نقاط على الحروف

بقلم
أ.د.فوزي أحمد عبد السلام
صفقة القرن: انتصار الغرب بلا حرب
 قومية للشّتات
علي نفس الوزن تأتي الصّفقة والصّفعة لتكون في ظاهرها صفقة وفي باطنها صفعة، ويبدو أنّنا لطالما كنّا متخلّفين سيكون لنا في كلّ قرن صفعة، وهو امتداد طبيعي جدّا لوعد بلفور وسياسة زرع وتمكين اليهود في هذه المنطقة. فمنذ قرن مضى على وعد بلفور 1917 وزير خارجية بريطانيا آنذاك والذي منح فيه اليهود وعدا بإنشاء وطنا قوميا لهم في فلسطين، وهو إعطاء ممن لا يملك لمن لا يستحق، ولا أعلم فيما أعلم أن هناك وطنا قوميّا لدين، فالأديان تتجاوز الجغرافيا والأعراق والقوميّات، قرن مضى تقدّست فيه دماء حول الأقصى وتنجّست فيه أخرى خصوصا في سفك الدّم المعصوم بغير حلّه، لكنّ السّؤال الذي يطرح نفسه ماذا قدمنا لأمّتنا في قرن مضى كي لا نكون صفقة لقرن آت والذي يهندسها اليهودي جاريد كوشنير ورفيقه جيسون جرينبلات والأول زوج ابنة رجل أعمال البيت الأبيض وتاجر العقارات الكبير ترامب. والغريب أنّ المعروف تاريخيّا أنّ بلفور لم يكن متعاطفا أصلا مع اليهود، بل في 1905 قدّم مشروعَ قانون للحكومة البريطانيّة يحدّ بموجبه من هجرة اليهود الرّوس إلي بريطانيا، لأنّهم يعرفون جيّدا شرّ وجود اليهود أينما كانوا، حتّى أنّ واحدا من كبار فلاسفة الغرب مثل جوستاف لوبون يقول: «ظلَّ اليهود -حتَّى في عهد ملوكهم- بدويِّين أفّاكين، مغيرين سفَّاكين، مندفعين في الخصام الوحشي، فإذا ما بلغ الجهد منهم ركنوا إلى خيال رخيص، تائهة أبصارُهم في الفضاء، كسالى خالين من الفكر كأنعامِهم التي يحرسونها».[1] وفي مقام آخر يقول لوبون: «لَم يجاوز قُدماء اليهود أطوار الحضارة السُّفلى التي لا تكاد تميز من طور الوحشيّة، وعندما خرج هؤلاء البدويُّون الذين لا أثرَ للثّقافة فيهم من بادِيَتهم ليستقرُّوا بفلسطين، وجدوا أنفُسَهم أمام أُمَمٍ قويَّة متمدّنة منذ زمن طويل، فكان أمرُهم كأمر جميع العروق الدّنيا التي تكون في أحوال مماثلة، فلم يقتبسوا من تلك الأمم العليا غير عيوبِها وعادتها الضّارية، ودعارتها وخرافاتها». أي أنّ وعد بلفور كان حلاّ سحريّا لتقليص تواجد اليهود في أوروبا من ناحية ولاستكمال المشروع الغربي الاستعماري من ناحية أخرى والذي كان قد أصبح وجودهم على الأرض عبئا ثقيلا عليهم بالفعل، ولم يكن الاستيطان هو هدفهم الأساس، لكن كان الهدف هو خدمة بعض الفئات الرّأسمالية الصّناعية والمصرفيّة المتوحّشة من خلال تأمين منجما رخيصا إن لم يكن مجانيّا لموادهم الخامّ ومن بعد ذلك سوقا لتصريف منتجاتهم بأبهظ الأثمان. 
لتحقيق هذا المخطط تمّ تكوين علاقة صوفيّة بين الشّعب والأرض من خلال مفكّرين غربيّين مثل دوفنوف ينبنون وينشرون أفكارا مثل «لا يمكن لليهودي أن يكون منتجا إلاّ في أرض الميعاد»، «لا حضارة حقيقية في المنفي»، «لن تكون أرض الميعاد خصبة إلاّ حين تطؤها الأقدام اليهوديّة». حتّى صارت في نهاية الأمر كالمعتقدات الدّينية. 
