خواطر

بقلم
امحمد الخوجة
نريد الإصلاح ولكن...
 من سنن الله عزّ وجلّ أن تحدث للأمم والشّعوب كبوات، تؤثّر على مسيرتها الحضاريّة، ولذلك نجد منذ القدم أمما ضَعفت حالتها الاقتصاديّة والثّقافية والاجتماعيّة، بمجرد تفريطها في بعض الرّكائز والمقومات والآليات التي كانت تقوم عليها حضارتها. ولقد ذكّرنا التّاريخ بأمم أبيدت وانتهى أمرها، وأخرى استعادت عافيتها وحيويتها بعد جهد كبير وإصلاح عميق وتغيير جذري وشامل، لأجهزة التّحكم والتّسيير. 
يحتاج «الإصلاح» إلى معاناة وصبر وطول نفس، فالفراشة ما صارت فراشة بألوانها الزّاهية، إلاّ بعد معاناة التّخلّص من الشّرنقة، والوليد لم يصبح بالغا، راشدا، إلاّ بعد اجتياز مراحل صعبة وعسيرة، ليشتدّ عوده في النّهاية. ومنه نستفيد أنّ الحياة، تعجّ بالدّروس التي يمكن أن نستلهم منها، قيم الإصلاح والتّغيير إلى الأفضل ونخلص إلى أنّ الإنسان المسلم، لا بدّ له أن يتبنّى منهجا في الإصلاح يعتمد من ناحية على تدبّر الأسرار، والظّواهر التي تحدث في الكون، على مستوى الطّبيعة والحيوان، بل وحتّى على مستوى الحشرات، ومن ناحية ثانية يرتكز على الصّبر وتقبّل الاختلاف واتخاذ القرار المناسب بعد التّشخيص والمعاينة وهو منهج رسول الله صلى الله عليه وسلّم الذي هو منهج ربّاني في الغالب، مستمدّ من الوحي الإلهي.
اتخاذ متسع من الوقت
يحتاج «الإصلاح» إلى وقت طويل، وعدم السّقوط في مطبّة الاستعجال ومحاولة قطف الثّمار قبل نضجها، ولنتذكّر المهلة التي اعتمدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتّى يكثر عدد الرّاغبين في الإصلاح، مع العلم أنّ اتخاذ الوقت الكثير ينبغي أن تصاحبه برامج ومقترحات وخطّة عمل، يسهم في إنجاحها الجميع، كلّ من منطلق مكانته ومسؤوليته.
اتخاذ القرار، وتشخيص مكامن الخلل.
ثم إن اتخاذ القرار من أجل التغيير والإصلاح، يتطلّب الواقعيّة وتشخيص مكامن الخلل، بدقّة متناهية، واعتماد الجرأة الكافية، وخذ كمثال على ذلك الجهر بالدّعوة من طرف رسول الله صلّى الله عليه سلّم، فهو عندما شخّص مكامن الخلل المتمثّل في الانهيار الأخلاقي والعقدي، عندئذ بدا واضحا أنّ الأهداف يمكن تحقيقها، فلجأ  إلى شيء من الجرأة لاتخاذ القرار، والإفصاح عن الهدف الذي كان يعمل على تحقيقه.
الاعتناء بمن لهم الرغبة في الإصلاح.
قد لا نغالي إذا ما جزمنا بأنّ العناية بمهمّة «الإصلاح» ينبغي أن يعتمدها ويتبنّاها من لهم الرّغبة الجامحة في التّغيير إلى الأفضل، وانظر إلى منهج الرّسول صلّى الله عليه وسلّم وصحابته، لتجد أنّهم كانوا حريصين على العناية بمن يريد أن يسهم في الإصلاح سواء بالمال أو النّفس أو غير ذلك، دون اللّجوء إلى فرض القوّة والقهر وسلب الأموال، وذلك بغية الانخراط الكلّي والشّامل، في تحقيق الإصلاح، وقد عاينّا هذا على مستوى أغلب القريشيين، حينما انخرطوا في طلب الإصلاح، مع معارضتهم له في أوّل الأمر، فاعتنى بهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أيّما اعتناء. 
ولعلّ أسلوب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كان واضحا على مستوى هذا الاتجاه، إذ كانت دعوته لا تعتمد على حرب ولا على قتال، وسفك دماء، اللّهم إن منعه مانع جاحد، من عدم إبلاغه دعوة ربّه.
تبنّي مبدأ الاختلاف، وقبول الرّأي الصّائب
وهذا من أهم الأسس التي ينبغي تبنّيها، إذًا لا يمكن قيام حضارة دون اعتبار هذا الأساس، إذ من خلاله تتكرّس قيم الانفتاح على الآخر، وتتوطّد العلاقات بين المجتمعات والأفراد، وتتلاقح الأفكار منتجة أساليب وطرقا تسهل العيش، وتنشر الحياة، وحياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تعج بأمثلة كثيرة على هذا الصّعيد، كقبوله فكرة سلمان رضي الله عنه في حفر الخندق، وهو فارسي الأصل، قادم من بلاد الفرس. 
الخلاصة
يحتاج الإصلاح إلى أسس كثيرة، على رأسها قبول الرّأي الصّائب والاختلاف مع الآخرـ وإن ذكرناه متأخّراـ كما أنّه  من بين أسس الإصلاح، تخصيص الوقت الكّافي، واتخاذ القرار عندما تتهيأ الظروف لذلك، مع الرّعاية والعناية بمن يريد الإسهام في الإصلاح، سواء كان سياسيّا، أو كاتبا مفكّرا، أو مدرّسا يجتهد في إصلاح النّشء...
فإذا ما تحقّقت تلك الأسس، وتمّ الاقتناع بها، تكون الرّغبة قد استحوذت على أذهان عناصر المجتمع قاطبة، بغية تكريس الإصلاح، إلاّ أنّناـ نحن معشر المسلمين ــ نريد الإصلاح على مستوى كثير من المجالات، وندندن به، ولكن في الغالب الأعمّ، لا نعتمد إلاّ أسسا غربيّة، أغلبها لا يليق بأرضيتنا، ولا يتماشى مع عاداتنا وأعرافنا.