي وخيالي وروحي.
فالمسرح، مكوّن نبوي، وإحدى طرق الإلهام والوحي، ووسيلة من وسائل التربية والإصلاح، وأصالته ضاربة في العمق اللغوي والعرفاني... فالأنبياء كانوا يسرحون بالأغنام، في إطار عملية ترميز، وحل شيفرات الإنسان: اجتماعيا ونفسيا وسياسيا.فمن خلال هذه الرؤية، يمكننا قراءة كل العروض الدرامية المستوحاة من القصص القرآني والأمثال القرآنية المرتبطة بالطبيعة والفلاحة والإنسان، في تأصيل روحي يجعل من الحركة المسرحية والصورة والإضاءة والحدث والنص، تجليات الحرف القرآني الناظم للكلمات والآيات والسور.
المسرح والتفسير
لماذا لم يكتشف المفسرون هذه الرؤية القرآنية الأصيلة للمسرح، ولم يقبلوا على الدراما بوصفها عملا ارتبط بالوحي والنبوّة؟ ولماذا يعادون المسرح في أغلب أدبياتهم؟
بوادر الرؤية الفنية اللغوية للقرآن، بدأت مع الجرجاني، من خلال نظريته حول النظم في القرآن، والتي فسّر بها إعجاز القرآن. [حتى إذا جاءت العصور الحديثة وفيها ارتقى التصوير، وأدوات العرض بالرؤية من أشرطة وأجهزة رائية جهد الأدب أن يلحق المصوّرة، ويحل بالكلمة والعبارة محل الصورة، وكان من البديهي أن يلتفت الدارسون إلى إعجاز القرآن يبحثون فيه عن الصورة وعن فن التصوير.] (11) .
ويعتبر سيد قطب أول من تحدّث عن: التصوير الفني في القرآن، فيقول: [إن حقيقة جديدة تبرز لي، إن الصور في القرآن ليست جزءا منه يختلف عن سائره، إن التصوير هو قاعدة التعبير في هذا الكتاب الجميل، القاعدة الأساسية المتبعة في جميع الأغراض- فيما عدا غرض التشريع بطبيعة الحال- فليس البحث إذن عن صور تجمع وترتب، ولكن عن قاعدة تكشف وتبرز، ذلك توفيق لم أكن أتطلّع إليه، حتى التقيت به] (12) .
وبعد كتاب سيد قطب (1945) صدر تفسير للقرآن للأستاذ: عبد الكريم يونس الخطيب في سنة 1970، تحت عنوان: التفسير القرآني للقرآن، ويعتبر أول تفسير يشتمل على عبارات ومفردات وألفاظ ومصطلحات العرض المسرحي. فقد ذكر كلمة: مسرح أكثر من عشرين مرّة، وكذلك كلمات: عرض، أشخاص، أحداث، مشهد، حركات... 
فمن جملة تفاسيره، تعليقه على آيات سورة الشعراء، بخصوص جمع السحرة للتحدي، فيقول: [وفي هذا المشهد نرى حركات سريعة متلاحقة، بعضها خفيّ، وبعضها ظاهر... ويتشكل من خيوط هذه الحركات صور شتى، تظهر على مسرح الأحداث..] (13) . 
ويقول أيضا: [والمشاهد لهذه المشاهد من خارج، يرى فى كلمات الله التي صورتها، ما لا يراه على مسرح الحياة، ولو أتيح لهذه المشاهد من أبرع المخرجين من يخرجها ويتخير لها كل ما فى الحياة من إمكانيات.. فى الممثلين وأدوات التمثيل!] (14) .
وباحتشام كبير، نجد بعض عبارات الفن المسرحي تتسرّب إلى بعض العلماء، كتعبير أدبي فني، لا روحي تجريدي، فنقرأ لسعيد حوى مثلا: [...والواقعية الصادقة الأمينة النظيفة السليمة في الوقت نفسه، لا تقف عند واقعية الشخصيات الإنسانية التي تحفل بها القصة في هذا المجال الواسع، فى هذا المستوى الرائع. ولكنها تتجلى كذلك في واقعية الأحداث والسرد والعرض وصدقها وطبيعتها في مكانها وزمانها، وفي بيئتها وملابساتها. فكل حركة وكل خالجة وكل كلمة تجئ في أوانها، وتجئ في الصورة المتوقعة لها. وتجئ في مكانها من مسرح العرض. متراوحة بين منطقة الظل ومنطقة الضوء بحسب أهميتها ودورها وطبيعة جريان الحياة بها .. الأمر الملحوظ في الشخصيات أيضا كما قررنا من قبل هذا ..] (15) .
ويعدّ الشيخ الطاهر بن عاشور من أوائل من أجاز التمثيل والمسرح انطلاقا من دليل قرآني (مسرحية الملائكة أمام النبيّ داود عليه السلام) ونشر تفسيره سنة 1984 في 30 جزء، تحت عنوان مختصر: تفسير التحرير والتنوير.
كلّ هذه الإشارات الإيجابية، لم تمنع الموقف العدائي السلبي ضدّ المسرح، من علماء ودعاة وكتاب، حيث يربطون كل رذيلة بالفنون، وعلى رأسها المسرح، باعتبارها وسائل الغرب في محاربة الإسلام. [قال الشيخ محمد قطب مبيناً استغلال أعداء الإسلام لهذه الوسائل في هدم الإسلام: «كان من المفاسد الجديدة التي جاء بها الاستعمار: التلاعن بالفاحشة باسم «التحرر» و»الانطلاق» و»المدنية» والدعوة إلى السفور والدعوة إلى الاختلاط، وكان منها توسيع دائرة «اللهو» باسم «الفن» و «الرقي» و»الحضارة» فمرة مسرح، ومرة سينما، ومرة إذاعة ماجنة تقدم الغناء الفاحش، والتأوهات المريضة والألفاظ العاتية، ومرة يكتب عليه صراحة اسم «ملهى» ومرة.. ومرة.. ومرة.
وقال أيضاً: «وجدت بعد أيام الاستعمار الأولى وسائل أخرى كلها للإفساد، من أبرزها التلفزيون والفيديو ... واتخاذ الصحافة النسوية ثم السينما والتلفزيون لإغراء المرأة بمزيد من التبذل والفساد»] (16) .
ونعتقد، أن ارتباط المسرح في بداياته بالاستعمار، وبالشخصيات المسيحية، وحتى بنصوص غربية معروضة على خشبة المسرح (17) ، جعل المحافظين يتصدّون لهذا الفن الغازي، ولم يكتشفوا، للأسف، أن مقوّمات التعبير الخطابي القرآني، لا تخرج عن المشاهد الدرامية والعروض الفرجوية والمسرحيات التمثيلية... باعتبارها أنماطا إيحائية وتربوية وعرفانية، موجهة للإنسان، في نسخته المحمّدية. 
الهوامش
[1]  في حديث أم زرع «له إبل قليلات المسارح كثيرات المبارك». 
وحديث جرير «ولا يعزب سارحها».
وحديث «لا يمنع سرحكم».
وحديث ابن عمر «فإن هناك سرحة لم تجرد ولم تسرح».
و حديث ظبيان «يأكلون ملاحها ويرعون سراحها».
وحديث الفارعة «إنها رأت إبليس ساجدا تسيل دموعه كسرح الجنين».
وحديث الحسن «يا لها نعمة- يعني الشربة من الماء- تشرب لذة وتحرج سرحا». 
وحديث الفجر الأول «كأنه ذنب السرحان».
[2] ابن الأثير، مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد بن محمد ابن عبد الكريم الشيباني الجزري