وضع التخلف المستقر 
من هنا وضع الانجليز -الامبراطورية العظمي التي لا تغيب عنها الشّمس في العالم آنذاك- خصوصا (والغرب عموما) خطّة لتهجير عدد ضخم من اليهود الأوروبيّين وغيرهم على مدار خمسين عاما عقب الوعد الخبيث، هؤلاء اليهود كما حقّقه علماء الأجناس والجغرافيا[2] ليسوا يهود بني إسرائيل الذين سكنوا هذه الأرض المقدّسة قديما، فلم يتعدّ نسبة اليهود بهذه الأرض المقدّسة حتى أوائل القرن العشرين أكثر من 3 % من السّكان. لكن مع بدايات القرن العشرين توافدت الهجرات السّرية من روسيا وبولندا وباقي دول أوروبا وأثيوبيا إلي شواطئ فلسطين وذلك بهدف تغيير التّركيبة الدّيموجرافية لفلسطين حتى إنّ مجلس وجهاء فلسطين قدّم احتجاجا للسّلطان العثماني حينها يطالبة بالمساعدة في وقف هجرة اليهود الرّوس إلي فلسطين. 
بهذا الوعد وضع الغرب اليهود في مكانهم الصّحيح في مسلسل استكمال المشروع الاستعماري لبقية القرن العشرين، وستكون صفقة القرن بمثابة استكماله للقرن الحادي والعشرين لتظلّ هذه المنطقة من العالم في وضع التّخلف المستقر، أن تبقى هذه المنطقة سوقا جبّارة لتسويق انتاج الغرب والشّرق غير المسلم بدءًا من انتاج الصّناعات الثقيلة والعسكريّة خصوصا وانتهاء بانتاج صناعات التّرفيه، ومنجما لا تنضب موارده الثّرية من المواد الخام الرّخيصة الثّمن بهيمنة القوّة وليس بحركة السّوق بحيث تصبح شعوبها مجرّد عمال في هذه المناجم. وأدرك الغرب خطورة هذه المنطقة منذ القرن السّادس عشر، أدرك أنّ فيها فائضا من كلّ شيء: فائضا من الثروات الطّبيعية حتّى في الاعتدال المناخي، فائضا من البشريّة خصوصا في الشّباب، حتّى في عصر سيادة الحروب، فائضا من التّدين حتّى في عصرانتشار الموجات الإلحاديّة. يدرك الغرب خطورة هذا الفائض، فمن الممكن استثماره في انتاج حضارة تنافس حضارته خصوصا في مرتكزاتها القيميّة، لذا وظّف الغرب نظما تستنزف هذا الفائض، ولمّا كان الخوف هاجسا في تحوّل هذه النّظم باتجاه شعوبها أو غلبة الشّعوب على أنظمتها، وظّف كما يقول الدكتور المسيري إسرائيل لتقوم بوظيفة معيّنة في مشروع استعماري لا علاقة له باليهودية[3]، وهو استنزاف ونزح الثّروات من المنطقة حتّى لا تُبنى تنمية حقيقيّة وهو عين ما أشار إليه الفيلسوف الإنجليزي برتراند راسل في مقالة له نُشرت عام 1970 يقول «لقد قيل لنا مراراً وتكراراً أنّه يجب التّعاطف مع إسرائيل بسبب معاناة اليهود في أوروبا على أيادي النّازيين ....  ولكي تدين إسرائيل الأمم العربيّة التي خرجت حديثاً من الحكم الاستعماري لتفقرهم عن طريق المتطلّبات العسكريّة عوضاً عن التّنمية الوطنية».
التهجير بدلا من الاندماج  
كان تهجير اليهود من أوطانهم الأصليّة في القرن الماضي هو الحلّ للمسألة اليهوديّة في أوروبا وذلك بدلا من إدماجهم فيها بالرّغم أنّها أوطانهم، بل إنّ الثّابت تاريخيّا قيام المنظّمات الصهيونيّة مثل سام وكيمل وشورا وكاخ بتفجير الأماكن العامّة في العراق وفي مصر وفي سوريا وفي غيرها التي يرتادها اليهود بل وفي معابدهم لإجبارهم على الهجرة لأرض الميعاد، بل وأحيانا في شكل صفقات خبيثة مثل تلك التي عقدها نوري السعيد رئيس وزراء العراق مع دافيد بن جوريون لبيع يهود العراق 130 ألف يهودي لإسرائيل تحت شعار خبيث أعلنه نوري السعيد آنذاك «هجرة غير محدودة لليهود ستؤدي الى انهيار دولة اسرائيل، والحقيقة أنّ هؤلاء وأمثالهم هم من بنوا إسرائيل بالفعل، والآن يريد بينيامين نتنياهو إعادتهم «أحفاد أحفادهم طبعا» إلي بلدانهم الأصليّة، فيما يسمي حقّ العودة تشبّها بالفلسطينين المشرّدين والمبعدين في أنحاء الدّنيا وشتّان ما بين هذا وذاك، شتّان ما بين المسخ والأصل. 
هاجر يهود من أرجاء الدّنيا لا ينتمون لقوميّة واحدة ولا لهويّة واحدة ولا للغة واحدة، إلى أرض السّمن والعسل، الأرض المباركة، وذلك في غفلة حضاريّة غير مسبوقة وبمباركة عملاء لهم في المنطقة، كانوا ينمون في الوقت الذي كانت تأفل فيه دولة الخلافة. فهل يهود اليوم خصوصا الذين يحتلون فلسطين الآن هم أحفاد يعقوب عليه السّلام، أي بني إسرائيل التوراة؟ الذين سكنوا القدس وفلسطين قديما. توصَّل الأنثربولوجي البريطاني «جيمس فنتون» في دراسةٍ على يهود إسرائيل، إلى أنّ 95 % من اليهود ليسوا من بني إسرائيل التوراة، وإنّما هم أجانب متحوّلون أو مختلطون، وقد أثبت ذلك أيضاً الأنثربولوجي فيلكس فون لوشان أنّ من يهودنا المحدثين نحو 50 % عراض الرؤوس، 11 % ذوو بشرة بيضاء، ومالا يزيد عن 5 % يتّفقون مع ما عرفنا من النّمط السّامي القديم[1]. ممّا يثبت ذلك أيضاً أنّ اليهود بعد خروجهم الأخير وطردهم على يد الرّومان، خرجوا نحو 40 ألف يهوديًّا، ثم ذكروا أنّهم أصبحوا ما بين 4-7 مليون يهودي في أقلّ من 500 سنة من طردهم، أي أنّهم ضاعفوا عددهم مابين 100-180 مرّة، وهذا معدل فلكي لا يمكن أن يكون قد تمّ بتزايد بشري طبيعي، بل كان سببه دخول قبائل وشعوب ليست من نسل يعقوب وذرّيته في اليهوديّة، وقد ثبت حدوث أمثلة لهذا التّحول تاريخياً؛ مثل: اليهود الخَزَر، واليهود الفلاشا، واليهود السّود من التاميل، وغيرهم ممّن ليس لهم أصول يهودية[4] وعلى ذلك، فلا يصحّ أن يطالب أقوام بإرث آباء ليسوا آباءهم، بل هم يهود الشّتات؛ فقد شتّتهم الغزو الفرعوني، ثمّ الآشوري، ثمّ الآرامي والبابلي، ثمّ الإغريقي، ثمّ البطالسة، ثمّ الفينيقيون، ثمّ اليونانيون، ثمّ الرومان.
ولا يزال التهجير هو الحلّ
ولا يزال التهجير هو الحلّ، لكن هذه المرّة للفلسطينيّين، وهو إحدى اللّبنات الأساسيّة لما أصبح معروفا من السّياسة بالضّرورة بصفقة القرن أو إن شئت تصحيحا صفعة القرن والتي تحيكها إدارة المقاول ترامب منذ وصولها إلى البيت الأبيض حيث تجاهلت تماما ما صكّته  إدارة بوش الابن من خلال خطّة خارطة الطّريق التي طرحها عام 2002 والمتمثّلة في فكرة حلّ الدّولتين وتابعت على ذلك إدارة باراك أوباما، وفي نظري أنّها خطّة إعلاميّة فقط للاستهلاك الدّولي وللتنظير الكلامي وغير قابلة للتّنفيذ ومن خلال الدّوران في سراديب جدل المفاوضات العقيم. أمّا صفقة القرن فسيتمّ فيها تهجير جزء كبير من أهالي قطاع غزّة بعد توجيه ضربة عنيفة لهم إلى الشّريط الحدودي الملاصق لها في سيناء وتعويض مصر بأراض من صحراء النّقب إلى جانب ميزات أخرى مادّية تضخّ في عروق الإقتصاد المصري المنهك. 
كلّ ذلك من خلال إنشاء كيان كونفدرالي  للفلسطينيّن مع مصر والأردن، وليس  دولة مستقلّة ذات سيادة، وسيتمّ طرح توسيع مدينة القدس من خلال ضمّ أحياء عربيّة، مثل أبو ديس والعيزرية وكفر عقب «قلنديا»، لتسمّى بالقدس الكبرى ووفقاً للصّفقة ومن خلال هذا التّحايل، فإنّ هذه الأحياء العربيّة الثّلاثة ستشكّل مدينة القدس عاصمة للدّولة الفلسطينيّة منزوعة الدّسم أقصد السّلاح. وعلى الطّرف الآخر رفض أيّ سيادة على المنطقة الممتدّة ما بين البحر المتوسّط ونهر الأردن سوى السّيادة الإسرائيليّة، ورفض أيّ إخلاء لأيّ مستوطنة، والإبقاء على القدس موحّدة وعاصمة وحيدة لإسرائيل، أمّا عودة اللاّجئين حتّى إلى المناطق الفلسطينيّة فتقذف بها في رحم الغيب. أمّا دخول إيران في جملة غير مفيدة مثل  «التّنسيق الأمني مع دول الاعتدال العربي في مواجهة ايران والارهاب» فمن الممكن حذف إيران واستبدال كلمة إرهاب بالمسلمين ستصبح الجملة مفيدة جدّا حينئذ، بالتالي فدخول إيران هو للتدّجيل على المنطقة بأسرها والتي تمّ شحذها بالخلاف المذهبي السّني - الشّيعي.
نزع أظافر وأيديولوجيا المقاومة
الهاجس الذي يقضّ مضاجع الغرب أن يكون مع الدّعاء شئ من القطران، فقد فوجئ في عام 1987 م بانتفاضة جزء  صغير جدّا مبنى ومعنى من الأمّة التي هي في حكم الأمّة الميتة وهم أطفال فلسطين، ليثبت أنّ جينات هذه الأمّة في المقاومة لم تمت بعد. نشأ هؤلاء الأطفال على المقاومة حتى صاروا شبابا وطوّروا أسلحة مقاومتهم من الحجر حتى وصلوا لصناعة الصّواريخ - وإن كانت متواضعة - في أقل من عشرين عاما في ظلّ ظروف الحصار والقصف. لذلك كان لابدّ من التّخلص من برميل البارود الغزّاوي واحتواء الغضب الكامن في كتلة بشريّة ضخمة خصوصا وأنّها تشعر أنّها في خطر وجودي وأنّها في أضعف لحظاتها الآن، لذلك تفتّق ذهن الغرب الاستعماري عن «صفقة القرن»، وأخطر ما فيها هي محاولة صكّ مفهوم سياسي اجتماعي جديد يبيض وجه الاحتلال القبيح وينسي الشّعب العربي المسلم مأساته وهو إنهاء معاناة الشّعب الفلسطيني عموما والغزّاويّون خصوصا وهو لا يزال تحت الاحتلال الإسرائيلي، من خلال تقديم دعم مالي بقيمة 10 مليارات دولار - لن تدفعها إسرائيل بالضّرورة - تنهض هذه المليارات العشرة بالوضع الاقتصادي، وتحسين مستوى معيشة الفلسطينييّن في الإقليم المقترح. وهو صورة معدّلة ومخفّضة من مشروع مارشال لإعادة إعمار أوروبا وتشغيل اقتصادها ومصانعها بعد الحرب العالميّة الثّانية خشية أن تكون أوروبا تربة خصبة لإنتشار الشّيوعية، وبالتّالي فإنّ صفقة ترامب تنفذه روح هذا المشروع تقريبا خشية تمدّد المقاومة ونجاح أي ثورة في أي دولة مجاورة لفلسطين. أي أنّها تطلب من الفلسطينيّين القبول بتصفية قضيتهم مقابل تحسين أوضاعهم المعيشيّة البئيسة. في حين أنّها ترصد مكافآت سخيّة لدولة الاحتلال وتعفيها من أيّ مسؤوليّة عن احتلالها واستيطانها وتنكيلها بالشّرف العربي والإسلامي لمدّة سبعين عاما. 
قد يقول قائل هل إنهاء معاناة الشّعب الفلسطيني شيء سيء، أقول بالطبع لا، لكنّ الخطر هو تقبّل الاحتلال الاستيطاني في العقل والقلب وبذلك يكون الرّابح الأساس هي إسرائيل ومن ورائها الغرب ، فإن تمّت بالفعل صفقة القرن وانتهت معاناة الشّعب الفلسطيني «ظاهريّا» خصوصا الشّعب الغزّاوي وفتحت الحدود بشكل دائم وأصبح لهم ميناء جويّ وآخر بحريّ وتذوّق الغزّاويّون طعم الرّاحة فسيكفرون بالمقاومة وينسى الفلسطينيّون واقع الاحتلال الإسرائيلي، ولا يستبعد أن يطالبهم أطراف اللّعبة بتسليم أسلحتهم للسّلطة الفلسطينيّة التي أصبحت في بعض أشكالها بعد أوسلو ذراع وزارة الدّاخلية الإسرائيليّة داخل البلدات الفلسطينيّة. 
هذا الخوف من إنهاء معاناة الشّعب الفلسطيبني لأنّها في حقيقتها إنهاء مقاومة الشّعب الفلسطيبني، حتّى ولو بتغيير الأيديولوجيا، وربّما يدّعم ذلك إصدار وثيقة حماس الجديدة وهي وثيقة المبادئ والسّياسات العامّة [5] وقد احتوت على بعض البنود المشوّشة بعض الشّيء مثل بند إقامة دولة فلسطينيّة مستقلّة كاملة السّيادة وعاصمتها القدس، على خطوط الرّابع من حزيران/ يونيو 1967 وعدم النّص صراحة للانتساب للإخوان المسلمين خلافا للنّص الوارد في ميثاقها الأول الصادر عام 1988 م والذي يشير بوضوح إلى أن الحركة، هي جناح من أجنحة جماعة الإخوان المسلمين[6]، وهو ما تدعّمه تصريحات قادة حماس إعلاميّا بأنهم جزء من ذاك المنهج، فإن كانت مناورة سياسيّة فقط فهذا ضرره أكثر من نفعه خصوصا إذا كانت حماس تسعى من خلال هذه الوثيقة الجديدة إلى الحصول على القبول الإقليمي والدّولي. 
بالإضافة إلى ذلك، كانت حماس لا تفرّق في الوثيقة الأولى بين عموم اليهود كأتباع «دين سماوي»، وبين اليهود المحتلّين لفلسطين، أمّا في الوثيقة الحاليّة فتعلن أنّها لا تعادي اليهود بسبب ديانتهم، بل لاحتلالهم «أرض فلسطين»، وهو ما تتبناه حركة فتح منذ 1965، فهل تكون هذه هي الخطوة الأولى في الافتراق الأيديولوجي تتلوها خطوات أكثر راديكاليّة في الافتراق مثلما حدث مع حركات كبيرة أخرى في منطقتنا العربية المتوسطيّة وانفتاحا جديدا باتجاه العالم خصوصا مع حالة الغموض الذي يلفّ مستقبل الحركة الأمّ في المنطقة القريبة جدّا منها، وطرح رؤية جديدة للصّراع مع إسرائيل على أنّ جوهره سياسيّ لا دينيّ. لكن ومع كل ذلك ربّما يكون الوضع المشوّش هذا مرادا كخطوة أولى كما ذكرنا لمخاطبة المؤيد والمعارض.
الهوامش
[1]  جمال حمدان، «اليهود أنثروبولوجيا»، دار الهلال،القاهرة، مصر، 1969.
[2]  جوستاف لوبون «اليهود في تاريخ الحضارات الأولى» ، ترجمة عادل زعيتر،  دار طيبة للطباعة، الجيزة، مصر. 2008.
[3]عبد الوهاب المسيري، «الأيديولوجية الصهيونية دراسة حالة في علم اجتماع المعرفة»، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقلفة والفنون والآداب، الكويت.
[4] جمال عبد الهادي - وفاء محمد رفعت جمعة،  «ليس لليهود حق في فلسطين» دار الوفاء، المنصورة، مصر، 1993.
[5]  متاحة علي موقع المكتب الإعلامي لحركة المقاومة الإسلامية حماس تحت الرابط 
https://hamas.ps/ar/uploads/documents/599abf9aafa1b76837c1242eb229e87b.pdf
[6] للاطلاع على ميثاق حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، انظر: مجلة الدراسات الفلسطينية، المجلد 4، العدد 13، بيروت، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، شتاء 1993